طهران تتهم واشنطن بطرح مطالب «خارج إطار» المفاوضات النووية

قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أمس، إن بلاده «لا مصلحة لها في التفاوض المباشر مع أميركا»، وإنه على «الرئيس الأميركي إبداء حسن النية بإصدار أمر تنفيذي لرفع بعض العقوبات»، متهماً الجانب الأميركي بتقديم مطالب «مبالغ فيها» خلال الأسبوعين الماضيين، «خارج إطار» المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي.
وتجري إيران والقوى الكبرى مفاوضات في فيينا لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018 وانتهكت إيران شروطه لاحقاً من خلال تكثيف أنشطتها النووية. وتوقفت المفاوضات الآن، وتتبادل طهران وواشنطن اللوم في عدم اتخاذ القرارات السياسية اللازمة لتسوية القضايا العالقة.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن عبد اللهيان قوله في اجتماع للمسؤولين بوزارة الخارجية إن «الجانب الأميركي قدم مطالب مبالغاً فيها خلال ما بين الأسبوعين والثلاثة الماضية» دون أن يحدد طبيعة تلك المطالب. وقال: «إذا كان بايدن يعتزم رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، فعليه إصدار أمر تنفيذي لإظهار حسن نيته بدلاً من تطبيق عقوبات على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين في إيران».
وقال: «رغم الاتفاق على جزء كبير من النص، فإن الجانب الأميركي يطرح مقترحات تتعارض مع بعض بنود النص». وأضاف: «في مجال إلغاء العقوبات؛ يرغبون فرض شروط جديدة أحادية، خارج إطار المفاوضات التي جرت». وأضاف: «كنا على وشك التوصل إلى نتائج في المحادثات التقنية مع الدول الأوروبية الثلاث، لكن في الوقت نفسه كان علينا التعامل مع الحرب في أوكرانيا».
وتنقل المنسق الأوروبي لمحادثات فيينا، إنريكي مورا، قبل نحو أسبوعين بين طهران وواشنطن في محاولة لسد الفجوات المتبقية في المحادثات النووية. وبرزت قضية تصنيف «الحرس الثوري» على قائمة المنظمات الإرهابية، بوصفها عقبة جديدة في المفاوضات بعدما تخطت عقبة روسية مفاجئة أدت إلى وقف عملية التفاوض في بداية الشهر الماضي.
تصر إيران على حذف «الحرس الثوري» وكياناته من قائمة الإرهاب والعقوبات. وأبلغ مسؤول إيراني وكالة «رويترز»، أول من أمس، أن طهران رفضت مقترحاً أميركياً لإزالة كيان «الحرس الثوري» من قائمة الإرهاب، والإبقاء على ذراعه الخارجية «فيلق القدس» في اللائحة. لكن صحيفة «واشنطن بوست» نقلت عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن الرئيس جو بايدن «لا ينوي التنازل عن التصنيف الإرهابي لـ(الحرس الثوري)». وذلك بعد يومين من تأييد الخارجية الأميركية موقف رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال مارك ميلي، وأجمع مسؤولو وقادة الجيش الأميركي على إبقاء «فيلق القدس» منظمة إرهابية.والشهر الماضي، أبلغت مصادر إسرائيلية وأميركية موقع «أكسيوس» أن إيران رفضت خفض التصعيد الإقليمي مقابل رفع «الحرس الثوري» من قائمة الإرهاب.
وهذه ليست المرة الأولى التي تطالب فيها إيران الرئيس الأميركي بإصدار أوامر تنفيذية بشأن العقوبات، وكانت المطالب قد وردت لأول مرة على لسان وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف؛ إذ حاول ممارسة الضغط على إدارة جو بايدن في الأسابيع الأولى من تولي مهامه في يناير (كانون الثاني) العام الماضي، قبل أن تبدأ إيران والولايات المتحدة مارثون المفاوضات غير المباشرة في فيينا في 6 أبريل (نيسان) 2021.
وقال عبد اللهيان أيضاً: «قلنا للأميركيين في مناسبات عديدة إن عليهم تقديم شيء ملموس أو اثنين قبل أي اتفاق؛ على سبيل المثال من خلال الإفراج عن بعض الأصول الإيرانية المحتجزة في البنوك الأجنبية». وقال إن «الأميركيين يواصلون الحديث عن إجراء مفاوضات مباشرة لم نرَ فائدة فيها، ولم نلمس حتى الآن موقفاً إيجابياً منهم».
وعاد عبد اللهيان أيضاً إلى تصريحات سابقة له، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد شهرين من تولي منصب وزارة الخارجية، عندما طالب الولايات المتحدة بالإفراج عن 10 مليارات دولار من أصول إيران المجمدة، في بادرة حسن نية، قبل أن تنهي إيران غيابها عن طاولة المفاوضات في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بعد 5 أشهر من توقف المباحثات بسبب الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
وفي إشارة إلى الانتقادات الداخلية، قال عبد اللهيان: «نعمل على إزالة العقوبات بشكل مستدام مع الحفاظ على كرامتنا»، مؤكداً أن «إيران تلتزم بخطوطها الحُمر»، على حد ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
أتت تصريحات عبد اللهيان بينما واصل نواب البرلمان الإيراني؛ ذي الأغلبية المحافظة، الضغوط التي بدأت الأسبوع الماضي، وذلك بعدما أثار عبد اللهيان لغطاً بسبب تصريحات أشار فيها إلى «استعداد» قادة «الحرس الثوري» للتغاضي عن شرط إيران رفع قواتهم من قائمة الإرهاب. ورغم أن الوزير تمسك بالشرط للتوصل إلى اتفاق نووي، فإن تسريب مسودة من الاتفاق المحتمل في فيينا،
وبدأ البرلمان الإيراني أعماله الأسبوعية أمس بقراءة نص رسالة تطالب الرئيس إبراهيم رئيسي بالحصول على ضمانات قانونية يوافق عليها الكونغرس الأميركي بعدم انسحاب واشنطن مرة أخرى من الاتفاق النووي، إضافة إلى ضمان بيع النفط وإعادة موارده.
وتحمل الرسالة؛ التي بدأت حملة التوقيع عليها الثلاثاء الماضي، توقيع 250 من إجمالي 290 نائباً في البرلمان الإيراني، وذلك في زيادة على التوقيعات في اليوم الأول من طرحها الثلاثاء الماضي حيث وصلت إلى 190 توقيعاً.
ونشرت وكالتا «تسنيم» و«فارس» التابعتان لـ«الحرس الثوري» نص الرسالة الموجهة إلى رئيسي بالكامل؛ وتشدد على ضرورة إبطال مفعول آلية «فض النزاع» أو ما تعرف بـ«سناب باك» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وهي التي تسمح بعودة تلقائية للعقوبات الأممية على إيران إذا طلب أحد أطراف الاتفاق تفعيل ذلك. وقال النواب: «ينبغي عدم إعادة فرض العقوبات التي سيتم رفعها بموجب الاتفاق الجديد، ويجب عدم فرض عقوبات جديدة على إيران».
ولا يعد دور البرلمان الإيراني حاسماً في الاتفاق النووي، ومن المستبعد أن يؤثر على مسار الاتفاق الجديد؛ نظراً إلى خضوع القرار النووي ليد صاحب كلمة الفصل في النظام؛ المرشد علي خامنئي؛ والمجلس الأعلى للأمن القومي الخاضع لصلاحياته. لكن من شأن هذه الضغوط أن تضفي الطابع «الشرعي» على المطالب التي تطرحها إيران في المفاوضات.