مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»

قائد «القيادة الوسطى » يشدد على أهمية «الوفاء بالتزامات » واشنطن تجاه حلفائها

مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»
TT

مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»

مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»

يكاد يكون قائد «القيادة الأميركية الوسطى» (سينتكوم)، أحد أبرز الشخصيات العسكرية الأميركية الممثلة والفاعلة والمؤثرة، في التعبير عن الموقف الأميركي في منطقة عمليات هذه القيادة. ولطالما حظيت «جولات» قائدها على دول المنطقة، بمتابعات دقيقة؛ لمعرفة اتجاهات بوصلة تلك القيادة، في أوقات السلم والحرب معاً.
وإذا كان الموقف الأميركي الرسمي، غالباً ما تعبر عنه وزارة الخارجية، سواء بشخص وزيرها أو ممثليه ومساعديه، أو من الموفدين الخاصين والشخصيين من البيت الأبيض، فإن خصوصية منطقة العمليات التي تغطيها «سينتكوم»، كانت تعطي قائدها موقعاً متقدماً في تقديم «ضمانات»، عن مدى التزام الولايات المتحدة بتعهداتها السياسية والأمنية في تلك المنطقة. غير أن التبدلات الاستراتيجية التي توالت على نظرة الولايات المتحدة إلى أولوياتها السياسية والتحديات التي تواجهها، في ظل صعود الصين كأكبر «منافس» استراتيجي لها، ألقت بشكوك عميقة على تلك الالتزامات. وأدت في السنوات الأخيرة إلى حصول تغييرات وتداعيات على دور القيادة المركزية وعملياتها في المنطقة، وأولويتها بالنسبة إلى العقيدتين العسكرية والسياسية لأميركا.

اليوم، مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، بدا أن «المناقشات العميقة» التي يجريها قادة البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، ويعبّرون عنها بشكل علني، تشير إلى أن «إعادة» نظر جارية، لتقييم مدى صوابية الاستمرار في سياسة الابتعاد عن المناطق «الهامشية» وصلاحيتها، في الرد على التحديات التي عادت لتفرض نفسها بقوة. هذا ما عبر عنه الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، في شهادته قبل أيام أمام مجلس النواب، عندما حذّر من أن المرحلة المقبلة، قد تشهد «احتمال نشوب صراع دولي كبير بشكل متزايد».
ومع تولي الجنرال مايكل كوريلا مقاليد قيادة منطقة عمليات القيادة الوسطى، تطرح تساؤلات عمّا إذا كانت قيادته ستحدث فارقاً، وتحمل تغييراً في نظرة الولايات المتحدة إلى المنطقة؟ فالرجل جاء إلى مقر الاحتفال في تامبا بولاية فلوريدا، (مقر القيادة الوسطى)، آتياً مباشرة من مهمة الإشراف على نشر القوات الأميركية في أوروبا، بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
من نافل القول، أن الاستراتيجية الأميركية التي جرى تبنيها مبكراً، منذ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وحافظ عليها الرئيس دونالد ترمب، كانت تشير إلى أن القارة الأوروبية ومنطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، لم تعد أولوية. وبالتالي، تتحول الطاقات والموارد نحو مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهادي والهندي. ورغم أن الرئيس الحالي جو بايدن، لا يزال حتى اللحظة، ملتزماً بتلك الاستراتيجية، فإن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، أعلن الجمعة الماضية أن «الأحداث الأخيرة في أوروبا، غيرت الكثير من الأمور، بما في ذلك كيفية تفكير الولايات المتحدة في وضع قوتها الحالي». وقال إن «التغيير في الوضع الأمني في أوروبا قد يعني وجود قوة أميركية في أوروبا مختلفة عما كان متصوراً في البداية قبل غزو روسيا لأوكرانيا». وأردف «البيئة الأمنية مختلفة الآن. وأعتقد أننا نعمل على افتراض أن أوروبا لن تكون كما هي «بعد الآن»... «لذلك؛ ربما لا ينبغي أن يكون لدينا النظرة نفسها إلى وضعنا في أوروبا».

- من هو مايكل كوريلا؟
في بطاقة تعريفه المنشورة على موقع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ومواقع إلكترونية أخرى، فإن اللواء مايكل «إريك» كوريلا، القائد الخامس عشر للقيادة الأميركية الوسطى، المولود عام 1966 في ولاية كاليفورنيا، نشأ في إلك ريفر بولاية مينيسوتا، وخدم في سلاح المشاة بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت عام 1988، وحصوله على درجة البكالوريوس في هندسة الطيران. وبعدها حصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ريجيس، ودرجة الماجستير في دراسات الأمن القومي من الكلية الحربية الوطنية.
وخلال حياته المهنية، قاد كوريلا وحدات العمليات الخاصة المحمولة جواً، والميكانيكية، وقوات «سترايكر»، ووحدات العمليات الخاصة المشتركة في القتال وحفظ السلام وعمليات النشر التشغيلية. وشارك في الهجوم المظلي في بنما، وخدم في عملية «عاصفة الصحراء» في العراق، وعملية «استعادة الأمل» في هايتي، والعملية المشتركة في كوسوفو ومقدونيا، وعملية «العزم المشترك» في البوسنة والهرسك، وعملية «حرية العراق»، وعملية «الحرية الدائمة» في أفغانستان، وعملية «العزم المتأصل» في العراق أيضاً.
لقد أمضى كوريلا نحو عقد من الزمن من 2004 إلى 2014 في قيادة العمليات التقليدية والخاصة في العراق وأفغانستان، التابعة لمنطقة القيادة الوسطى. فعام 2005، عيّن في العراق قائداً لكتيبة «سترايكر» في فرقة المشاة الخامسة والعشرين. وحصل على «النجمة البرونزية» بعد معركة في مدينة الموصل، التي «أصيب فيها ثلاث مرات، لكنه واصل إطلاق النار على المتمردين أثناء توجيه قواته». وكان قائداً سابقاً للفوج 75 (راينجر).
ومن العام 2012 إلى 2014 كان مساعد القائد العام لقيادة العمليات الخاصة المشتركة. وشغل من العام 2016 حتى 2018، منصب القائد العام للفرقة 82 المحمولة جواً، التي نشرت الشهر الماضي في الجناح الشرقي لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو). ومن العام 2018 وحتى 2019 شغل منصب رئيس أركان القيادة الوسطى، ليتولى بعدها قيادة الفيلق 18 المحمول جواً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ومسؤولية الإشراف على نشر القوات الأميركية في ألمانيا، استجابة للأزمة الروسية – الأوكرانية نهاية عام 2021 وبداية 2022.
في احتفال تسليم وتسلم مقاليد القيادة الأميركية الوسطى الجديدة، بين كوريلا والقائد السابق الجنرال كينيث ماكينزي، في أول أبريل (نيسان) الحالي، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إن «المنطقة التي تغطيها قيادة (سينتكوم)، هي المكان الذي نحمي فيه الممرات المائية لكي تتدفق التجارة العالمية». وأضاف «إنها المكان الذي نحارب فيه الإرهابيين الذين يهددون مواطنينا، والمكان الذي نعمل فيه مع شركائنا لمواجهة الاضطراب من إيران ووكلائها».
وتابع أوستن «إن القيادة الوسطى أمر أساسي لأمننا، وأساسية لاستعداداتنا ولتنفيذ مهمتنا». وشدد على أن «الشراكات التي تعقدها (سينتكوم) في المنطقة، بالغة الأهمية وتركز عليها»، في إشارة إلى العلاقات التي تربطها مع دولها، خصوصاً بعد ضم إسرائيل إليها.
هذا، وعُدّ كلامه عن إيران و«دورها المزعزع للاستقرار» مع وكلائها في المنطقة، مؤشراً على «تحفظات» العسكريين الأميركيين عن السياسات المتبعة معها، والصعوبات السياسية التي تواجهها إدارة الرئيس جو بايدن في «تسويق» العودة إلى اتفاق نووي مع إيران، في ظل استبعادها مناقشة كل من برنامجها الصاروخي الباليستي وسياساتها الإقليمية، وعلاقاتها المتوترة مع دول المنطقة المعترضة.
ولفت أيضاً كلام الجنرال كوريلا، القائد الجديد لـ«سينتكوم»، الذي قال إن «خصومنا يبحثون عن أي مؤشر على تذبذب التزام أميركا بالأمن الجماعي في المنطقة... أعداؤنا مستعدون للاستفادة من أي فرص تظهر، يجب ألّا نمنحهم أياً منها». وذلك في ترداد لكلام سلفه الجنرال ماكينزي عن ضرورة «إظهار التزاماتنا تجاه حلفائنا». وأردف كوريلا «إن القيادة الوسطى يجب أن تشارك في ضمان استمرار التجارة العالمية في المنطقة، ويجب أن تضمن أيضاً ألا تؤدي التهديدات هناك، إلى تطوير القدرة على إلحاق الضرر بالوطن الأميركي».
للعلم، توالت تصريحات مسؤولي «البنتاغون» خلال الأيام الماضية، التي تتحدث عن دور الولايات المتحدة في منطقة عمليات القيادة المركزية الوسطى، لتعلن نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دانا سترول، أن إيران هي المصدر الرئيس للاضطراب في المنطقة، في حين لا يزال تنظيم «داعش» يشكل أيضاً تهديداً، على الرغم من عدم سيطرته على أراض في العراق وسوريا. وبينما لفتت إلى أن وزارة الدفاع «تدعم الجهود الدبلوماسية» لوزارة الخارجية لتهدئة النزاعات الجارية في المنطقة، أكدت أن منطقة الشرق الأوسط «تعد مسرحاً رئيسياً للتنافس» مع الصين.

- نظرة جديدة للمنطقة
في الآونة الأخيرة، بدأت بعض الأصوات تتحدث عن ضرورة تغيير النظرة إلى منطقة عمليات القيادة الوسطى، «التي ارتبطت تاريخياً بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة المبنية على خريطة ذهنية ضيقة، موروثة عن حقبة سنوات الحرب الباردة الأولى». ويقول تقرير لمجلة «فورين أفيرز»، إن واشنطن، بإداراتها ومؤسساتها السياسية وجامعاتها ومراكز فكرها، نظرت إلى الشرق الأوسط على أنه العالم العربي، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل وتركيا، استناداً إلى الاستمرارية الجغرافية، والتفاهمات المنطقية للمنطقة، وتاريخ القرن العشرين. إلا أن هذه الخريطة أصبحت قديمة بشكل متزايد، حيث تعمل القوى الإقليمية الرائدة خارج الشرق الأوسط التقليدي، بالطريقة نفسها التي تعمل بها داخله. ثم إن العديد من المنافسات الأكثر أهمية فيها، تلعب الآن خارج تلك الحدود المفترضة.
ويضيف التقرير، أن «البنتاغون» لطالما عرفت هذا الأمر؛ وهو ما أدى إلى فصل القارة الأفريقية عن منطقة عمليات «سينتكوم» عام 2007، وإنشاء القيادة الأميركية في أفريقيا. ورغم ذلك، لا تزال المنطقة التي تغطيها القيادة الوسطى، تشمل أيضاً جيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، وباكستان، والصومال، والسودان.
أيضاً يقول التقرير، إن هذا الاختلال الدراماتيكي في النظر إلى المنطقة، يشير إلى خطورة التمسك بنموذجها «القديم»، على صنع السياسات والمؤسسة العسكرية الأميركية. فهو ليس فقط خارج نطاق السياسة الحالية والممارسة العسكرية، بل إنه يعوق أيضاً محاولات مواجهة العديد من أكبر التحديات اليوم... من أزمات اللاجئين المتسلسلة إلى حركات التمرد الإسلامية، إلى الدور الذي تقوم به الدول الإقليمية الكبرى، كإيران وتركيا وحتى إسرائيل، التي باتت تساهم بشكل متنامٍ في إعادة تشكيل المنطقة.
ومع تحول إيران إلى واحدة من أكثر القوى الإقليمية خطورة على استقرارها، في ظل طموحاتها الإمبراطورية وتزايد علاقاتها مع الصين وروسيا، يتساءل البعض عمّا إذا كان لا يزال ممكناً احتواء خطرها من دون اعتماد سياسات تستلهم ما يجري تنفيذه في مواجهة طموحات روسيا «القيصرية»؟
وغني عن القول، أن في طليعة أهداف السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط إبان «الحرب الباردة»، كانت الحفاظ على الوصول إلى النفط في شبه الجزيرة العربية، وحماية إسرائيل وإبعاد النفوذ السوفياتي. ورغم الاضطرابات التي شهدتها المنطقة منذ الثورة الإيرانية، وأحداث «11 سبتمبر (أيلول)»، حافظت سياسة واشنطن لعقود عديدة على تدفق النفط وعلى الاستقرار، وعلى تعريفها القديم للمنطقة.
ولكن مع تراجع واشنطن عن الاهتمام بها، وتعميق الدول الخليجية الغنية لاستثماراتها وروابطها العميقة مع دول أخرى في الغرب، وتنامي روابطها مع آسيا، وتكثيف إيران نشر شبكاتها بالوكالة ونفوذها في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، وخوضها منافسة متزايدة مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وبناء شراكات مع دول في آسيا، وخاصة الصين... صار على واشنطن أن تتعامل مع بكين أيضاً. فالصين تفكر في الشرق الأوسط بشكل مختلف عنها. وهو ما ضاعف من فرص سوء التفاهم الخطير، ناهيك عن المبالغة في تقدير آثار «الانسحاب الأميركي».
أيضاً في تقييم للنتائج الأولى للحرب في أوكرانيا، قال مسؤول دفاعي الأسبوع الماضي، إن قادة «البنتاغون» باتوا «يشعرون بثقة جديدة في القوة الأميركية». وأردف «منذ عقد من الزمن، كان قادة البنتاغون يراقبون بقلق متزايد الحصار في أفغانستان، وصعود الصين كقوة عالمية وبرنامج التحديث العسكري الروسي الطموح، وتحديات القوى الإقليمية الأخرى»... «كان الإجماع في بكين وموسكو وحتى بين البعض في واشنطن أن حقبة (الهيمنة الأميركية العالمية) تقترب بسرعة من نهايتها». ولكن اليوم عادت الثقة بالقوة الأميركية، مدفوعة بالفاعلية المفاجئة للقوات الأوكرانية المدعومة من الولايات المتحدة، والخسائر الفادحة لروسيا في ساحة المعركة، والدروس التحذيرية التي يعتقد أن الصين «تأخذها في الاعتبار» من هذه الحرب. ونقل عن وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، تقييماً مشابهاً قائلاً إن كلاً من (الرئيسين الصيني والروسي) شي (جينبينغ) و(فلاديمير) بوتين وصفا الولايات المتحدة بأنها «في حالة انحدار»، ومشلولة سياسياً ومتشوقة للانسحاب من بقية العالم. قبل أن يضيف «إلا أن بعد الذي جرى في أوكرانيا على شي أن يتساءل عن جيشه في هذه المرحلة (...) مقاومة الأوكرانيين يجب أن تجعله يتساءل عمّا إذا كان قد قلل من أهمية عواقب هجوم عسكري على تايوان». وهو ما قد يكون مؤشراً على احتمال أن تخضع سياسات واشنطن في منطقة عمليات القيادة الوسطى لإعادة نظر هي الأخرى.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.