مواجهة نيابية ـ رئاسية بين «صقور» الموارنة في شمال لبنان

اللوائح الانتخابية تجاوزت الـ100 (الوكالة المركزية)
اللوائح الانتخابية تجاوزت الـ100 (الوكالة المركزية)
TT

مواجهة نيابية ـ رئاسية بين «صقور» الموارنة في شمال لبنان

اللوائح الانتخابية تجاوزت الـ100 (الوكالة المركزية)
اللوائح الانتخابية تجاوزت الـ100 (الوكالة المركزية)

تحتضن دائرة شمال لبنان الثالثة (البترون، الكورة، زغرتا، بشرّي) ثلاث لوائح يتزعّمها مرشّحون لرئاسة الجمهورية هم رؤساء حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وتيار «المردة» سليمان فرنجية و«التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وتستعد للدخول في منازلة انتخابية مع 4 لوائح مدعومة من تحالف حزب «الكتائب اللبنانية» - ميشال معوّض وأخرى من المجموعات الناطقة باسم المجتمع المدني بعد أن تعذّر عليها الائتلاف في لائحة واحدة وإن كان تحالف «شمالنا» يشكّل رأس حربة في مواجهة اللوائح التي تتشكّل من القوى التقليدية وبعضها من انقلب عليها بانضمامها إلى الحراك المدني.
ومع أن المنافسة في هذه الدائرة التي تُعد كبرى الدوائر الانتخابية المسيحية بامتياز وتدور المنافسة فيها لملء عشرة مقاعد نيابية (7 للموارنة و3 للأرثوذكس)، فإن الصوت المسلم فيها يبقى حاضراً، وتحديداً السنّي منه، ولا يجوز التقليل من تأثيره لأنه يرفع من منسوب الحواصل الانتخابية، هذا في حال قرر الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع بخلاف انكفائه حتى الساعة عن الحملات الانتخابية التي باشرتها القوى الرئيسية المنخرطة في العملية الانتخابية.
فالصوت المسلم بثقله السنّي في الدائرة الثالثة يكاد يغيب حتى إشعار آخر عن المشهد الانتخابي، وهذا ما ينسحب على دائرتي الشمال الأولى والثانية، وكأن لا علاقة لها بالانتخابات لخلوّ الساحات العامة والأحياء والجدران من صور المرشحين ولافتات التأييد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دائرة بيروت الثانية ذات الثقل السنّي مع فارق يعود إلى أن رئيس لائحة «بيروت في القلب» النائب فؤاد مخزومي استبق جميع منافسيه برفع صوره في معظم طرقات وأحياء العاصمة.
ويطرح استنكاف بيارتة عن الانضمام إلى الحملات الانتخابية أسوةً بدائرتي الشمال ذات الأكثرية السنّية وبدوائر أخرى في البقاع والشوف، مجموعة من الأسئلة عما إذا كان الغياب عن الانخراط في العملية الانتخابية سيبقى على حاله من البرودة والركود، أم أن المشهد سيتغيّر تدريجياً لمصلحة الإقبال على صناديق الاقتراع ولو بنسبة تبقى أقل من النسبة التي حملتها دورة الانتخابات السابقة؟ خصوصاً أن زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قرر هذه المرة الخروج ترشُّحاً من المبارزة الانتخابية بخلاف خوضها سابقاً.
وبالعودة إلى دائرة الشمال الثالثة، لا بد من الإشارة إلى أن الحزب «السوري القومي الاجتماعي» منقسم على نفسه بين جناح أسعد حردان الداعم لترشُّح سليم سعادة على لائحة «المردة»، والآخر برئاسة ربيع بنات المؤيّد لترشُّح القومي وليد العازار على لائحة «التيار الوطني الحر»، إضافةً إلى خروج النائب السابق سامر سعادة عن قرار حزب «الكتائب» وانسحابه من المعركة احتجاجاً على قرار الحزب بالتحالف مع مجد بطرس حرب، المرشح عن أحد المقعدين المارونيين في البترون.
ولم يُعرف رد فعل سعادة في صندوق الاقتراع، وما إذا كان سيُترجمه بتأييده لائحة «التيار الوطني»، أم أنه سيميل لدعمه لائحة «القوات» باعتبار أن هناك مساحة سياسية مشتركة بين الحزبين؟ خصوصاً أن حزب «القوات» تأسّس من رحم «الكتائب»، فيما حقّق فرنجية الأب إنجازاً بضم مرشحي بشرّي على لائحة «المردة» وهما ملحم جبران طوق المعروف بـ«ويليام»، ابن عم ستريدا طوق جعجع، وروي عيسى الخوري، وكانا قد ترشّحا في الانتخابات السابقة على لائحة «التيار الوطني».
ورغم أن ترشّحهما على لائحة «المردة» يشكل حضوراً غير مسبوق لفرنجية الأب في بشرّي، معقل «القوات»، فإن موقف النائب السابق سليم كرم الذي استقبل موفدين من جعجع طرح سؤالاً في الشارع الزغرتاوي عمّا إذا كان هذا اللقاء يؤشّر إلى بداية تعاون ينقلب فيه على تعاونه مع «المردة» بعد أن رسب في دورة الانتخابات السابقة لمصلحة فوز ميشال رينيه معوّض بالمقعد الماروني الثالث إلى جانب النائبين طوني سليمان فرنجية وأسطفان الدويهي، خصوصاً أن اللقاء غير المتوقّع بين خصمي الأمس، أي كرم و«القوات»، يتلازم هذه المرة مع زحمة مرشّحين من زغرتا لم تكن موجودة من قبل، أبرزهم الذين ترشّحوا على لائحة تحالف «شمالنا»، إضافةً إلى الثقل الانتخابي لرئيس حركة «الاستقلال» المتحالف مع «الكتائب» في لائحة «الشمال تواجه».
لكنّ انكفاء العامل السنّي عن الحضور حتى الساعة في المشهد الانتخابي لن يحجب الأنظار عن تأثيره في حال أن المزاج العام للسنة تبدّل لمصلحة الإقبال على صناديق الاقتراع، وإن بنسبة أقل من دورة الانتخابات السابقة، خصوصاً أن تبدّله سيكون أولاً لمصلحة فرنجية، وثانياً لمعوّض وبنسبة رمزية لـ«القوات» على خلفية تأزُّم علاقته بتيار «المستقبل»، فيما يمتنع عن الاقتراع للائحة باسيل، علماً بأن عدد الناخبين السُّنة يقدّر بالآلاف ويمتد من الكورة مروراً بالبترون وانتهاءً بزغرتا ممثّلة ببلدة مرياطة.
وبالنسبة إلى الحضور الشيعي المتواضع فهو يوجد في بلدات ومزارع في قضاءي البترون والكورة، ويمكن أن تتوزّع الأصوات الشيعية على باسيل في البترون وعلى «المردة» في الكورة، مع أن القرار النهائي يعود إلى الثنائي الشيعي ممثّلاً بـ«حزب الله» الحليف لـ«التيار الوطني» وبحركة «أمل» الحليف «اللدود» لباسيل، وإن كانت علاقتهما تمر حالياً بمهادنة من موقع الاختلاف استجابةً لرغبة «حزب الله» الذي نجح في تدويره للزوايا بجمعهما على لائحة واحدة في البقاع الغربي - راشيا، وأيضاً في بعبدا - المتن الجنوبي، وبعلبك - الهرمل، فيما تعذّر عليه جمعهما في لائحة واحدة في دائرة جزين - صيدا.
لذلك فإن المنازلة في الدائرة الثالثة تبقى مسيحية - مسيحية بامتياز وتتعامل بعض القوى المحلية مع نتائجها على أنها واحدة من المعارك المتّصلة بانتخاب رئيس جمهورية جديد وتكاد تكون نسخة طبق الأصل عن المواجهة الرئاسية، رغم أن جهات دولية ترى أن ملف الاستحقاق الرئاسي في مكان آخر وربما ترشُّحاً، أي من خارج «صقور» الموارنة الذين يستعدّون للدخول في منافسة يُتطلع إلى واحد منهم لاحتلال المرتبة الأولى في حصد مقاعدها النيابية العشرة، وهذا ما ينطبق أيضاً على تحالف «الكتائب»- معوّض من دون إسقاط دور القوى التغييرية والثورية في تحقيق خرق لقطع الطريق على القوى التقليدية الطامحة لتمديد احتكارها للتمثيل النيابي.
وعليه، فإن «الكتائب» بتحالفه مع معوض يسعى لتسجيل حضوره النيابي خارج جبل لبنان، بينما يسعى باسيل لتحسين شروطه في المنافسة ليكون على قدم المساواة مع «القوات» أولاً و«المردة» ثانياً في حصد المقاعد النيابية، رغم أن التقديرات الأولية تستبعد تحقيق ما يصبو إليه بذريعة أنه لا يُصنّف على خانة الحلقة الأقوى لأنه يتزعّم لائحة متواضعة قياساً على عوامل القوة التي يتمتع بها جعجع وفرنجية الابن في معركته بالنيابة عن والده الذي يُخلي له الساحة النيابية للمرة الثانية على التوالي، فيما يتبارى الأقوياء في الدائرة لكسب الصوت السنّي الغائب حتى الساعة عن الحراك الانتخابي.
لذلك فإن المواجهة قد تحمل مفاجآت يمكن أن يحققها الحراك المدني في مقابل إصرار نائب رئيس المجلس النيابي السابق فريد مكاري، على التموضع في دائرة الحياد مع أنه يُعدّ من الناخبين الكبار في الدائرة.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.