تقنيات المدن الذكية.. مهددة بالقرصنة

المتسللون يستهدفون نظم إشارات المرور وشبكات الكهرباء والمياه

تقنيات المدن الذكية.. مهددة بالقرصنة
TT

تقنيات المدن الذكية.. مهددة بالقرصنة

تقنيات المدن الذكية.. مهددة بالقرصنة

المدن الذكية المزعومة، ذات المستشعرات اللاسلكية المتحكمة في كل شيء؛ ابتداء من إشارات المرور، إلى إدارة محطات المياه، قد تكون عرضة للهجمات الإلكترونية، وفقا لأحد خبراء أمن الكومبيوترات.
في العام الماضي، أظهر سيزار سيرودو، وهو باحث أمني أرجنتيني وكبير مسؤولي التقنية في مختبرات «آي أو أكتيف»، كيف أن 200 ألف من مستشعرات التحكم المروري المثبتة في المدن الكبرى مثل واشنطن، ونيويورك، ونيوجيرسي، وسان فرانسيسكو، وسياتل، وليون بفرنسا، وملبورن بأستراليا، كانت عرضة للهجوم. كما أظهر سيرودو كيف يمكن اعتراض المعلومات الواردة من تلك المستشعرات من على مسافة 1500 قدم - أو بواسطة طائرة من دون طيار - نظرا لإخفاق إحدى الشركات في تشفير بيانات المرور لديها. وفي الشهر الماضي، اختبر سيرودو المستشعرات المرورية نفسها في سان فرانسيسكو واكتشف أنها، بعد عام، لا تزال غير مشفرة.

* نظم مخترقة
يقول سيرودو إنه ظل يكتشف وعلى نحو متزايد مشكلات مماثلة في منتجات ونظم أخرى مدمجة في المدن الذكية. كما اكتشف عيوبا في بعض البرمجيات البسيطة، ورموز التشفير سيئة التثبيت، أو اكتشف حتى عدم وجود تشفير بالأساس في كل تلك النظم. واكتشف أيضا أن كثيرا منها مفتوح على مصاريعه أمام هجمات كبيرة وشائعة، تعرف باسم «الحرمان من الخدمات»، وفيها يطغى القراصنة على إحدى الشبكات بالطلبات الكثيرة حتى تنهار الشبكة تحت ذلك العبء الكبير.
وجد سيرودو وسائل تجعل إشارات المرور الحمراء أو الخضراء تبقى حمراء أو خضراء دونما تغيير، أو التلاعب في الإشارات الإلكترونية لعلامات السرعة القصوى، أو التلاعب كذلك في عدادات المنحدرات حتى تنطلق كل السيارات إلى الطريق السريع مرة واحدة. يقول الباحثون الأمنيون إن الفرص المتاحة وفيرة أمام القراصنة أو الحكومات التي تفكر بشكل خبيث. في العام الماضي، أظهر الخبراء الأمنيون في مؤتمر «بلاك هات أوروبا» في أمستردام كيفية إظلام أجزاء كاملة من المدن ببساطة عن طريق التلاعب في العدادات الذكية واستغلال مشكلات التشفير في تقنيات خطوط اتصالات الطاقة.

** مدن ذكية
تعمل المدن على نحو متزايد على أتمتة النظم والخدمات، فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تستثمر 70 مليون دولار في بناء أربع مدن ذكية جديدة. وفي جنوب أفريقيا، هناك مشروع لبناء مدينة ذكية بتكلفة 7.4 مليار دولار. وبحلول 2020، من المتوقع أن تصل سوق المدن الذكية إلى تكلفة تقدر بتريليون دولار، وفقا لمؤسسة «فروست وسوليفان» الاستشارية. ويقول سيرودو إن «مجال الهجمات الحالية على المدن ضخم للغاية، ويشكل خطرا حقيقيا وداهما».
وليس التهديد فرضيا فحسب، فخلال العام الماضي، اكتشفت الشركات الأمنية مجموعتين للقرصنة، تدعيان «دراغون فلاي» و«إنيرجيتيك بير»، كانتا تستهدفان شبكات الطاقة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي العام الماضي، أقرت وزارة الأمن الداخلي الأميركية في تقرير صادر عنها أن «كيانات التهديد المتطورة» قد ولجت إلى داخل شبكة نظام التحكم في أحد مرافق المدنية ببساطة عن طريق تخمين كلمة المرور على نظام متصل بشبكة الإنترنت.
في عام 2012، نجح القراصنة العسكريون الصينيون في اختراق الفرع الكندي من شركة «تيلفينت». والشركة المملوكة حاليا لمؤسسة «شنايدر إلكتريك»، تعمل على إنتاج البرمجيات التي تسمح لشركات أنابيب النفط والغاز ومشغلي شبكات الطاقة بالدخول إلى الصمامات، والمفاتيح، والنظم الأمنية عن بعد. كما أنها تحتفظ بالمخططات التفصيلية حول أكثر من نصف أنابيب النفط والغاز في منطقة أميركا الشمالية.
في عام 2013، أصبحت صناعة الطاقة من أكثر القطاعات استهدافا في الولايات المتحدة من قبل القراصنة، وهو ما يمثل 56 في المائة من 257 هجمة إلكترونية تم الإبلاغ عنها لوزارة الأمن الداخلي الأميركية في ذلك العام.

* إجراءات مضادة
يحاول بعض العلماء إعادة تصميم الشبكة الذكية ليجعلوها أقل عرضة للهجمات الإلكترونية. وفي الوقت الحالي، تعتبر الشبكة الذكية مركزية، وتخضع للتحكم من قبل موفري الطاقة، مما يجعل من شركات المرافق أهدافا سائغة للقراصنة.
ولكن في هذا العام، ذكرت صحيفة «ساينس ديلي» أن بنيامين شيفر، وهو فيزيائي لدى «معهد ماكس بلانك للديناميات والتنظيم الذاتي»، مع زميليه مارك تيمي ودريك ويتهوت، وطالب في الدراسات العليا يدعى مورتيز ماتهياي، عملوا على تطوير نموذج يعرض، من الناحية النظرية، كيفية مراقبة العدادات الذكية بصورة مباشرة في مواقع العملاء، وبالتالي نزع المركزية عنها بطريقة تجعلها أقل عرضة لهجمات القراصنة.
وحتى الآن، تستمر أبحاثهم من ناحية المبدأ. ولذلك يقول سيرودو إنه ينبغي على البلديات البدء في التفكير في مدنها بوصفها مجالات مفتوحة للهجمات مما يتطلب حماية أمنية مثل التي تستخدمها شبكات المؤسسات الكبرى.
كما يشجع البلديات كذلك على تبني التدابير الأمنية الأساسية مثل التشفير، والكلمات المرورية، وغير ذلك من نظم المصادقة الأخرى، في وجود آلية سهلة لتغطية الثغرات الأمنية المكتشفة.
كما يقترح تشكيل المدن لفرق الاستجابة الكومبيوترية الطارئة للتعامل مع الحوادث الأمنية، وتنسيق الاستجابات وتقاسم معلومات التهديدات مع المدن الأخرى. ويقترح أيضا تقييد المدن في الوصول إلى البيانات، وتتبع ومراقبة أولئك الذين يخول لهم الوصول إليها، وإجراء اختبارات الاختراق، التي يحاول فيها القراصنة الدخول إلى شبكات المدن، وبالتالي تعرف البلديات مواطن القصور التي يمكن أن تتعرض من خلالها للهجمات.
وأخيرا، يقترح سيرودو استعداد المدن لما هو أسوأ، كما تستعد تماما للكوارث الطبيعية، حيث يقول: «حينما نرى أن البيانات المغذية للمدينة الذكية محل ثقة عمياء من قبل الجميع، مع أنه يمكن التلاعب بها بسهولة، وأنه يمكن السطو والقرصنة على النظم بسهولة، وأن هناك مشكلات أمنية في كل مكان.. عندها تتحول المدن الذكية إلى مدن حمقاء».

* خدمة «نيويورك تايمز»



هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى حدوده القصوى؟

لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)
لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)
TT

هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى حدوده القصوى؟

لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)
لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)

هل وصلت نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى طريق مسدود؟ منذ إطلاق «تشات جي بي تي» قبل عامين، بعث التقدم الهائل في التكنولوجيا آمالاً في ظهور آلات ذات ذكاء قريب من الإنسان... لكن الشكوك في هذا المجال تتراكم.

وتعد الشركات الرائدة في القطاع بتحقيق مكاسب كبيرة وسريعة على صعيد الأداء، لدرجة أن «الذكاء الاصطناعي العام»، وفق تعبير رئيس «أوبن إيه آي» سام ألتمان، يُتوقع أن يظهر قريباً.

وتبني الشركات قناعتها هذه على مبادئ التوسع، إذ ترى أنه سيكون كافياً تغذية النماذج عبر زيادة كميات البيانات وقدرة الحوسبة الحاسوبية لكي تزداد قوتها، وقد نجحت هذه الاستراتيجية حتى الآن بشكل جيد لدرجة أن الكثيرين في القطاع يخشون أن يحصل الأمر بسرعة زائدة وتجد البشرية نفسها عاجزة عن مجاراة التطور.

وأنفقت مايكروسوفت (المستثمر الرئيسي في «أوبن إيه آي»)، و«غوغل»، و«أمازون»، و«ميتا» وغيرها من الشركات مليارات الدولارات وأطلقت أدوات تُنتج بسهولة نصوصاً وصوراً ومقاطع فيديو عالية الجودة، وباتت هذه التكنولوجيا الشغل الشاغل للملايين.

وتعمل «إكس إيه آي»، شركة الذكاء الاصطناعي التابعة لإيلون ماسك، على جمع 6 مليارات دولار، بحسب «سي إن بي سي»، لشراء مائة ألف شريحة من تصنيع «نفيديا»، المكونات الإلكترونية المتطورة المستخدمة في تشغيل النماذج الكبيرة.

وأنجزت «أوبن إيه آي» عملية جمع أموال كبيرة بقيمة 6.6 مليار دولار في أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، قُدّرت قيمتها بـ157 مليار دولار.

وقال الخبير في القطاع غاري ماركوس «تعتمد التقييمات المرتفعة إلى حد كبير على فكرة أن النماذج اللغوية ستصبح من خلال التوسع المستمر، ذكاء اصطناعياً عاماً». وأضاف «كما قلت دائماً، إنه مجرد خيال».

- حدود

وذكرت الصحافة الأميركية مؤخراً أن النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو وكأنها وصلت إلى حدودها القصوى، ولا سيما في «غوغل»، و«أنثروبيك» (كلود)، و«أوبن إيه آي».

وقال بن هورويتز، المؤسس المشارك لـ«a16z»، وهي شركة رأسمال استثماري مساهمة في «أوبن إيه آي» ومستثمرة في شركات منافسة بينها «ميسترال»: «إننا نزيد (قوة الحوسبة) بالمعدل نفسه، لكننا لا نحصل على تحسينات ذكية منها».

أما «أورايون»، أحدث إضافة لـ«أوبن إيه آي» والذي لم يتم الإعلان عنه بعد، فيتفوق على سابقيه لكن الزيادة في الجودة كانت أقل بكثير مقارنة بالقفزة بين «جي بي تي 3» و«جي بي تي 4»، آخر نموذجين رئيسيين للشركة، وفق مصادر أوردتها «ذي إنفورميشن».

ويعتقد خبراء كثر أجرت «وكالة الصحافة الفرنسية» مقابلات معهم أن قوانين الحجم وصلت إلى حدودها القصوى، وفي هذا الصدد، يؤكد سكوت ستيفنسون، رئيس «سبيلبوك»، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي القانوني التوليدي، أن «بعض المختبرات ركزت كثيراً على إضافة المزيد من النصوص، معتقدة أن الآلة ستصبح أكثر ذكاءً».

وبفضل التدريب القائم على كميات كبيرة من البيانات المجمعة عبر الإنترنت، باتت النماذج قادرة على التنبؤ، بطريقة مقنعة للغاية، بتسلسل الكلمات أو ترتيبات وحدات البكسل. لكن الشركات بدأت تفتقر إلى المواد الجديدة اللازمة لتشغيلها.

والأمر لا يتعلق فقط بالمعارف: فمن أجل التقدم، سيكون من الضروري قبل كل شيء أن تتمكن الآلات بطريقة أو بأخرى من فهم معنى جملها أو صورها.

- «تحسينات جذرية»

لكنّ المديرين في القطاع ينفون أي تباطؤ في الذكاء الاصطناعي. ويقول داريو أمودي، رئيس شركة «أنثروبيك»، في البودكاست الخاص بعالم الكمبيوتر ليكس فريدمان «إذا نظرنا إلى وتيرة تعاظم القدرات، يمكننا أن نعتقد أننا سنصل (إلى الذكاء الاصطناعي العام) بحلول عام 2026 أو 2027».

وكتب سام ألتمان الخميس على منصة «إكس»: «ليس هناك طريق مسدود». ومع ذلك، أخّرت «أوبن إيه آي» إصدار النظام الذي سيخلف «جي بي تي - 4».

وفي سبتمبر (أيلول)، غيّرت الشركة الناشئة الرائدة في سيليكون فالي استراتيجيتها من خلال تقديم o1، وهو نموذج من المفترض أن يجيب على أسئلة أكثر تعقيداً، خصوصاً في مسائل الرياضيات، وذلك بفضل تدريب يعتمد بشكل أقل على تراكم البيانات مرتكزاً بدرجة أكبر على تعزيز القدرة على التفكير.

وبحسب سكوت ستيفنسون، فإن «o1 يمضي وقتاً أطول في التفكير بدلاً من التفاعل»، ما يؤدي إلى «تحسينات جذرية».

ويشبّه ستيفنسون تطوّر التكنولوجيا باكتشاف النار: فبدلاً من إضافة الوقود في شكل بيانات وقدرة حاسوبية، حان الوقت لتطوير ما يعادل الفانوس أو المحرك البخاري. وسيتمكن البشر من تفويض المهام عبر الإنترنت لهذه الأدوات في الذكاء الاصطناعي.