طرد الجواسيس الروس من أوروبا يعيد استخبارات الكرملين لسنوات

TT

طرد الجواسيس الروس من أوروبا يعيد استخبارات الكرملين لسنوات

أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى إلحاق أضرار بجيش البلاد وإنهاك اقتصادها. والآن يتعرض جواسيس روسيا للعقاب أيضاً. ففي السابع من أبريل (نيسان) أصبحت النمسا، التي كانت مركزاً للتجسس الروسي لسنوات عديدة، آخر دولة تطرد ضباط الاستخبارات الروسية المشتبه بهم، ما يرفع إجمالي عدد المسؤولين الروس المطرودين من أميركا وأوروبا منذ بدء الحرب الأوكرانية إلى أكثر من 400 شخص. ومن المرجح أن يكون لعمليات الطرد الجماعي، وهي الأكبر في التاريخ، آثار دائمة على أجهزة استخبارات فلاديمير بوتين وقدرتهم على التجسس والتخريب في أوروبا.
وقالت مجلة الـ«إيكونيميست» البريطانية إن طرد الجواسيس على هذا النطاق لم يسبق له مثيل، إذ شمل أكثر من ضعف عدد الذين تم ترحيلهم في 2018، عندما طردت 28 دولة غربية 153 من الجواسيس الروس المشتبه بهم، رداً على محاولة روسيا اغتيال سيرغي سكريبال، ضابط الاستخبارات الروسي السابق الذي تجسس لحساب بريطانيا، في سالزبوري، إنجلترا. ويقول مارك بوليميروبولوس، قائد عمليات وكالة الاستخبارات المركزية في أوروبا وأوراسيا حتى 2019: «عمليات الإقصاء الأخيرة مذهلة، وطال انتظارها كثيراً. لقد كانت أوروبا ساحة اللعب التاريخية لهم، وكان موظفوهم الدبلوماسيون يملكون خبرات هائلة في الكثير من هذه الأماكن». وفي وظيفته الأخيرة، يتابع بوليميروبولوس قائلاً: «كنا حقاً نعتبر أوروبا ساحة معركة رئيسية مع الروس».
سرقة الأسرار
الهدف المباشر من الطرد هو معاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا. وقد لعب مسؤولون من جهاز الأمن الفيدرالي، ومديرية المخابرات الرئيسية، ووحدة الاستخبارات العسكرية، التي استهدفت سكريبال، دوراً رئيسياً في التخطيط للحرب وشنها، كما أن الهدف من الطرد جعل الأمر أكثر صعوبة على روسيا في القيام بالعمل الأساسي للاستخبارات: سرقة أسرار.
كما أن وجود الاستخبارات الروسية في بعض البلدان الأوروبية قد ازداد بشكل كبير لدرجة أنه أصبح من الصعب على الأجهزة الأمنية المحلية مراقبة الجواسيس المشتبه بهم والمثبتين. وفي العام الماضي، قال مسؤول بالاستخبارات الألمانية إن التجسس الروسي كان على نفس مستوياته خلال الحرب الباردة. وقبل عمليات الطرد الأخيرة، كان هناك ما يقدر بنحو 1000 ضابط مخابرات روسي غير معلن في السفارات والقنصليات في أوروبا.
لكن التجسس ليس الشاغل الوحيد، إذ يساعد اقتلاع ضباط الاستخبارات في تأمين أوروبا من أعمال التخريب والتعطيل الروسية. فمن جهة، تمتد جذور أحدث عمليات الطرد إلى العام الماضي.
مراجعة شاملة
وفي أبريل 2021 اتهمت الجمهورية التشيكية «جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي» بقصف مستودع أسلحة في البلاد. ثم طردت 81 دبلوماسياً روسياً (أحد الأسباب المبررة لطردها عدداً أقل من الدبلوماسيين هذه المرة)، وطردت الولايات المتحدة 10، وطردت دول أوروبية أخرى 14 دبلوماسياً. ولقد دفعت هذه الواقعة، وغيرها من الوقائع المشابهة، بحلف الناتو إلى إجراء مراجعة شاملة لمحطات الاستخبارات الروسية (كما تسميها بريطانيا أو أميركا) في السفارات الغربية وأنشطتها.
وتبين من المراجعة أن سفارات البلاد كانت تعج بأعداد كبيرة من ضباط المخابرات غير المعلن عنهم من مختلف أجهزة الاستخبارات الروسية الثلاثة: جهاز الأمن الفيدرالي، ومديرية الاستخبارات العسكرية، وجهاز الاستخبارات الخارجية، الذي يشكل الجزء الأكبر من الجواسيس في البعثات الدبلوماسية بالخارج. وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، طرد حلف الناتو 8 جواسيس محتملين من بعثته في بروكسل، ما دفع روسيا لإغلاق مكتب الحلف وطرده خارج موسكو في المقابل.
إن الهدف من إبعاد المسؤولين الروس من أوروبا ليس فقط منعهم من القيام بأعمال غير مرغوبة، بل من شأنه أيضاً منعهم من مساعدة وتشجيع الآخرين.
غطاء غير رسمي
ولم يكن ضباط مديرية الاستخبارات العسكرية الذين سمموا سكريبال وقصفوا بلغاريا يتظاهرون بأنهم دبلوماسيون في لندن أو صوفيا، بل لقد أرسلتهم موسكو تحت ما يُعرف بالغطاء غير الرسمي. وقد تظاهر قتلة السيد سكريبال المحتملون بأنهم سياح يزورون كاتدرائية سالزبوري. وغالباً ما يستند هذا العمل السري إلى دعم السفارات المحلية، مثل استخدام الحقيبة الدبلوماسية في نقل المواد غير المشروعة عبر الحدود.
إن جعل هذه الأنشطة أكثر صعوبة أمر منطقي، ولكنه يأتي بتكلفة لأن روسيا ترد بالمثل. وبعد عمليات الطرد التي وقعت إثر محاولة اغتيال سكريبال، طردت روسيا 189 مسؤولاً غربياً. إحدى النتائج هي أن الدبلوماسيين المخلصين الذين يشكلون دوماً جزءاً من الهجرة الجماعية يتمتعون بفرصة أقل للتفاعل مع المواطنين الروس العاديين، في وقت تتزايد فيه دعاية الدولة اضطراباً وارتباكاً. ولهذا السبب، غالباً ما تكون وزارات الخارجية أقل حرصاً على الطرد من المسؤولين الأمنيين.
كما تلقى عدد الجواسيس الغربيين في موسكو ضربة قوية، وفي الممارسة العملية، قد يكون هذا أقل من المشكلة التي تبدو في الحقيقة. فعلى أرضها، تملك أجهزة الأمن الروسية تحت تصرفها موارد وسلطات أكبر لتعقب ضباط المخابرات الغربية الموجودين في سفارات في موسكو، مقارنة بالعكس - يستطيع ضابط في مديرية الاستخبارات العسكرية التجول ومقابلة الناس بسهولة في برلين مقارنة مع ضابط الاستخبارات الأميركية في العاصمة الروسية.
الشبح الجديد
كما أن الطرد ليس حلاً دائماً، وتميل روسيا إلى إرسال الجواسيس الجدد لكي يحلوا محل أولئك الذين غادروا البلاد، الأمر الذي يتطلب من أجهزة مكافحة التجسس الغربية العمل من الصفر. حيث إن السكرتير الأول المتواضع في السفارة هو الشبح الجديد. يقول بعض المسؤولين الغربيين إنهم يهدفون إلى ضمان ألا تكون السفارات الروسية المتضخمة في أوروبا أكبر من السفارات الغربية المناظرة لها في موسكو - وهو المبدأ الذي أصرت جمهورية التشيك عليه العام الماضي. وهذا يتطلب الرفض المستمر لتأشيرات دخول الوافدين الجدد، وتبادل المعلومات بكل جدية بين الحلفاء حتى لا يصبح من الممكن إرسال الضابط المطرود من أحد البلدان إلى بلد آخر.
انخفاض عدد الجواسيس الروس في نيويورك أو لندن أو باريس يعني تضاؤل عدد العملاء المزدوجين المحتملين. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير. وقد يجد الجواسيس الغربيون في هذه الظروف صيداً جيداً بينهم.
وكان الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 هو الذي خيب آمال أوليغ كالوغين، جنرال الاستخبارات السوفياتية الأسبق (KGB)، وأوليغ غورديفسكي، رجل الاستخبارات السوفياتية المقيم في لندن، وفاسيلي ميتروخين، مسؤول الأرشيف بالاستخبارات السوفياتية، إذ صار الاثنان الأخيران عنصرين ناجحين بشكل مذهل لدى الاستخبارات البريطانية، فيما صار الجنرال كالوغين منشقاً وانتقل إلى الولايات المتحدة. قد يكون للحرب في أوكرانيا، وهي الأكثر دموية بكثير من إخماد «ربيع براغ»، تأثير مماثل على بعض من خلفائهم في: جهاز الأمن الفيدرالي، ومديرية الاستخبارات العسكرية، وجهاز الاستخبارات الخارجية الروسية.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، بينما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

سقط ما لا يقل عن 14 قتيلاً في أرخبيل مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي الذي ضربه السبت إعصار شيدو القوي جداً، على ما أظهرت حصيلة مؤقتة حصلت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (الأحد) من مصدر أمني.

صور التقطتها الأقمار الصناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار شيدو فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وقال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن 9 أشخاص أصيبوا بجروح خطرة جداً، ونقلوا إلى مركز مايوت الاستشفائي، في حين أن 246 إصابتهم متوسطة.

الأضرار التي سبَّبها الإعصار شيدو في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

وترافق الإعصار مع رياح زادت سرعتها على 220 كيلومتراً في الساعة. وكان شيدو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً؛ حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرنس- ميتيو).

آثار الدمار التي خلفها الإعصار (أ.ف.ب)

وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، ما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل. ويقيم ثلث سكان الأرخبيل في مساكن هشة.