معرض لندن للكتاب يحتفي بالحضور الثقافي للشارقة

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

معرض لندن للكتاب يحتفي بالحضور الثقافي للشارقة

جانب من المعرض
جانب من المعرض

بعد توقف عامين متتاليين بسبب جائحة «كورونا»، عاود معرض لندن للكتاب افتتاح فعالياته واستئناف نشاطاته للدورة التاسعة والأربعين في مركز معرض أولمبيا وسط العاصمة البريطانية لندن ولمدة ثلاثة أيام.
وأقيم حفل افتتاح المعرض لهذا العام في جناح الشارقة الذي توسط أرض المعارض بمساحة كبيرة وتصميم لافت، وبحضور الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، والشيخ فاهم القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة، وأحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، وأندي فنتريس، مدير معرض لندن الدولي للكتاب، وستيفن لوتينغا، الرئيس التنفيذي لجمعية الناشرين البريطانيين، وكيث نيكول، رئيس قسم الدبلوماسية الثقافية في قسم الإعلام والرياضة والثقافة والشؤون الرقمية في الحكومة البريطانية.
وجاء في كلمة الشيخة بدور القاسمي: «نحن نؤمن بأن الكتاب يسهم بمساعدة الدول والأمم والثقافات على فهم بعضها إلى حد كبير، ولهذا نحن بحاجة له أكثر من أي وقت مضى ولا يمكننا الاستغناء عنه، فخلال أوقات السلم العالمي، يمتلك الكتاب القوة والقدرة على توحيد القراء، أما خلال النزاعات، فتزداد أهمية الكتاب ودوره في تعزيز الأمل ودعم التسامح والمصالحة وترسيخ السلام، فالعالم يحتاج إلى المزيد من الكتب، وليس المزيد من القنابل».
وقال أندى فنتريس مدير معرض لندن للكتاب: «نحن فرحون جداً أن نرى دور النشر العالمية والكُتّاب والناشرين والجمهور من جديد بعد انقطاع سنتين، ويشرفنا أن نحتفي بإمارة الشارقة في الدورة الـ49 من معرض لندن الدولي للكتاب، فالشارقة قدمت الكثير لسوق النشر العالمي من خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب، واحد من أهم معارض الكتاب في العالم، ومهرجان الشارقة القرائي للطفل، ومؤتمر الناشرين».
وثمن الرئيس التنفيذي لجمعية الناشرين البريطانيين، ستيفن لوتينغا، باسم الناشرين الإنجليز دور وجهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، «التي جعلت الإمارة مركز صناعة النشر وإنتاج المعرفة في المنطقة العربية، وقادت لتتويج الإمارة عاصمة عالمية للكتاب في عام 2019».
وافتتح أندى فنتريس بحضور الشيخة بدور القاسمي، والشيخ فاهم القاسمي، وعدد من ممثلي المؤسسات الثقافية في الشارقة جناح الإمارة المشارك، واطلع على منصات المؤسسات والمبادرات التي تقودها الشارقة للنهوض بواقع الكتاب العربي، وتعزيز الإنتاج المعرفي والإبداعي، وتشجيع حراك الترجمة من وإلى العربية، كما توقف عند حجم تأثير الشارقة على صناعة النشر في المنطقة العربية والعالم، وما توفره من بنى تحتية للناشرين لتوسيع سوق الكتاب العالمي.
وقدمت الشارقة خلال مشاركتها في المعرض تجارب مؤسسات ومبادرات ثقافية تجسد رؤية الإمارة على أرض الواقع تجاه صناعة الكتاب والنهوض بالحراك الثقافي والمعرفي، حيث يشارك ضمن جناح الإمارة كل من: هيئة الشارقة للكتاب، التي تتولى الإشراف على برنامج فعاليات الشارقة في المعرض، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وهيئة الإنماء التجاري والسياحي في الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وجمعية الناشرين الإماراتيين، والمنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر، ودارة الدكتور سلطان القاسمي، ومنشورات القاسمي، ودائرة الثقافة في الشارقة، ومعهد الشارقة للتراث، والمجلس الإماراتي لكتب اليافعين، وجامعة الشارقة، ومجموعة كلمات، وبيت الحكمة، وثقافة بلا حدود، ومبادرة 1001 عنوان.
وعلى هامش معرض لندن للكتاب استضافت المكتبة البريطانية أمسية حوارية ناقشت المسيرة التاريخية للثقافة الإماراتية بشكل خاص والخليجية بشكل عام، والعوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت بتشكيلها وتحديد سماتها المعاصرة واتجاهاتها المستقبلية، شارك فيها كل من محمد المرّ رئيس مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد والدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث والكاتبة الإماراتية دبي أبو الهول وأدارت الجلسة الكاتبة الآيرلندية نيكيتا جيل.
والتقى الشاعر والروائي البريطاني النيجيري (بن أوكري) الفائز بجائزة البوكر لعام 1991 عن روايته «الدرب الجائع»، بجمهور المعرض في يومه الثاني في قاعة المعرض الرئيسية للحديث عن تأثير الفن والكتابة في وقت الأزمات، بينما استضاف نادي القلم الإنجليزي الشاعرة الإماراتية عفراء عتيق في قراءات شعرية وحديث عن تجربتها الشعرية وكتابتها بلغتين هما العربية والإنجليزية. وكذلك استضاف نادي القلم الإنجليزي الدكتور عبد العزيز مسلم للحديث عن الكائنات الخرافية والحكايات الشعبية والشعر النبطي في دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي.
وتحدثت كاتبة الأطفال الإماراتية ومؤلفة أول رواية خيالية إماراتية دبي أبو الهول في جناح الشارقة عن تجربتها في الكتابة للطفل وكيفية الإفادة من الحكايات الشعبية والخرافية في الحفاظ على التراث ورمزية اللهجة المحكية ونقلهما إلى الجيل الجديد.
وكانت أبرز نشاطات اليوم الثالث والأخير من المعرض هي استضافة الكاتبين غريك جيمس وكريس سميث للحديث عن تجربتهما في كتابة أدب الأطفال واليافعين وكيفية جذب المزيد من القراء وتنمية روح القراءة لدى الأطفال.
واستضاف جناح الشارقة ضمن فعاليات اليوم الثالث الشاعر الإماراتي خالد البدور في قراءات شعرية وحديث عن شعراء الإمارات من جيل الرواد والجيل اللاحق.
واختتمت فعاليات اليوم الثالث بالإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية من قبل رئيس لجنة التحكيم لهذا العام فرانك وين وبضمنهم الكاتبة البولندية الفائزة بنوبل لعام 2019 والبوكر لعام 2018 أولغا توكارتشوك والروائية الأرجنتينية كلوديا بينيرو والروائية اليابانية ميكو كاواكامي والروائي النرويجي جون فوسي والروائية الكورية بورا تشونغ والروائية الهندية جيتانجالي شري.
ويعتبر معرض لندن للكتاب من أهم الأسواق العالمية للإصدارات والترويج والتفاوض على حقوق نشر وطباعة وتوزيع الكتب عبر عدة منافذ توصيل منها الطباعة الورقية والكتب المسموعة والبرامج التلفزيونية والأفلام والقنوات الرقمية. ويشارك في هذه السوق العالمية للمعرفة بكافة صنوفها أكثر من 25 ألف دار نشر محترف.


مقالات ذات صلة

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط
كتب «أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها نص مخادع وذكي وكوميدي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ

د. ربيعة جلطي (الجزائر)
ثقافة وفنون قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

عن دار «طيوف» بالقاهرة صدر كتاب «مرايا الفضاء السردي» للناقدة المصرية دكتورة ناهد الطحان، ويتضمن دراسات ومقالات نقدية تبحث في تجليات السرد العربي المعاصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الكاتب السعودي فيصل عباس مع السفير البريطاني نيل كرومبتون خلال الأمسية الثقافية

أمسية ثقافية بمنزل السفير البريطاني في الرياض للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني»

أقام السفير البريطاني في الرياض أمسية ثقافية في منزله بالحي الدبلوماسي للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني» للكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

النصبان الجنائزيان
النصبان الجنائزيان
TT

نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

النصبان الجنائزيان
النصبان الجنائزيان

يحتل الفن الجنائزي حيزاً واسعاً من ميراث أقاليم شبه الجزيرة العربية، وتتميّز جزيرة البحرين في هذا الميدان بنتاج نحتي تصويري يعود إلى القرون الميلادية الأولى، لا نجد ما يماثله في الحواضر المجاورة لها. خرج هذا النتاج من الظلمة إلى النور خلال العقود الأخيرة، وتمثّل في مجموعة كبيرة من شواهد القبور المزينة بنقوش تصويرية آدمية، عُثر عليها في سلسلة من المدافن الأثرية، أبرزها مقبرة الشاخورة. تعكس الشواهد التي خرجت من هذه المقبرة التعدّدية في الأساليب الفنية التي طبعت هذا النتاج البحريني المميّز، وتتجلّى هذه الخصوصية في نصبين ظهرا جنباً إلى جنب في معرض أقيم منذ سنوات في متحف البحرين الوطني تحت عنوان «تايلوس رحلة ما بعد الحياة».

افتتح هذا المعرض في مطلع مايو (أيار) 2012، وضمّ ما يقرب من 400 قطعة أثرية مصدرها مقابر أثرية أقيمت في مستوطنات متعددة تقع اليوم في مملكة البحرين. حوى هذا المعرض مجموعات عدة، منها مجموعة من الأواني الفخارية والحجرية والزجاجية والرخامية، ومجموعة الحلى والمصوغات المشغولة بالذهب والفضة والأحجار المتنوعة، ومجموعة من المنحوتات الجنائزية، منها قطع تمثل شواهد قبور، وقطع على شكل منحوتات ثلاثية الأبعاد من الحجم الصغير. كما يشير العنوان الجامع الذي اختير لهذا المعرض، تعود هذه القطع إلى الحقبة التي عُرفت بها البحرين باسم تايلوس، وهو الاسم الذي أطلقه المستكشفون الإغريق على البحرين، كما أنه الاسم الذي اعتُمد للتعريف بحقبة طويلة تمتد من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد. ويجمع بين هذه القطع أنها خرجت كلها من المقابر، أي أنها تحمل وظائفية جنائزية، وتُمثل «رحلة ما بعد الحياة»، أي رحلة إلى ما وراء الحياة الأرضية التي تقود بانقضائها إلى حياة أخرى، يصعب تحديد معالمها في غياب النصوص الأدبية الخاصة بها.

حسب قدامى كتّاب الإغريق، أطلق المصريون القدماء على مقابرهم اسم «مساكن الأبدية»، وتردّد هذا الاسم في صيغ مختلفة عبر أنحاء العالم القديم على مر العصور، كما يُجمع أهل العلم. من هذه المساكن الأثرية في البحرين، خرجت شواهد قبور نُحتت على شكل أنصاب آدمية من الحجم المتوسط، تطوّر شكلها بشكل كبير خلال القرون الميلادية الأولى. اختار منظّمو معرض «رحلة ما بعد الحياة» مجموعة من هذه الأنصاب تختزل هذه الجمالية المتعدّدة الفروع، منها نصبان يتشابهان بشكل كبير من حيث التكوين الخارجي، غير أنهما يختلفان من حيث الأسلوب، ويظهر هذا الاختلاف بشكل جلي في صياغة ملامح الوجه. خرج هذان النصبان من مقبرة الشاخورة، نسبة إلى قرية تقع شمال العاصمة المنامة، تجاورها قريتان تحوي كل منهما كذلك مقبرة أثرية خرجت منها شواهد قبور آدمية الطابع، هما قرية الحجر وقرية أبو صيبع.

يتميّز نصبا الشاخورة بانتصابهما بشكل مستقل، على عكس التقليد السائد الذي تبرز فيه القامة الآدمية بشكل ناتئ فوق مساحة مستطيلة مسطّحة. يبدو هذان النصبان للوهلة الأولى أشبه بمنحوتتين من الطراز الثلاثي الأبعاد، غير أن سماكتهما المحدودة تُسقط هذه الفرضية. يبلغ طول النصب الأكبر حجماً 45 سنتيمتراً، وعرضه 18 سنتيمتراً، ولا تتجاوز سماكته 9 سنتيمترات. يمثل هذا النصب رجلاً ملتحياً يقف بثبات، رافعاً يده اليمنى نحو الأعلى، وفاتحاً راحة هذه اليد عند طرف صدره. يثني هذا الرجل ذراعه اليسرى في اتجاه وسط الصدر، مطبقاً يده على شريط عريض ينسدل من أعلى الكتف إلى حدود الخصر. يتألف اللباس من قطعة واحدة، تتمثل بثوب فضفاض، يزيّنه شريط رفيع ينسدل من أعلى الكتف اليمنى، مع حزام معقود حول الخصر تتدلّى منه كتلتان عنقوديتان عند وسط الحوض. يقتصر الجزء الأسفل من النصب على أعلى الساقين، ويمثل الطرف الأسفل من الثوب، وهو على شكل مساحة مسطّحة يزيّنها شريطان عموديان رفيعان ومتوازيان.

يُمثل النصب الآخر رجلاً يقف في وضعية مماثلة، وهو من حجم مشابه، إذا يبلغ ارتفاعه 36 سنتيمتراً، وعرضه 15 سنتيمتراً، وسماكته 10 سنتيمترات. تتميّز يدا هذا الرجل بحجمهما الكبير، وتبدو راحة يده اليمنى المبسوطة بأصابعها الخمس وكأنها بحجم رأسه. يتبع اللباس الزي نفسه، غير أنه مجرّد من الشرائط العمودية الرفيعة، والحزام المعقود حول خصره بسيط للغاية، وتتدلّى من وسط عقدته كتلتان منمنمتان خاليتان من أي زخرفة. يتشابه النصبان في التكوين الواحد، وهو التكوين الذي يتكرّر في شواهد القبور البحرينية الخاصة بالرجال والفتيان، على اختلاف أعمارهم ومهامهم الاجتماعية. وهذا التكوين معروف في نواحٍ عديدة من العالم الفراتي، كما هو معروف في نواحٍ عدة من البادية السورية وغور الأردن، ويُعرف بالطراز الفرثي، نسبة إلى الإمبراطورية التي نشأت في إيران القديمة، وأبرز عناصره اللباس المؤلف من قطعة واحدة مع زنار معقود حول الوسط، وراحة اليد اليمنى المبسوطة عند أعلى الصدر.

يخلو هذا التكوين الجامع من أي أثر يوناني، حيث تغلب عليه بشكل كامل وضعية السكون والثبات، بعيداً من أي حركة حية منفلتة، ويظهر هذا السكون في ثبات الوجه المنتصب فوق كتلة الكتفين المستقيمتين، والتصاق الذراعين بالصدر بشكل كامل. من جهة أخرى، تعكس صياغة الملامح الخاصة بكلّ من الوجهين. رأس النصب الأول بيضاوي، وتجنح صياغة ملامحه إلى المحاكاة الواقعية، كما يشهد الأسلوب المتبع في تجسيم العينين والأنف والفم. أما رأس النصب الثاني فدائري، وتتبع صياغة ملامحه النسق التحويري التجريدي الذي يسقط الشبه الفردي ويُبرز الشبه الجامع، ويتجلّى ذلك في اتساع العينين اللوزيتين، وتقلّص شفتي الثغر، وبروز كتلة الأنف المستقيم.

أُنجز هذان النصبان بين القرن الثاني والقرن الثالث للميلاد، ويمثّلان فرعين من مدرسة محليّة واحدة برزت في البحرين وازدهرت فيها، والغريب أن أعمال التنقيب المتواصلة لم تكشف بعد عن نحت موازٍ في نواحٍ خليجية مجاورة لهذه الجزيرة، شكّلت امتداداً لها في تلك الحقبة.