تشتت المعارضة على لوائح متنافسة يقلص حظوظها الانتخابية

خيبة كبيرة في صفوف «قوى التغيير»

تشتت المعارضة على لوائح متنافسة يقلص حظوظها الانتخابية
TT

تشتت المعارضة على لوائح متنافسة يقلص حظوظها الانتخابية

تشتت المعارضة على لوائح متنافسة يقلص حظوظها الانتخابية

لم تفلح كل الجهود والمساعي التي بذلها قياديون في المجتمع المدني اللبناني وفي صفوف «قوى التغيير» المنبثقة عن انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بتوحيد اللوائح الانتخابية لتعزيز حظوظ المعارضة في الانتخابات النيابية المقبلة في مايو (أيار) المقبل، إذ بات محسوماً أن هذه القوى تتجه إلى الاستحقاق النيابي مشتتة على عدد كبير من اللوائح في معظم الدوائر الانتخابية، بعدما كان الهدف الأساسي عند انطلاق عملها للانتخابات تشكيل لائحة واحدة لقوى المعارضة والتغيير في كل دائرة، ما يجعلها قادرة على خلق تهديد كبير للوائح أحزاب وقوى السلطة.
وتعددت الأسباب التي أدت إلى سيناريو التشتت والانقسام، أبرزها مثلاً رفض عدد من المجموعات خوض الانتخابات على لوائح واحدة مع حزب «الكتائب» الذي ورغم خروجه من الحكومات المتعاقبة منذ عام 2016 بعد رفضه السير بالتسوية الرئاسية التي ضمنت وصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، ما زال كثيرون يتعاطون معه كجزء من «المنظومة» التي حكمت البلد منذ تسعينيات القرن الماضي ودفعته إلى الانهيار الحالي. كذلك من الأسباب التي أدت إلى انقسام المعارضة توجهاتها السياسية المختلفة وخصوصاً في موضوع التعامل مع «حزب الله» وما إذا كانت الأولوية لمواجهته أو النهوض بالبلد اقتصادياً ومالياً.
وشكل تعدد لوائح المعارضة في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل، الصيفي، المدور) خيبة كبيرة للمجموعات التغييرية، خصوصاً أن المعارضين كانوا يعولون على حصد أكثر من مقعد نيابي في هذه الدائرة. وتؤكد النائبة بولا يعقوبيان التي تتحدث أنها بقيت تسعى حتى اللحظة الأخيرة قبل إقفال الباب أمام تسجيل اللوائح، من أجل التوفيق بين كل المطالب: «لكن للأسف أسباب عديدة حالت دون ذلك». ورغم أن المعارضة تخوض الاستحقاق في هذه الدائرة على 3 لوائح باتت متنافسة، تعتبر يعقوبيان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «وضع هذه القوى لا يزال جيداً جداً لأن الناس هنا دائماً يصوتون للمعارضة لذلك كان هناك تركيز على شرذمة اللوائح في هذه الدائرة وكأن هناك إرادة مسبقة بذلك».
من جهته يحمل العميد المتقاعد جورج نادر كثرا مسؤولية تشتت قوى المعارضة «ولكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق (الثورة) نفسها بعدما فشلنا بتوحيد اللوائح وخلق قيادة واحدة، علماً بأن الإحصائيات كانت تشير إلى إمكانية أن نحقق تسونامي إذا توحدنا». ويشير نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أحزاب السلطة تسللت إلى صفوف الثورة كما أنه كانت هناك منصات مشبوهة لتركيب اللوائح»، مضيفاً: «أما في عكار فقد قال المال الانتخابي كلمته واتضح أن كثيرين ممن يدعون أنهم ثوار لا يختلفون بشيء عن أحزاب السلطة...هم طعنونا في الظهر لذلك فضلنا أن نبقى خارج المعركة الانتخابية التي نعتبر أنها عَرَّتْ كثيرين».
ويعتبر الخبير الانتخابي طوني مخيبر أن «تعدد لوائح المعارضة يُضعف حظوظها لكن يبقى حجم التصويت مؤثراً في إمكانية تحقيقها عدداً من الخروقات»، لافتاً إلى أنه في «دائرة بيروت الأولى مثلاً كان من المفترض أن تؤمن المعارضة 3 حواصل انتخابية (3 مقاعد نيابية) أما مع انقسامها على 3 لوائح فقد تراجعت حظوظها إلى حاصل واحد. ويشير مخيبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في بعبدا مثلاً لم يعد هناك أمل كبير بتحقيق خرق كما في بيروت الثانية وزحلة وعكار وطرابلس بسبب تعدد اللوائح»، مضيفاً: «هناك إمكانية تحقيق قوى التغيير خرقاً في الجنوب الثالثة والشوف والشمال الثالثة كما إمكانية ولو محدودة في البقاع الغربي).
ورغم اعتبار البعض أن ما يحصل من تشتت قوى المعارضة طبيعي ويعبر عن تعددية في الآراء، تبدو الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس والناشطة السياسية خائبة مما آل إليه الوضع، معتبرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مشهد انقسام المعارضة مؤسف جداً وينم عن قلة مسؤولية وتفضيل المصلحة الشخصية والـ«أنا» على وطن ينهار ويتداعى ويذوب ويتم تفريغه من كل قدراته». وتضيف: «نحن بمواجهة عصابة متضامنة متكافلة لنهب البلد ومصادرة حقوق الشعب منقسمة بين من يبيعنا لإيران وبين أطراف تغطي ذلك كونها مبتهجة بالنهب، فهل يعقل مواجهة واقع كهذا بانقسام كالذي نشهده اليوم في صفوف المعارضة؟!».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.