150 قطعة من المقتنيات اليابانية

تعرض للمرة الأولى في «كوينز غاليري» بلندن

صورة التقطت أثناء زيارة أمير ويلز الأمير إدوارد لليابان عام 1922 (برس أسوسيشن)
صورة التقطت أثناء زيارة أمير ويلز الأمير إدوارد لليابان عام 1922 (برس أسوسيشن)
TT

150 قطعة من المقتنيات اليابانية

صورة التقطت أثناء زيارة أمير ويلز الأمير إدوارد لليابان عام 1922 (برس أسوسيشن)
صورة التقطت أثناء زيارة أمير ويلز الأمير إدوارد لليابان عام 1922 (برس أسوسيشن)

درجت مؤسسة «المجموعة الملكية»، التي تضم مقتنيات الملكة إليزابيث الفنية، على تنظيم المعارض الموسمية التي تقدم بعضاً من أندر القطع والهدايا التي تلقتها الملكة عبر السنين. وفي الأسبوع الماضي، افتتح معرض جديد في قاعة «كوينز غاليري» التابعة لقصر باكنغهام يقدم أكثر من 150 قطعة تروي تاريخ التبادل الدبلوماسي والثقافي مع اليابان.

«قصر باكنغهام» للفنان ماكينو يوشيو، 1911 قدمها للملكة ماري في 1928 (أكينوري ماكين)
 

المعرض يحمل عنوان «اليابان: البلاط الملكي والثقافة»، وتبرز فيه قطع مثل أول درع «ساموراي» شوهد في بريطانيا، وعدد من الهدايا التي أهديت لملوك بريطانيا من الملكة فيكتوريا وحتى الملكة إليزابيث الثانية.
سيعرض المعرض لأول مرة البدلات الأربع من درع الساموراي في المجموعة الملكية. من بينها درع أرسله القائد العسكري الياباني إلى جيمس الأول عام 1613 - وهو أول درع ساموراي معروف يصل إلى الأراضي البريطانية وأول هدية دبلوماسية بين اليابان وبريطانيا. ومن الأمثلة النادرة الأخرى للأسلحة والدروع سيف المشير الوحيد المعروف خارج اليابان والخنجر المزوَد بالتجهيزات التي صممها شخصياً الإمبراطور ميجي، أول حاكم لإمبراطورية اليابان.
وتبرز في العرض مجموعة من الهدايا الفاخرة التي قدمتها العائلة الإمبراطورية اليابانية للاحتفال بتتويج وذكرى يوبيلات ملوك بريطانيا، والعديد منها تعرض لأول مرة، بما في ذلك شاشة مطرزة قابلة للطي أرسلها الإمبراطور ميجي إلى الملكة فيكتوريا احتفالاً بيوبيلها الماسي في عام 1897، تشمل المعروضات خزانة مصغرة مطلية بالورنيش قُدمَت إلى الملكة ماري بمناسبة تتويجها عام 1911 تحمل شعار الأقحوان الإمبراطوري بداخلها أدراج مزينة بفراشات من الصدف من صُنع أكتسوكو جيتكو، أحد أشهر فناني الطلاء في جيله.

خنجر وغمد أرسلا إلى الأمير ألفريد دوق إدنبره من قبل الإمبراطور ميجي في عام 1871 (رويال كوليكشن)

 

ويعرض لأول مرة صندوق خشبي مزين برسم لطائر مالك الحزين فضي اللون من تنفيذ فنان الطلاء الكبير شيراياما شوساي كان الإمبراطور هيروهيتو أهداه للملكة إليزابيث الثانية في عام 1953 بمناسبة تتويجها.
ضمن الهدايا المميزة التي أرسلت للاحتفال بالمعاهدات بين البلدين، وأعيد اكتشافها مؤخراً، نرى لوحتين ملونتين أرسلهما الشوغون توكوغاوا إيموتشي للملكة فيكتوريا في عام 1860 بمناسبة معاهدة تاريخية بين اليابان وبريطانيا. وضمن هدية الشوغون، نرى حراباً مرصعة بالصدف وأثاثاً مطلياً وسيوفاً أبدعها صانعو السيوف البارزون.

خزانة مصغرة قُدّمَت إلى الملكة ماري بمناسبة تتويجها عام 1911 بداخلها أدراج مزينة بفراشات من الصدف من صُنع أكتسوكو جيتكو (رويال كوليكشن)
 

من خلال العرض، نتعرف على مشاعر الانبهار والإعجاب التي عبر عنها أعضاء العائلة الملكية، الذين سنحت لهم زيارة اليابان، أولهم الأمير ألفرد دوق أدنبرة، الذي كتب لوالدته الملكة فيكتوريا، «لأقدم لك أي تقييم لهذا البلد، حتماً سأشعر بالحيرة. كل شيء جديد وغريب جداً لدرجة أنني في حيرة كبيرة»، فيما نرى صفحة من دفتر الزيارة الرسمية التي قام بها الملك المستقبلي جورج الخامس وشقيقه ألبرت فيكتور لليابان عام 1881، وفيها نقرأ أن الملك وشقيقه، وكانا في سن المراهقة وقتها، حملا أوشاماً على ذراعيهما تصور طائر اللقلق على ذراع ألبرت فيكتور، وعلى ذراع الملك وشم بصورة تنين وفهد وهي تركيبة مغزاها تقابل الشرق والغرب.

من مقتنيات الملكة ماري الثانية (رويال كوليكشن)
 

وتسرد مجموعة من الصور الفوتوغرافية أحداث زيارة قام بها الملك إدوارد الثامن في شبابه لليابان في أبريل (نيسان) 1922، وتعرض للمرة الأولى بعد 100 عام من التقاطها. وتؤكد الصور على العلاقة الوثيقة التي نشأت بين إدوارد الثامن وولي عهد اليابان (وقتها) هيروهيتو. فقد كان الشابان متقاربين في العمر، ويتقنان الفرنسية، وتظهر الصور أيضاً ارتداءهما لملابس متطابقة أثناء مباراة غولف.
قاد أفراد العائلة الملكة البريطانية اتجاه صرعة اقتناء وعرض كميات هائلة من الخزف الياباني بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر. ومن الواضح أن زوجاً ساحراً من المباخر على شكل أرانب قد نال إعجاب الأجيال المتعاقبة، حيث استحوذ عليها جورج الرابع لأول مرة في عام 1818 للجناح الملكي في برايتون، ثم عُرضت لاحقاً بشكل ظاهر في شقق كوين ماري الخاصة في قصر باكنغهام، قبل أن تنضم إلى مجموعة الملكة إليزابيث الملكة الأم للحيوانات المرسومة على الخزف الصيني والياباني في كلارنس هاوس.

زوج من المباخر على شكل أرانب اقتناه الملك جورج الرابع عام 1818 (رويال كوليكشن)
 

ربما كانت الملكة ماري أكثر هواة جمع الفن الياباني حماسة، إذ تشمل النقاط البارزة المعروضة من مجموعتها مراوح قابلة للطي رقيقة ومطبوعات الأزهار الخشبية الملونة. وفي 1928 قدم ماكينو يوشيو، أحد أشهر الفنانين اليابانيين في بريطانيا في ذلك الوقت، للملكة ماري، لوحة خشبية تحمل نقشاً لقصر باكنغهام لحظة الغروب وتعرض هنا للمرة الأولى. وتجسد القطعة المطبوعة بشكل رائع هذه الفترة من التبادل الفني المتزايد: مكان بريطاني أيقوني، تم تصويره بأسلوب ياباني تقليدي.

صندوق خشبي مزين برسم لطائر مالك الحزين من تنفيذ شيراياما شوساي هدية من الإمبراطور هيروهيتو للملكة إليزابيث الثانية في عام 1953 بمناسبة تتويجها (رويال كوليكشن)
 

وتتبدى روح التبادل الفني في أحدث قطعة في العرض، وهي من عمل الفنان والخزاف هامادا شوغي، الذي كرمته اليابان في عام 1955، وأطلق عليه لقب «الكنز القومي الحي».
في عشرينات القرن الماضي عمل شوجي مع الخزاف البريطاني برنارد ليش في الاستديو الخاص به بقرية سانت آيفز بكورنوال، وأنتجا هذه القطعة الفخارية التي أهديت للملكة إليزابيث أثناء زيارتها الرسمية لليابان في عام 1975، وقامت الملكة من جانبها بتقديم طبق من تنفيذ ليش تقديراً لشراكة الخزافين الطويلة.

لوحة من تنفيذ إتايا هيروهارو أهديت للملكة فيكتوريا عام 1860(المجموعة الملكية)

 

ومن جانبها قالت راشيل بيت، أمينة معرض «اليابان: البلاط الملكي والثقافة»، «يسعدنا أن نمنح الزائرين فرصة نادرة لمشاهدة هذه الأعمال الفائقة من اليابان، التي أذهلت أفراد العائلة المالكة البريطانية وعرضوها واعتزوا بها لقرون. إنها لفرصة حقيقية لرؤية المقتنيات الثمينة والمعقدة التي شكلت الذوق البريطاني بعمق، والتي ساعدت في تكوين علاقة دائمة بين البلدين. نأمل أن يستمتع الزوار باكتشاف عوالم الطقوس والشرف، والفنون التي تربط بين البلاط الملكي وثقافات بريطانيا واليابان حتى يومنا هذا».

لباس الساموراي أرسله الشوغن توكوغاوا هيديتادا للملك جيمس الأول عام 1613 (رويال كوليكشن)

 



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)