قصيدة «شجر الليمون» للشاعر الإيطالي أوجينيو مونتالي

مونتالي
مونتالي
TT

قصيدة «شجر الليمون» للشاعر الإيطالي أوجينيو مونتالي

مونتالي
مونتالي

ترك مقاعد الدراسة المبكرة حين كان لا يزال طالباً في مدرسة ثانوية، ورداً على ذلك أشار إلى أن الابن الأصغر في أسرة كبيرة غالباً ما يُسمَح له بأن يفعل ما يشاء، ولعل الوضع الاقتصادي الجيد لعائلته التي تخصصت في تجارة المنتوجات الكيماوية ساعده على تعليم نفسه بنفسه بارتياد مكتبات مدينته ومرافقة أخته التي كانت تدرس الفلسفة عند الذهاب إلى محاضرتها. كذلك، ابتدأ بدراسة الغناء بشكل شخصي على يد مغني الأوبرا أرنيستو سيفوري، لكن التحاقه بالجيش خلال سنوات الحرب العالمية الأولى (حيث خدم برتبة ضابط مشاة) بين عامي 1915 و1918 وموت سيفوري وقرار مونتالي باحتراف الأدب أبعده عن ذلك الشوط، الذي أظهر فيه اهتماماً كبيراً بالميلودراما وتقنياتها. لذلك؛ فإنه حين بدأ يكرس نفسه للشعر، كان قد امتلك ثقافة غنية ومتنوعة وذائقة قوية لموسيقى بيليني وديبوسي، وللرسم الانطباعي والفن الروائي الذي تأسس على يد روائيي القرن التاسع عشر الكبار.
استقر مونتالي في مدينة فلورنسا منذ عام 1928، حيث أصبح مديراً لمكتبة «غابينتو فيسو» العامة وأحد الوجوه الثقافية البارزة غير المذعنة للحزب الفاشي الحاكم آنذاك في فلورنسا. وكان رفضه الانتماء إليه وراء طرده من وظيفته في إدارة تلك المكتبة عام 1938.
عام 1925 صدر ديوانه الأول «عظام الحبّار» الذي أصبح بسرعة من كلاسيكيات الشعر الإيطالي، وفي قصائد هذا الديوان تظهر المشاعر تحت صرامة فكرية شديدة جنباً إلى جنب مع وصف آسر للبحر المتوسط في لحظات مختلفة من تجلياته، وكان ذلك الديوان نوعاً من التعبير الصامت عن رفضه لصعود موسوليني وحزبه الفاشي إلى الحكم باللجوء إلى العزلة والانشداد كلياً إلى الطبيعة.
كان للشاعر تي إس إليوت الذي يشاطر مونتالي عشقه لدانتي، تأثير مهم على شعره خلال الثلاثينات من القرن الماضي. وتجلى ذلك في ديوانه الثاني «مناسبات» الذي صدر عام 1939، والذي عدّه الناقد الإيطالي البارز فرانكو فورتيني مع ديوانه الأول «عظام الحبّار» علامة فارقة للشعر الإيطالي في القرن العشرين.
استقر مونتالي في مدينة ميلان منذ عام 1948 وحتى وفاته. وفيها صدر ديوانه الثالث، «العاصفة وأشياء أخرى» عام 1956. وتعدّ قصائد هذا الديوان مع الديوانين السابقين أكثر أشعار مونتالي التي لاقت استحساناً من القراء والنقاد على حد سواء.
حظيت قصيدة «شَجَر الليمون» (التي نظمها مونتالي بين عامي 1921 - 1922) باهتمام كبير في العديد من بلدان العالم، وترجمت مرات عدة إلى الإنجليزية حتى يومنا الحالي؛ إذ ظلت تصدر في كبريات الصحف مثل «نيويورك تايمز» و«الغارديان».
استمعوا إليّ: الشعراء المكللون بالغار
وحدهم من يمشون بين نباتات
ذات أسماء نادرة: البقس، وجنبة الرباط والأقنثا.
لكني أحب دروباً تؤدي
إلى خنادق عشبية حيث الأطفال
يرفعون بأيديهم بضع أسماك جائعة
من سمك الانقليس من بِرَك شبه جافة:
دروباً تمتد بجانب الضفاف،
وتمر ما بين الخيزران المقنبر
وتنتهي ببساتين، كثيفة بشجر الليمون.
من الأفضل إذا كان صخب الطيور
يتلاشى، حيث الزرقة تبتلعه:
نستطيع أن نسمع همسات أكثر
لأغصان حميمة في جو غير هادئ تماماً،
والأحاسيس الناجمة عن هذه الرائحة
التي لا يمكن فصل ذاتها عن التراب
والأمطار، حلاوة مضطربة في القلب.
هنا، وبمعجزة ما، الحرب
الناجمة عن عواطف متكدرة تعلن هدنة؛
هنا نحن الفقراء، نتسلم، أيضاً،
حصتنا من الثروات،
التي هي عبق شجر الليمون.
شاهِد، في مساحات الصمت
هذه حيث الأشياء
تكف عن الفعل فتبدو كأنها على وشك الكشف
عن سرها النهائي،
أحياناً نحن نشعر بأننا على وشك
أن نكشف عن خطأ في الطبيعة،
النقطة الساكنة للعالم، الآصرة التي لن تبقى،
الخيط الذي لا نستطيع فكه.
لغرض الوصول إلى قلب الحقيقة.
العين تستكشف ما يحيطها،
العقل يستقصي صفوف العطر المنقسمة
وهو يفوح
في أكثر الأيام وهناً.
إنك في مساحات الصمت تلك ترى
في ظل كل إنسان عابر
بعضاً من ألوهية مضطربة.
لكن الوهم يفشل، والزمن يعيدنا
إلى مدن صاخبة حيث الزرقة
مرئية في هيئة بقع، إلى أعلى ما بين السقوف .
المطر يرهق التربة آنذاك؛
ضجر الشتاء يثقل على البيوت،
الضوء يصير بخيلاً – النفس مريرة.
حتى اليوم الذي من خلال بوابة نصف مغلقة
في فناء ما، هناك ما بين الأشجار،
نستطيع رؤية صفرة الليمون؛
فيذوب الفلفل الحار في القلب، وفي أعماقنا
ترمي أبواق الشمس الذهبية
بأغانيها علينا. يعدّ أوجينيو مونتالي واحداً من كبار الشعراء
الإيطاليين خلال القرن العشرين
وقد منح جائرة نوبل للآداب عام 1975



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.