انقلابيو اليمن يصعِّدون انتهاكاتهم بحق دور العبادة ومرتاديها

TT

انقلابيو اليمن يصعِّدون انتهاكاتهم بحق دور العبادة ومرتاديها

صعَّدت الميليشيات الحوثية منذ مطلع شهر رمضان الجاري من حجم جرائمها وانتهاكاتها بحق حرمة المساجد ودورة العبادة، في العاصمة المحتلة صنعاء ومدن يمنية أخرى قابعة تحت سيطرتها.
وذكرت مصادر مطلعة أن سلسلة التعسفات الجديدة بحق دور العبادة رافقها أيضاً شن حملات مضايقة واعتداء، طالت مرتادي مساجد، وصل بعضها حد القتل والإصابة بعد منعهم من أداء بعض شعائرهم.
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن الانتهاكات طالت دور عبادة في صنعاء وإب وعمران وريمة وذمار وغيرها، وشمل بعضها الاقتحام، والاعتداء المسلح، والإغلاق، والإلزام بالتقيد بأفكار ومعتقدات الميليشيات، والمنع من أداء الشعائر خلال شهر رمضان.
وفي العاصمة صنعاء، تحدثت مصادر محلية عن دهم عناصر حوثيين خلال أول يوم من رمضان مسجداً بحي الوايتات بمنطقة المطار شمالي صنعاء، أثناء أداء المصلين صلاة التراويح، في محاولة لترهيبهم وإيقاف الصلاة تحت مبرر استخدامهم مكبرات الصوت.
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن عملية الاقتحام التي قادت حينها لوقوع مشادة بين المصلين والميليشيات، أسفرت بعد إطلاق مسلحي الجماعة الرصاص الحي داخل المسجد، عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 9 أشخاص، ممن كانوا يؤدون صلاة التراويح.
ولفت الشهود إلى أن تلك الجريمة لاقت استياءً وغضباً واسعاً لدى المصلين وأهالي الحي الذين تداعوا للتضامن مع المصلين المُعتدى عليهم، والانتصار لحرمة المسجد من أن تنتهكه الميليشيات وتحوله إلى مكان للسهر، ومضغ نبتة «القات».
ونقل الشهود عن بعض الأهالي رفضهم القاطع لكافة القرارات الحوثية التي تمنع إقامة الشعائر الدينية داخل المساجد، وطالبوا بسرعة القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة، لينالوا جزاءهم العادل.
وفي حادثة أخرى مماثلة شهدتها العاصمة، قالت المصادر إن الميليشيات أقدمت في ثاني أيام رمضان على إغلاق مصلى للنساء في جامع الرحمة بشارع خولان، وباشرت على الفور في طرد جموع النسوة ممن حضرن لأداء صلاة التراويح.
وأكد شهود أن الجماعة حولت المصلى عقب إغلاقه إلى مقر لتعاطي نبتة «القات» المخدرة، وتنظيم لقاءات وفعاليات وأمسيات للموالين لها، يرافقها بالوقت ذاته تشغيل «الزوامل» (الأهازيج الحربية) المصحوبة بالرقصات.
ويواصل مسلحو الجماعة حالياً، وبأوامر تلقوها قبل أيام من عضو مجلس حكم الانقلاب القيادي محمد علي الحوثي، دهم عديد من المساجد ومصليات النساء في صنعاء ومدن أخرى، ومنع المصلين من حرية التعبد، وفق ما ذكرته المصادر.
وتحدث سكان مجاورون لمساجد عدة في صنعاء ومناطق أخرى، عن تحويل الجماعة منذ أول أيام الشهر الفضيل عديداً من المساجد بالأحياء التي يقطنونها من دور للعبادة إلى أماكن للسمر وعقد اللقاءات والاجتماعات والأمسيات الحوثية الطائفية، والاستماع لخطب ومحاضرات زعيم الميليشيات.
وفي حين تسعى الميليشيات إلى تمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي اليمني، أقدمت قبل يومين على الاعتداء على إمام مسجد وسط العاصمة صنعاء، على خلفية اعتراضه على تحويل المسجد إلى مجلس لتعاطي نبتة «القات».
وفي محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، تحدثت مصادر محلية عن اختطاف الميليشيات للعشرات من مؤذني وأئمة المساجد بمديرية القفر، واقتيادهم إلى أحد سجونها في المنطقة، بحجة عدم التزامهم بتأخير موعد رفع أذان صلاة المغرب 11 دقيقة خلال رمضان، لاعتقاد الميليشيات أن الإفطار يكون مع ظهور نجوم الليل في السماء.
وفي حين أشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إلى مواصلة مسلحي الجماعة ملاحقة القائمين على إدارة ما تبقى من المساجد بريف إب ومركز المحافظة ومديرياتها، لإجبارهم على تطبيق تلك التعليمات. قالت إن من يقف خلف صدور تلك التعليمات هم خطباء ومعممون حوثيون قدموا من صعدة (معقل الميليشيات) إلى المحافظة، قبيل شهر رمضان بأيام، وعقدوا عدة لقاءات مع أئمة مساجد، لإجبارهم على تأخير موعد أذان المغرب في أيام رمضان، وتهديدهم بالخطف وإنزال أقصى العقوبات بحقهم حال عدم التزامهم.
وعلى مدى سنوات الانقلاب الماضية، كشفت تقارير محلية وأخرى دولية عن آلاف الانتهاكات والجرائم الحوثية بحق المساجد ودور العبادة بمناطق يمنية عدة، شمل بعضها تنفيذ الجماعة لاقتحامات عدة بحق عدد من المساجد، ومن ثم نهبها ومصادرة كل محتوياتها.
وكان بيان صادر عن وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، قد وصف في وقت سابق الجماعة بـ«العنصرية»، واتهمها بأنها «تسعى جاهدة وبقوة السلاح لفرض رؤاها ومعتقداتها الخرافية التي تخالف العقيدة الإسلامية الصافية على اليمنيين، وإضافة إلى ذلك لا تسلم بيوت الله نفسها، رغم قدسيتها، من هذه الاعتداءات والانتهاكات التي منها تحويل بعضها إلى ديوانيات لمضغ (القات) وساحات للهو والرقص، ومخازن للأسلحة والعبوات المتفجرة، ومعتقلات لمن يخالفهم في الفكر والمعتقد».


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.