أزمة الحكم وغرائبية السياسة في إسرائيل

TT

أزمة الحكم وغرائبية السياسة في إسرائيل

استقالة رئيسة الكتل البرلمانية في الائتلاف الحاكم، عيديت سيلمان، تعكس واحدة من غرائب السياسة الإسرائيلية. فهي تنتمي إلى التيار القومي اليميني المتطرف الذي يقوده حزب «يمينا» بقيادة نفتالي بنيت، رئيس الحكومة. وقد فسرت خروجها من الائتلاف بالقول إنها لم تعد تحتمل التراجع المتواصل في الحكومة عن أفكار اليمين. ولكن خطوتها هذه لا تحسن من وضع اليمين؛ بل العكس.
إنها تعرف أن استقالتها ستؤدي إلى زيادة خطر سقوط هذه الحكومة برئاسة حزبها، وتيارها الفكري والعقائدي، وإلحاق خسارة مؤكدة به. وهي تعلم أن استقالتها تقرب من احتمالية التوجه لانتخابات جديدة، ستكون الخامسة في غضون 3 سنوات، مع كل ما يعنيه ذلك من أضرار للاقتصاد وفوضى سياسية. وهي تعلم أنه في حال التوجه لانتخابات جديدة، سوف يستقيل بنيت، بموجب الاتفاق الائتلافي الذي صاغته بنفسها، ويتولى رئاسة الحكومة مكانه يائير لبيد الذي يقود التيار اللبرالي المركزي. أي أنها تسلم الحكم لخصم لدود، فكرياً. وهذا بالتأكيد لا يخدم اليمين.
لكن هذه هي السياسة في إسرائيل. لا غرابة في السلوكيات الغريبة. والخطوة التي قامت بها سيلمان باتت جزءاً من نهج يقوم على مبدأ «لا ثوابت في السياسة». وفي الوضع الحالي، يبدو أن أزمة الحكم في إسرائيل لم تنتهِ؛ بل يتم تجديدها.
حكومة بنيت لبيد لن تسقط فوراً؛ لكنها أصبحت في وضع ضعيف أكثر. لديها 60 مقعداً في «الكنيست»، مقابل 60 معارضاً. وأي خروج عن الصف في أي قضية سيهددها أكثر وربما يقود لسقوطها. وهذا فضلاً عن القضية المعنوية لرئيس الحكومة، نفتالي بنيت، الذي يقود حزباً صغيراً يصغر أكثر في كل يوم، أنهى الانتخابات بالفوز بسبعة مقاعد، وقبل عدة شهور خسر مقعدين بانسحاب النائب عاميحاي شيكلي من حزبه إلى المعارضة، واليوم تنسحب سيلمان. فيصبح رئيس حكومة بخمسة نواب من 120 نائباً.
والائتلاف يخسر أكثريته بسبب رفاقه في الحزب. فإذا لم يعرف كيف يحافظ على وحدة حزبه، فكيف يحافظ على الدولة؟! وهذا ناهيك عن استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن 10 في المائة من الإسرائيليين يرون فيه رجلاً مناسباً، بينما يحظى رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو بتأييد 52 في المائة بالمقابل.
لكن بنيت، وعلى الرغم من كل ما يواجهه الآن، يبث رسائل متفائلة بقدرته على الصمود؛ لأنه يبني على فرص أخرى. والخيارات اليوم كثيرة، لبقائه في الحكم؛ لكنها معدومة لتخليص إسرائيل من الأزمات الحكومية:
الخيار الأول: أن يبقي على ائتلافه الحالي كما هو بـ60 مقعداً؛ لكنه سيواجه مشكلات غير قليلة على الطريق، إذ إن هذا الائتلاف غريب التشكيل، ويضم 8 أحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكذلك مع الحركة الإسلامية. هناك صعوبات جمة في تمرير القوانين التي يريدها هو وحزبه، والتي يريدها زملاؤه في الائتلاف.
ومن الناحية التنظيمية يمكن لحزب بنيت أن يخسر نائباً آخر، هو نير أورباخ. فقد وضع نشطاء اليمين المتطرف علامة عليه، وأقاموا أمام بيته أمس خيمة احتجاج تطالبه بالعودة إلى الأصل، والانسحاب من «حكومة اليسار المساندة للإرهاب».
والمعروف أن سيلمان كانت قد تعرضت لحملة ضغوط كهذه وتهديدات لعائلتها، وقدمت عشرات الشكاوى في الشرطة عن مضايقات. ويوجد قلق عند بنيت من أن يرضخ أورباخ مثلما حصل مع سيلمان. وإن استمرار هذا الخيار يعني تأجيل المشكلة وليس حلها.
الخيار الثاني: أن ينجح بنيت في ضم الأحزاب الدينية إلى الائتلاف. ويعتبر هذا حلاً مثالياً بالنسبة إليه. فهو وغيره من الوزراء يجرون اتصالات دائمة مع الأحزاب الدينية، وتمكنوا من سلخها عن نتنياهو في فترة إقرار الموازنة العامة، وعاد هذا عليهم بالفائدة. وأمس، تحدث أحد قادتهم عن ضرورة فك الزواج الكاثوليكي مع حزب «الليكود»؛ لكن نتنياهو باشر ممارسة ضغوط شديدة حتى لا ينسحبوا من التزامهم نحوه.
الخيار الثالث: هو أن ينجح نتنياهو في تشكيل ائتلاف جديد. لديه اليوم 54 مقعداً مضموناً. بقية المعارضة هي «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية، برئاسة النائب أيمن عودة التي باتت لسان الميزان. لكن هذه القائمة لا يمكن أن تناصر حكومة بمشاركة اليمين المتطرف أو برئاسة نتنياهو. وعليه إذن أن يبحث عن حزب آخر. ويوجد حزب كهذا، هو «كحول لفان» برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس؛ لكنه في هذه الحالة سيكون مضطراً للتنازل عن منصب رئيس الحكومة. وكان نتنياهو قد عرض على غانتس مثل هذا الاقتراح، وقال له إنه سيقبل به رئيساً للحكومة طيلة الدورة؛ لكن غانتس رفض العرض، ليس لأنه لا يريد أن يصبح رئيساً للحكومة؛ بل لأنه لم يعد يثق بأي اتفاق يوقعه نتنياهو. ويبني «الليكود» وحلفاؤه من الأحزاب الدينية على إمكانية أن يغير غانتس رأيه؛ خصوصاً وهو في حالة خلافات متصاعدة مع بنيت وبعض الوزراء.
الخيار الرابع: أن تسقط الحكومة من دون القدرة على إيجاد حلول للمعضلة، وعندها يتوجهون إلى انتخابات عامة أخرى. في هذه الحالة، يصبح لبيد رئيس حكومة إلى حين تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات. ولكن استطلاعات الرأي لا تبشر بنتائج تتيح إيجاد حلول للأزمة السياسية. فهي تشير إلى أن «الليكود» سيرتفع إذا خاض الانتخابات برئاسة نتنياهو؛ لكنه لن يتمكن من تشكيل حكومة، وأن الائتلاف الحالي سيخسر 6 – 9 مقاعد. وستحتاج الأحزاب إلى لخبطة تحالفاتها، أو التوجه إلى انتخابات سادسة وسابعة.
وعليه، فإن أزمة الحكم ستبقى حية، وترفس كل من يقدم على حلول لها، والحكومة تعمل على كف عفريت. ما يضمن لها رمق العيش هو أنها تدير معارك ذات طابع استراتيجي، مثل المعركة ضد إيران وأذرعها، أو تعزيز وتوسيع «اتفاقيات إبراهيم» أو مواجهة العمليات المسلحة، وغير ذلك.



انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)

تواصلاً لمسلسل انتهاكات الجماعة الحوثية الذي كانت بدأته قبل أسابيع في صنعاء وإب، وسّعت الجماعة من حجم بطشها بصغار التجار وبائعي الأرصفة في أسواق محافظة ذمار وشوارعها، وفرضت عليهم دفع إتاوات تحت مسميات غير قانونية. وفق ما ذكرته مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط».

وأكدت المصادر أن الحملات التي شارك فيها مسلحون حوثيون مدعومون بعربات عسكرية وجرافات وشاحنات، جرفت المتاجر الصغيرة وصادرت 40 عربة لبائعين متجولين بما فيها من بضائع في مدينة ذمار وعلى طول الشارع العام الرابط بين صنعاء ومحافظتي إب وتعز.

جانب من حملة حوثية استهدفت السكان وممتلكاتهم في ذمار (فيسبوك)

وجاءت الحملة التعسفية بناءً على مخرجات اجتماع ضم قيادات حوثية تُدير شؤون محافظة ذمار، (100 كيلومتر جنوب صنعاء) نصت على قيام ما تسمى مكاتب الأشغال العامة والمرور وصندوق النظافة والتحسين وإدارة أمن ذمار باستهداف صغار الباعة في المدينة وضواحيها قبيل انتهاء العام الحالي.

وبرّرت الجماعة الانقلابية حملتها بأنها للحفاظ على ما تسميه المنظر العام للشوارع، وإزالة العشوائيات والاختناقات مع زعمها بوجود مخالفات.

واشتكى مُلاك متاجر صغيرة، طالهم التعسف الحوثي لـ«الشرق الأوسط»، من ابتزاز غير مسبوق على أيدي مشرفين ومسلحين يجمعون إتاوات بالقوة تحت مسميات عدة.

وذكروا أن مسلحي الجماعة دهموا شوارع وأسواق شعبية في مناطق عدة بذمار، وباشروا بجرف المتاجر ومصادرة عربات البائعين واعتقلوا العشرات منهم عقب رفضهم دفع مبالغ مالية «تأديبية».

وأجبر الوضع المتردي كثيراً من السكان في ذمار ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة على العمل بمختلف المهن، حيث يعجّ الشارع الرئيسي للمدينة وشوارع فرعية أخرى منذ سنوات عدة بآلاف العاملين بمختلف الحِرف جُلهم من الشباب والأطفال والنساء؛ أملاً في توفير لقمة العيش.

انتهاكات ممنهجة

ويصف عبد الله (30 عاماً) وهو مالك متجر صغير، ما يتعرض له صغار الباعة من حرب شعواء من قِبل الجماعة الحوثية بأنه «انتهاكات ممنهجة» بقصد التضييق عليهم ودفعهم إلى الالتحاق ببرامج التعبئة العسكرية.

ويشير مراد، وهو مالك عربة متجولة إلى أنه تمكن من استعادة عربته من بين أيدي عناصر حوثيين بعد مصادرتها مع عربات بائعين آخرين في سوق شعبية وسط المدينة، وأكد أن ذلك جاء بعد استجابته بدفع مبلغ مالي لمسلح يُشرف على تنفيذ الحملة الاستهدافية.

الحوثيون صادروا عربات باعة بزعم التهرب من دفع إتاوات (فيسبوك)

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة صغار الباعة بذمار، فقد سبق لها أن نفذت منذ مطلع العام الحالي ما يزيد على 6 حملات للبطش والتنكيل بالمئات منهم؛ بغية إرغامهم على دفع إتاوات.

وكان الانقلابيون الحوثيون أطلقوا قبل نحو شهر حملة استهدفت بالتعسف والابتزاز تجاراً وبائعين في سوق «المثلث» بمدينة ذمار، أسفر عنها جرف متاجر صغيرة ومصادرة عربات وإتلاف بضائع.

وسبق للباعة الجائلين أن طالبوا مرات عدة سلطات الانقلاب في ذمار بتوفير أسواق بديلة لهم، بدلاً من الحملات التي تُشنّ عند كل مناسبة طائفية بهدف جمع أكبر قدر من المال.