البنك الدولي يحذر من «حرمان الملايين من الأطفال العرب» أسس التنمية الصحية

المطالبة برعاية الأمّهات وسوء التغذية وعمالة الأطفال في مقدّمة اهتمامات دراسة تنشر اليوم

رجل من الدفاع المدني السوري يحمل طفلة مصابة بعد استهداف طيران النظام السوري لمدرستها في حلب الأسبوع الماضي (رويترز)
رجل من الدفاع المدني السوري يحمل طفلة مصابة بعد استهداف طيران النظام السوري لمدرستها في حلب الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

البنك الدولي يحذر من «حرمان الملايين من الأطفال العرب» أسس التنمية الصحية

رجل من الدفاع المدني السوري يحمل طفلة مصابة بعد استهداف طيران النظام السوري لمدرستها في حلب الأسبوع الماضي (رويترز)
رجل من الدفاع المدني السوري يحمل طفلة مصابة بعد استهداف طيران النظام السوري لمدرستها في حلب الأسبوع الماضي (رويترز)

يحذر البنك الدولي من آثار الأوضاع المضطربة في عدد من الدول العربية على أجيال من الشباب العربي وخصوصا مع تراجع مؤشرات تنمية الطفولة المبكرة. جاء ذلك في تقرير ينشره البنك الدولي اليوم حول وضع الطفولة المبكّرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بادرة لتقديم منظور عام لوضع ما يعتبر أهم مراحل التنمية البشرية في المنطقة واقتراح بعض خيارات برامج وسياسات للنهوض بها. وفيما تجد الدراسة أن معظم بلدان الشرق الأوسط أحرزت تقدّما ملموسا خلال السنوات الماضية، ولا سيما في الحد من الوفيات المبكرة وزيادة استخدام رعاية ما قبل الولادة وأثناء الولادة، فإنه ينبغي عليها بذل المزيد من الجهود من أجل ضمان تنمية صحية مناسبة للأطفال. ولفتت الدراسة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة مسبقة منها إلى أن «الاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أدنى المستويات في العالم»، مطالبة دول المنطقة الانتباه لهذه الظاهرة لضمان مستقبل المنطقة.
وتسجّل الدراسة تفاوتات كبيرة بين بلدان المنطقة من حيث مؤشرات التنمية الصحية للأطفال ودرجة الاستثمار في السنوات الأولى من الطفولة، التي من شأنها إحداث تغيير جذري في حياة الملايين من الأطفال وتطوير مسارات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فضلا عن ذلك، حذّرت الدراسة من الفجوات الكثيرة في مجال الرعاية الصحية المبكرة التي تعرض الأطفال وأمهاتهم إلى خطر الإصابة بالأمراض والوفيات، داعية إلى تعميم التلقيح والتغطية الصحية لعدد أكبر من الأطفال.
ومن جانب آخر، تسلّط الدراسة الضوء على ظاهرة «التقزم» في المنطقة والتي ترجع إلى حدّ كبير إلى تدني التغطية بالمغذيات الدقيقة الهامة، كما تنبّه إلى ضرورة رفع معدلات الأنشطة الإنمائية والرعاية وتعليم الطفولة المبكرة والتي تعني أن الأطفال لا يتطورون إلى كامل إمكانياتهم المعرفية، والاجتماعية، والعاطفية. وأعارت الدراسة أهمية خاصة لطرق التأديب في بعض الأوساط، مشيرة إلى أن «المعدلات العالية جدًا للتأديب العنيف وانتشار عمالة الأطفال حتى في سن الخامسة يعرضان التنمية المبكرة للأطفال للخطر». وأضافت الدراسة المطولة أنه «على الرغم من وجود الكثير من التحديات أمام ضمان تحقيق جميع الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإمكانياتهم الكاملة، هناك أيضا الكثير من السياسات والبرامج المثبتة فعاليتها التي يمكن بها التغلب على هذه التحديات وتعزيز وحماية تنمية الطفولة المبكرة للطفل».
وتعتمد دراسة البنك الدولي على خمسة مقاييس أساسية لرصد وضع تنمية الطفولة المبكرة، وتشمل الصحة، والتغذية، والتطور المعرفي، والاجتماعي، والعاطفي للأطفال في السنوات الأولى من نشأتهم. ويعتمد كل مقياس على عدد من المؤشرات العلمية كعدد الوفيات المبكرة، ورعاية ما قبل الولادة، ووجود قابلة مدربة عند الولادة، والتطعيمات لفحص الحالة الصحية للأطفال، فيما يتم قياس الوضع الغذائي للأطفال من خلال التقزم (الطول بالنسبة للعمر)، فضلاً عن توفر المغذيات الدقيقة، وتحديدًا اليود. أما تقييم التطور المعرفي والاجتماعي أو العاطفي فيعتمد على مدى مشاركة الأطفال في أنشطة التعلم التنموية، والتحاقهم في رعاية وتعليم الطفولة المبكرة، وما إذا كانوا يتعرضون للتأديب العنيف، وإذا ما كانوا منخرطين في عمالة الأطفال في سن الخامسة.
ويتّضح من الدراسة، (343 صفحة)، أن تحديات تنمية الطفولة تختلف باختلاف الناتج المحلي الإجمالي للدول ومؤشرات التنمية البشرية. وبينما تتناول الدراسة 12 دولة في المنطقة، فإن هناك دولا تواجه مشكلات فائقة، من بينها اليمن التي يفيد التقرير بأن أطفاله يواجهون سلسلة من التحديات والمخاطر التي تهدد تنميتهم المبكرة بشكل خطير. فيما يتعلق برعاية ما قبل الولادة وأثناءها، فإن نصف الولادات في اليمن فقط تحصل على رعاية قبل الولادة، وثلث حالات الولادة فحسب تتم على يد قابلات ماهرات. وتعتبر حالات الوفاة المبكرة مرتفعة إذ إن 4 في المائة من الأطفال يموتون في الشهر الأول من حياتهم، و7 في المائة في السنة الأولى. أما الأطفال الذين ينجون خلال هذه المرحلة فهم معرضون بشكل كبير للمرض، وسوء التغذية، والوفاة. كما أن أكثر من نصف الأطفال غير محصنين بالكامل في عمر السنة.
ويعدّ سوء التغذية معضلة كبيرة في اليمن، إذ إن 53 في المائة من الأطفال يعانون من التقزم، و46 في المائة يعانون من نقص الوزن، و12 في المائة من الهزال. أما بالنسبة لنمو الأطفال الاجتماعي والعاطفي، فإن ربع الأطفال فقط يشاركون في أنشطة تنموية و3 في المائة منهم فقط يلتحقون برعاية وتعليم الطفولة المبكرة. كما أن أكثر من 90 في المائة من الأطفال بين أعمار 2 إلى 5 سنوات يتم تأديبهم بشكل عنيف، و16 في المائة من الأطفال في عمر الخامسة ينخرطون في عمالة الأطفال.
أما سوريا التي تعيش أزمة منذ أكثر من 4 سنوات، فتفيد الدراسة بأن أطفالها لم يستطيعوا تحقيق كامل إمكانياتهم للتنمية المبكرة حتى قبل بداية الربيع العربي والصراع الذي تلاه. وبالمقارنة مع اليمن، فإن سوريا تتيح مستويات مرتفعة من الرعاية ما قبل الولادة وإن كانت غير كافية. ويتوفّى نحو واحد في المائة من الأطفال في شهرهم الأول و1.7 في المائة في السنة الأولى.
ويعاني 26 في المائة من الأطفال من ظاهرة التقزم بسبب سوء التغذية. كما يصل احتمال انخراط الأطفال في عمالة الأطفال في عمر الخامسة إلى 12 في المائة، وهو نفس احتمال حصولهم على رعاية وتعليم الطفولة المبكرة في سن 3 - 5 أعوام.
وفيما يخص العراق، تواجه تنمية الطفولة المبكرة عددا من الثغرات التي تحول دون أن يحقق الأطفال العراقيون كامل إمكانياتهم للتنمية المبكرة. وتجد الدراسة أن مستويات الرعاية قبل الولادة وأثناءها لا بأس بها ولكن ما زال هناك مجال للتحسين. وتلقت 78 في المائة من الولادات رعاية ما قبل الولادة،، ولكن فقط 51 في المائة منها تلقت رعاية قبل الولادة بصورة منتظمة.
وتوضّح الدراسة أن الثّغرة الرئيسية في تنمية الطفولة المبكرة في العراق تكمن في تدني معدّلات التلقيح في العراق، إذ إن 64 في المائة فقط من الأطفال في عمر السنة حصلوا على التلقيحات الضرورية بالكامل. كما أن سوء التغذية يطرح عراقيل كبيرة أمام تنمية الأطفال في العراق، إذ إن 22 في المائة من الأطفال في العراق مصابون بالتقزم، و7 في المائة يعانون من نقص في الوزن، و6 في المائة مصابون بالهزال. أما من ناحية التطور الاجتماعي والعاطفي، فإن 54 في المائة فقط من الأطفال يمارسون أنشطة تنموية، و77 في المائة من الأطفال يتعرضون للتأديب العنيف. وعلاوة على ذلك، 10 في المائة من الأطفال بعمر 5 سنوات منخرطون في عمالة الأطفال.



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.