الهند «المحايدة» تجد نفسها في وضع وسيط محتمل

وسط تزايد الاستقطاب الدولي حيال الحرب الأوكرانية

الهند «المحايدة» تجد نفسها في وضع وسيط محتمل
TT

الهند «المحايدة» تجد نفسها في وضع وسيط محتمل

الهند «المحايدة» تجد نفسها في وضع وسيط محتمل

تسببت الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، كما يبدو من «سيناريو» الأحداث، في استقطاب عميق في العالم. ووسط الفرز الحاصل في المواقف القائم على فكرة «معنا أو ضدنا»، يزداد اهتمام القوى المستقطِبة (بكسر الطاء) ببعض الدول المحايدة التي فضلت حتى الآن ألا تنحاز إلى أي طرف علانية. وفي طليعة هذه الدول الهند التي غدت مركزاً للاتصالات الدبلوماسية العالمية مع تفاقم الأزمة الروسية ـ الأوكرانية وتداعياتها. والواقع أن موقف الهند المحايد حتى اللحظة تجاه الأزمة يترافق مع سباق أميركي - أوروبي - روسي - صيني على التودد إليها. وشهد الأسبوعان الماضيان نشاطاً مستمراً لقادة العالم وكبار الدبلوماسيين الأجانب طلباً لدعم نيودلهي في «لعبة القوة» بين المعسكر المتسامح مع روسيا والمعسكر المناوئ لها، إلى جانب تحذيرات – وحتى تهديدات مبطنة – من جانب بعض القوى في سياق اجتذاب نيودلهي إلى صفها حيال هذه القضية الحساسة. وأوضحت مصادر من وزارة الخارجية الهندية أن «التركيز الأساسي لجميع هذه الاتصالات والمباحثات انصب على الحرب الجارية في أوكرانيا، والموقف السياسي للهند من الغزو الروسي، أو العقوبات الغربية الواسعة النطاق ضد روسيا، وإلى حد ما تأثير ذلك على السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

تجسد الفرز الكبير بين قيادات كلا جانبي الصدع الاستراتيجي إزاء الحرب الأوكرانية في المساعي الدؤوبة من الجانبين الروسي والغربي لإقناع الحكومة الهندية بمواقفهم وسياساتهم إزاء هذه القضية التي هزت السياسة العالمية، وبالذات المسرح الأوروبي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه بين القيادات العالمية التي زارت نيودلهي في غضون الأسبوعين الماضيين، رئيس وزراء اليابان ونائب مستشار شؤون الأمن الوطني الأميركي، بجانب وزراء خارجية بريطانيا والصين وروسيا. كذلك، شملت هذه الموجة من الزيارات وزراء خارجية كل من النمسا واليونان والمكسيك وسلطنة عُمان ومستشار الأمن الوطني الألماني والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي. وهو أمر يعتبره المسؤولون الهنود تأكيداً للمكانة السياسية المتزايدة الأهمية لبلادهم.
في الحقيقة كانت ثمة مخاوف بشأن تكثيف الهند مشترياتها من النفط من روسيا بتخفيضات كبيرة. وبديهي أن الغرب، على رأسه الولايات المتحدة الأميركية، لا يرغب مطلقاً في إقدام الهند على تكثيف مشترياتها من النفط الخام الروسي. وفي المقابل، تعمل حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، راهناً، بمرونة وقدر طيب من العقلانية، إذ إنها تصغي إلى جميع الأطراف لكنها تفعل ما تعتقد أنه الأفضل لمصلحتها الوطنية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نيودلهي امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة، محجمة عن إدانة الغزو الروسي، لكنها تواجه اليوم ضغوطاً متزايدة من الدول الغربية لمراجعة موقفها.
تهمة «الإكراه»
فيما يخص الولايات المتحدة، فإنها أرسلت وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند إلى نيودلهي خلال الأسبوع الماضي، وأعقبت ذلك بإرسال داليب سينغ نائب مستشار الأمن الوطني للشؤون الاقتصادية الدولية. ولقد حاول سينغ إجبار السلطات الهندية على تغيير نهجها تجاه روسيا باستخدامه ما وصف بـ«لغة غير دبلوماسية». وخلال زيارته التي استغرقت يومين، حذر سينغ الهند من تعزيز العلاقات مع موسكو، وأوضح أن الهند قد تواجه خطر الوقوع في شبكة من العقوبات الثانوية إذا حاولت الدخول في تعاملات تجارية مع روسيا. ثم حذر من أنه «ستكون هناك عواقب» على الدول، بما في ذلك الهند، «التي تحاول الالتفاف على العقوبات أو تقويضها».
وضمن هذا الإطار يُذكر أن سينغ - الهندي الأصل - يُعد كبير المخططين الاستراتيجيين والعقل المصمم للعقوبات ضد روسيا في إدارة جو بايدن. وتعكس كلماته التعليقات التي أدلى بها مسؤولون من الاتحاد الأوروبي وألمانيا خلال زياراتهم نيو دلهي، هذا الأسبوع، والذين اعتبروا أنه لا يجوز للهند أن تسعى لجني مزايا اقتصادية من وراء العقوبات الغربية، وألا تسعى كذلك إلى تخفيف تداعيات هذه العقوبات أثناء الحرب.
من ناحية أخرى، أدان مبعوث الهند السابق لدى الأمم المتحدة، سيد أكبر الدين، كلام نائب مستشار الأمن الوطني الأميركي. وقال مستنكراً: «إذاً هذا صديقنا... ؟؟ هذه ليست لغة دبلوماسية، هذه لغة إكراه». كذلك شارك أكبر الدين مقطعاً في إحدى الصحف على حسابه على «تويتر» نقل عن داليب سينغ قوله: «ما لا نود أن نراه هو التسريع من وتيرة الواردات الهندية من روسيا فيما يتعلق بالطاقة، أو أي صادرات أخرى محظورة من جانب الحكومة الأميركية، أو أي عناصر أخرى من نظام العقوبات الدولي».
وبالمناسبة، قبل زيارة داليب سينغ، صرحت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو أن اقتراح الحكومة الهندية باستخدام نظام الرسائل المركزي الروسي «إس بي إف إس» للسماح بالمعاملات المالية المرتبطة والمعدات العسكرية سيكون أمراً «مخيباً للآمال للغاية». وضغطت ريموندو، أيضاً، على الهند للانضمام إلى الولايات المتحدة ودول أخرى للوقوف في صف الشعب الأوكراني، بقولها: «لقد حان الوقت للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ، والوقوف إلى جانب الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى التي تدافع عن الحرية والديمقراطية والسيادة مع الشعب الأوكراني، وليس تمويل وتأجيج ومساعدة الحرب التي يشنها الرئيس (الروسي فلاديمير بوتين)».
مع هذا، رغم تكثيف واشنطن جهودها لحشد الدعم الدولي من أجل عزل روسيا، رفضت نيودلهي، شريكتها المقربة داخل تحالف «كواد» (الذي يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا)، الانضمام إلى التحالف ضد موسكو. وأكدت نيودلهي أنها لا تعتزم الإضرار بالعلاقات مع روسيا، ولم تُدن الإجراء الروسي ولم تنضم إلى قرارات الأمم المتحدة ضد روسيا.
ثمة مراقبون منتقدون يرون أن موقف الحكومة الهندية لا ينسجم مع طابعها الديمقراطي والتزام نيودلهي بالنظام الدولي القائم على القواعد، ولا يتوافق بشكل جيد مع شركائها الديمقراطيين في الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة.
كذلك يلفت البعض إلى أن ديناميكيات العلاقات بين نيودلهي وواشنطن، التي سادت إبان «الحرب الباردة»، لا تزال تلوح في الأفق في الذاكرة الشعبية، عندما ساد اعتقاد قوي بأن واشنطن كانت مترددة إزاء التعاطف مع الهند، رغم كونها ديمقراطية تتبع نهجاً مماثلاً في التفكير. في هذا الصدد، فإن تحالف الولايات المتحدة مع باكستان ودعمها الكبير لإسلام آباد خلال حرب عام 1971 ضد الهند ما زال يثير الاستياء داخل الهند حتى بعد مرور 50 سنة.
أما فيما يخص بريطانيا، فإن وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس تجنبت توجيه أي تهديد مباشر للهند أثناء انعقاد «منتدى العقود المستقبلية الاستراتيجية بين الهند والمملكة المتحدة»، لكنها مع ذلك شددت على ضرورة تطبيق العقوبات الأميركية للضغط على الرئيس بوتين. وفي حين صرحت تراس بأنها «لا تلقي محاضرة» على الهند أو أي دولة أخرى حول كيفية الرد على الأزمة في أوكرانيا، فإنها أشارت إلى الحاجة إلى تقليل شراء النفط والغاز من روسيا.

- الهند... و«نفاق» الغرب
اللافت أن وزير الشؤون الخارجية الهندي، إس. جايشانكار، استجاب لهذه القضية في حضور تراس بالقول إن وسائل الإعلام والدول الأخرى تركز فقط على مشتريات الهند بينما تتجاهل مشتريات النفط المماثلة من جانب دول أوروبية.
وأثناء دفاع جايشانكار عن قرار شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة، أكد أنه من المهم للهند الحصول على صفقات جيدة بشأن إمدادات الطاقة، في وقت عانت الأسواق العالمية من الاضطراب. وتابع: «كنت أقرأ للتو تقريراً حول أنه في مارس (آذار) اشترت أوروبا، على ما أعتقد، كميات من النفط والغاز من روسيا بزيادة 15 في المائة مقارنة بالشهر السابق. وإذا نظرت إلى المشترين الرئيسيين للنفط والغاز من روسيا، أعتقد أنك ستجد معظمهم في أوروبا. أما الهند، فتحصل على الجزء الأكبر من إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط ونحو ما بين 7.5 في المائة و8 في المائة من الولايات المتحدة، بينما كانت المشتريات من روسيا في الماضي أقل من 1 في المائة». وأردف أن هناك «حملة» لاستهداف الهند لشرائها النفط الروسي.
وحقاً، تكشف الأرقام أن منشآت تكرير النفط الهندية اشترت أكثر عن 13 مليون برميل من النفط الروسي منذ بدء الحرب الأوكرانية في 24 فبراير (شباط)، في ارتفاع حاد عن العام الماضي، عندما اشترت الهند 16 مليون برميل من النفط الروسي خلال عام 2021 بأكمله. ويذكر أن مسؤولين من بنك روسيا، البنك المركزي في البلاد، التقوا بمسؤولين من بنك الاحتياطي الهندي لمناقشة آليات الدفع البديلة من خلال البنوك المحصنة من العقوبات الدولية. ومن المقرر أن يستخدم الجانبان الروبية ـ الروبل في سداد تكاليف صفقات تجارة النفط والمعدات العسكرية وسلع أخرى.

- زيارات روسية صينية
ظاهرياً، تظهر مثل هذه الزيارات الدبلوماسية وكأن نيودلهي تملك «العصا السحرية» التي تمكنها من إنهاء الحرب في أوكرانيا، وإعادة القوات الروسية إلى بلادها، وسد الفجوة الآخذة في الاتساع بين واشنطن وموسكو، وجعل أوروبا أكثر سلاماً، واستعادة وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها. لكن الحقيقة أن كلاً من واشنطن وموسكو، اللتين سبق أن دخلتا في مواجهة أثناء «الحرب الباردة»، تحاول إبقاء الهند إلى جانبها في «الحرب الباردة الجديدة» التي بدأت تتشكل ملامحها حالياً وتتسم بقدر بالغ من التعقيد.
وفي دراما دبلوماسية ساخنة، جاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، هو الآخر يطرق البوابة الهندية بعد زيارتي ليز تراس وداليب سينغ، اللذين قاما في العاصمة الهندية بمهمة مماثلة. وجذب تفاعل وزير الخارجية الروسي مع نظيره الهندي وأيضاً في لقائه مع رئيس الوزراء مودي الاهتمام الدولي، عندما سلط لافروف الضوء على إمكانية اضطلاع الهند بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة.
ومما قاله لافروف: «إن روسيا منفتحة على الهند للوساطة في أزمة أوكرانيا. لن يعارض أحد إذا دعمت الهند مثل هذه العملية، فالهند بلد مهم». وأردف أن موسكو مستعدة لمناقشة احتياجات الهند من النفط الخام إذا أرادت شراءه من روسيا. وفي إشارة لتقديره للنهج الهندي، نوه الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي بأن «السياسات الخارجية الهندية تتميز بالاستقلالية والتركيز على المصالح الوطنية الحقيقية والمشروعة».
من جهته، أعرب النائب السابق لمستشار الأمن الوطني الهندي، عن سعادته بما اعتبره «شهادة على الدبلوماسية الحاذقة للهند في ظل البيئة الدولية الراهنة وموقفها القائم على المبادئ». ويُذكر أن رئيس الوزراء الهندي مودي ظل على اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وبفضل التعامل المحايد هذا - حسب رسميين هنود – فإن نيودلهي تجد نفسها اليوم في موقع مركزي يمكنها من محاولة طرح حل القضية. وفي حين قوبل طلب وزير الخارجية الصيني وانغ يي لقاء الرئيس مودي بالرفض، فإن الأخير التقى لافروف وتلقى منه «رسالة شخصية» من الرئيس بوتين.
وأشار المسؤول الهندي السابق إلى أنه على مدى أربعة عقود من الترابط الوثيق بين روسيا والهند، اختار كل جانب تحاشي التدخل في النقاط الحساسة للآخر في المحافل الدولية، وسيتوجب على الهند تحديد مكانها بعناية في ظل الجغرافيا السياسية المتغيرة.

- موقع الصين
على صعيد آخر، بالنسبة إلى الصين، فإن وزير الخارجية وانغ قام أخيراً بزيارة إلى الهند لم يعلن عنها على الإطلاق، وسبق توجهه إلى نيودلهي زيارته لكل من إسلام آباد وكابُل. ويبقى التساؤل الأكبر: لماذا شعرت الصين بالحاجة إلى إرسال وانغ إلى الهند، بالنظر إلى العلاقات بين البلدين في التاريخ الحديث؟
في هذا الصدد، أعرب أمريتبال كور، الباحث لدى مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، عن اعتقاده بأنه «يكمن جزء من الإجابة في موقف الهند من الأزمة الروسية ـ الأوكرانية. وربما تنظر الصين إلى دبلوماسية الهند المستقلة كموقف إيجابي منفتح على موقفها، خصوصاً أن الصينيين يواجهون انتقادات متزايدة بسبب دعمها لروسيا. وبالتالي، من المهم للغاية الحصول على دعم الهند على هذا الصعيد».
علاوة على ذلك، يكمل الباحث كور: «تستضيف الصين قمة «بريكس» هذا العام وسيترك قرار الهند سواء بالحضور أو التغيب، انطباعاً كبيراً على قيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار التغيير الوشيك الذي يحدث في القيادة مرة كل عقد في الصين، والذي يسعى الرئيس شي لتفاديه. ولكن المؤكد أن روسيا والصين ترغبان في الحفاظ على الترتيبات الدبلوماسية الثلاثية بين روسيا والصين والهند و«منتدى منظمة شنغهاي للتعاون» ومجموعة «البريكس».
ومن جانبه، أشار سي. راجا موهان، الخبير في الشأن الصيني، إلى أن «الولايات المتحدة واليابان وأستراليا تريد أن تشارك الهند بقوة في منتدى تحالف «كواد»، في تحاول بكين قلب هذه الديناميكية من خلال محاولة إقناع نيودلهي بالانضمام إلى معسكر مناهض للغرب. ولقد سلطت زيارة وانغ المفاجئة الضوء على محاولة جديدة لسحب الهند بعيداً عن الغرب وعلى «مناورة» من غير المحتمل أن تنجح، لكن هذا لن يمنع سعي الهند للاستمتاع بحرب العطاءات الدائرة حولها. وتابع موهان: «من روسيا، تحصل الهند على نفط وأسمدة وسلع أخرى مخفضة السعر، في ظل مساعي موسكو الحثيثة لاجتذاب مشترين جدد. ومن الصين، تتطلع الهند إلى تخفيف حدة المواجهة العسكرية الصينية ـ الهندية في إقليم جبال الهيمالايا».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.