البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

أقام في سرت وفشل في حل الخلافات بين مبايعي البغدادي وأنصار الظواهري

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض
TT

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

كشفت مصادر ليبية في العاصمة المصرية القاهرة، متخصصة بمتابعة نشاط تنظيم داعش، عن أن تركي البنعلي - البحريني الأصل - القيادي المهم في التنظيم الأم بالعراق والشام، يضغط على «داعش ليبيا» للإسراع في التصالح مع باقي المجموعات المتطرفة، وذلك لبسط النفوذ على مزيد من المدن الليبية، إلا أنه يواجه صعوبات في هذا الأمر لأسباب تتعلق بتوازنات بين الجماعات المتشددة في البلاد التي تعاني من الفوضى منذ مقتل العقيد معمر القذافي في 2011.

مصادر الجيش الليبي تقول إنه لا توجد معلومات مؤكدة عن انتقال البنعلي لقيادة «داعش» في ليبيا، وأوضح المستشار في الجيش الوطني الليبي، صلاح الدين عبد الكريم، قائلا لـ«الشرق الأوسط» حول ما أفادت به مصادر أخرى عن انتقال البنعلي لليبيا، إن «مثل هذه الأنباء أصبحت منتشرة، لكن لا توجد معلومات تؤكدها على الأرض». وكشف عن قيام الجيش قبل يومين بتوجيه ضربات لأربعة مراكب كانت تحمل متطرّفين وأسلحة متجهة من مدينة مصراتة لدعم المقاتلين المتشدّدين في بنغازي.
ولكن وفقا للمصادر، يسعى البنعلي، الذي عمل بالقرب من «الخليفة» المزعوم أبو بكر البغدادي، كرئيس لجهاز الحسبة في تنظيم داعش، لشق طريق للتعاون بين المقاتلين المتطرّفين، خاصة في مدن درنة وسرت وبنغازي شمالا، ومدينتي سبها وأوباري جنوبا، وحل الخلافات بين مبايعي البغدادي من جانب وأنصار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري من جانب آخر. إلا أن الأوضاع المعقدة على الأراضي الليبية، وتزايد قدرة الجيش الوطني على ضرب مواقع المتطرفين، تعرقل من مهمة البنعلي.
وعما إذا كان «داعش» قد ولَّى البنعلي - البالغ من العمر 31 سنة - على ليبيا، قالت مصادر مطلعة إن تردّد الرجل على البلاد «يأتي على ما يبدو في إطار إشرافه على شؤون التنظيم في عدة بلدان خاصة في أفريقيا، بعدما بايعت حركة (بوكو حرام) النيجيرية المتطرفة (داعش) في الفترة الأخيرة». وأوضحت أنه على رأس أهداف البنعلي توسيع قاعدة التنظيم في ليبيا لأهميتها في المنطقة وفي البحر المتوسط وقربها من أوروبا، وأنه بحث مع أتباعه الاستعانة بـ«بوكو حرام» لتعضيد معارك «داعش» ليبيا، بعد تعرّض التنظيم للحصار ولعدة هزائم خلال الأسابيع الأخيرة.
في هذه الأثناء، يراقب سلاح الجو في الجيش الليبي عدة موانئ، منها درنة وسرت وبنغازي، مما أصبح يزيد من صعوبة دخول المتطرفين الأجانب من أمثال البنعلي للبلاد. لكن المستشار عبد الكريم يقول، ردًا على أسئلة «الشرق الأوسط»، إن «المشكلة تكمن في ميناء مصراتة البحري الذي تدخله سفن ترفع العلم التركي، ونحن في الجيش الليبي لا نريد أن نتعرّض لها كي لا ندخل في مواجهة عسكرية مع تركيا العضو في حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي).. نحن نعلم أن العدو ينتظر أي خطأ من جانبنا».
من جهة ثانية، تشير جهات ترصد تحركات «داعش» إلى أن تركي البنعلي يتخذ من مدينة سرت مقرًا لإقامته حين يزور ليبيا، ويتحرك انطلاقًا منها إلى عدة مواقع توجد للتنظيم سيطرة فيها، من بينها درنة وصبراتة وسبها وأوباري. وللعلم، فإن سرت هي مسقط رأس القذافي ومكان مقتله. ويتحرّك البنعلي، وفق هذه الجهات، تحت حراسة مجموعة من المتطرّفين الذين يحتلون مباني حكومية في المدينة الواقعة بشمال وسط ليبيا، وتطل على البحر المتوسط، وتعدّ معبرًا مهمًا للمقاتلين في أرجاء البلاد.
وتشير إجابات المستشار عبد الكريم عن الأسئلة إلى أن قيادات من تنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة» الموالية لتنظيم القاعدة، ويشتبه في تسهيلها ظهور «داعش» في ليبيا، ما زالت تقف وراء فتح الأبواب للمقاتلين الأجانب لنشر مزيد من الفوضى في البلاد. وحاليًا تقود عناصر من «الجماعة الليبية المقاتلة» بالتحالف مع جماعة الإخوان قوات ما يعرف باسم «فجر ليبيا» المحسوبة على مدينة مصراتة الساحلية، وتنفذ عمليات ضد الجيش.
ويقول عبد الكريم إن «المنفذ المتبقي لدخول المتطرفين الأجانب، مثل البنعلي، هو غالبًا ميناء مصراتة الذي يستقبل سفنًا تحمل العلم التركي بعيدًا عن إشراف الدولة الليبية وسلطاتها الشرعية». ويضيف أن «المتطرفين الآن يدخلون من مصراتة كغطاء لهم، لأنهم يخشون الدخول من الموانئ الأخرى التي أصبحت تحت أعين رجال الجيش الليبي».
جدير بالذكر أن تركي البنعلي يحظى بشهرة واسعة في أوساط المتطرّفين في المنطقة بعدما كان طرفًا في مفاوضات جرت العام الماضي بشأن الإفراج عن الرهينة الأميركي وعامل الإغاثة بيتر كاسيغ، الذي نحره التنظيم لاحقًا. كذلك يعرف عنه حب الخطابة وإصدار المطويّات التي تتضمن تعليمات وشروحا لجنود التنظيم في مسائل العقيدة والقتال والتكفير وغيرها.
وتستبعد المصادر أن يكون الرجل قرّر الإقامة الدائمة في ليبيا، وتشير إلى أن زياراته نفسها، حتى الآن، تحاط بالكتمان لأن الأوضاع داخل ليبيا، خاصة أن عملية التنقل تتم عبر المدن والطرق الطويلة، أصبحت تحت أعين الجيش الوطني وتمثل خطرا.. «وهذا، على الرغم من أن للبنعلي علاقات خاصة وقديمة مع عدد من قيادات الجماعة المقاتلة، وذلك حتى من قبل أن تعلن جماعات المتشدّدين في درنة وسرت عن مبايعة البغدادي».
ويوضح المستشار عبد الكريم أن الجيش تمكن أخيرًا من السيطرة على الطريق الساحلي، وذلك من غرب طرابلس، حتى قرب الزاوية. ويوضح أن «عمليات الجيش أصبحت غير متوقعة بالنسبة للجماعات المتطرفة، ولذلك فإن تحركاتهم محفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة للمتطرفين الأجانب. أما في البحر، فقد قام الجيش قبل يومين بتوجيه ضربات لأربع جرافات (مراكب) محملة بإرهابيين وأسلحة ودعم، كانت آتية من مصراتة إلى المجموعات التي تقاتل الجيش في بنغازي. وجرى ضرب هذه المراكب في البحر بين منطقتي القوارشة والترية، بعدما اكتشفتها البحرية الليبية، ومن ثم أغرقتها جميعا».
وحسب مصادر عسكرية ليبية أخرى فإنه حتى لو تمكن البنعلي من دخول البلاد فإن تأثيره سيكون محدودًا بعد أن تعرض التنظيم ومعاونوه لخسائر. ومن جانبه يوضح المستشار عبد الكريم أن هذا الأمر لا توجد دلائل عليه، لأن الوضع لم يعد في صالح المتطرفين، فـ«الجيش يتقدم ويدحر مواقعهم. وبالأمس حققنا انتصارًا رهيبًا. لقد وجّهنا ضربات شديدة للإرهاب.. واستولى الجيش على أكبر معسكر وهو المعسكر المعروف باسم 27، وكان تابعا لأحد قيادات (الجماعة الليبية المقاتلة) واسمه شعبان هدية. وكذلك استرد الجيش آليات وأسلحة وقتل الكثيرين من التكفيريين».
من جانب آخر، تشير المصادر نفسها إلى أن عمليات الدخول والإقامة والتنقلات للبنعلي تتولّى تنظيمها، بشكل سري، مجموعة تعرف باسم «جماعة التوحيد» تتخذ من سرت مقرًا لها. وقامت خلال الفترة الأخيرة بترتيب عدة لقاءات له مع متشدّدين منتمين لتنظيم القاعدة ولم يبايعوا البغدادي صراحة، من بينهم الليبي سفيان بن جومة، أحد أكبر قيادات المتطرّفين في درنة، والجزائري مختار بلمختار، القيادي لمجموعات من المتطرّفين في سبها.
ووفقا لجهات على علاقة بالجماعات المتطرفة، يبحث البنعلي خلال زيارته لليبيا أيضا فتح قنوات اتصال على الأرض بين الجنوب الليبي وتنظيم «بوكو حرام» ومقره نيجيريا، من خلال رجل مالي الجنسية يقيم بالقرب من مدينة أوباري بجنوب ليبيا، ويدعى انتهمدين الأنصاري، ويبلغ من العمر 48 سنة، ويترأس جماعة «أنصار الحق» (أو ما يعرف باسم «أزواد مالي») الموالية لـ«داعش» أيضا.
على صعيد آخر، كانت مملكة البحرين قد جرّدت البنعلي من الجنسية البحرينية مع اثنين من أشقائه، على خلفية تقارير ظهر فيها وهو يطلب البيعة للبغدادي وتوليه مواقع عليا في التنظيم، وترؤسه لجهاز الحسبة. ووفقا لقائمة إسقاط الجنسية التي تضم 72 شخصا وأعلنتها وزارة الداخلية البحرينية، جاء اسم البنعلي تحت الرقم 17 وشقيقه علي تحت الرقم 50 وشقيقه الثاني محمد تحت الرقم 60.
وحسب المصادر الليبية يستعين البنعلي في تحركاته واتصالاته في المنطقة أيضا بعلاقاته القديمة مع فروع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، والتي تعود إلى نحو سبع سنوات مضت، ومن بينها «الجماعة الليبية المقاتلة»، و«القاعدة في بلاد المغرب»، والمجموعات التي كانت تتّخذ من شمال مالي مسرحا لعملياتها ضد الشركات الفرنسية والجزائرية.
وفي المقابل، يتميز نشاط «جماعة التوحيد»، وهي مجموعة من الشبان المقاتلين في سرت ممن أصبحوا موالين لـ«داعش» منذ العام الماضي، في العمل الدعوي والتجنيد عبر المحطة الإذاعية المحلية التي يحتلها التنظيم حين كان يحمل اسم «أنصار الشريعة» منذ أواخر عام 2013. ولقد قدّم البنعلي العديد من الدروس والخطب عبر هذه الإذاعة، وكذلك من خلال مسجدي «التوحيد» و«الرباط» بالمدينة على مرات متفرقة طوال الشهور الماضية، وحسب المصادر لوحظ في الأسابيع الأخيرة كثرة تردد الرجل على سرت، حيث يعقد أيضا لقاءات مع متطرفين من جنسيات مختلفة.
والملاحظ أن الاسم نفسه الذي تطلقه «جماعة التوحيد» على نفسها وعلى مسجدها في سرت تطلقه أيضا على إذاعتها المحلية التي كانت تابعة للحكومة في عهد القذافي قبل أن يسيطر عليها المتطرفون الليبيون. ووفقا لمصادر الإذاعة بالمدينة فقد بدأ البنعلي إلقاء الخطب والدروس من هنا منذ سنتين، وواصل بعد ذلك التردّد على ليبيا على فترات متباعدة، ومن بين الخطب التي ألقاها حينذاك خطب عما سماه «غُربة الدين»، و«نواقض الإسلام» و«الانقياد للشرع».
ولكن، منذ مطلع هذا العام، ظهر مجدّدا في سرت أكثر من مرة وبشكل مكثّف. واقترنت زياراته بترتيب لقاءات مع قادة ميدانيين من «داعش» و«القاعدة»، وشدّد في الكلمات التي ألقاها في عدة مناسبات وسط عدد من عناصر المتشددين على العمل على تطبيق الشريعة. وتضمّنت خطبه هذه المرة الدعوة لـ«مبايعة الخليفة (البغدادي)» قائلا إن «من لا يبايع الخليفة يموت على الجاهلية»، إضافة لتقديمه دروسا عن «شروط وموانع التكفير»، وغيرها.
ومن جانبها، أضافت المصادر أن مهمة البنعلي ليست سهلة لأن الجماعات الليبية المتطرفة معروف عنها الانقياد للعمل تحت إمرة قيادات محلية، لا أجنبية، وأن هذا الأمر يعد من أهم العراقيل التي تواجه «داعش ليبيا»، مشيرة إلى تحفّظ بن جومة، القيادي الكبير في درنة، على مبايعة بعض المجموعات التي كانت تعمل تحت إمرته من «أنصار الشريعة» للبغدادي العام الماضي، مع أن بن جومة لم يصرّح أو يعلن أنه على خصومة مع «داعش» الذي ينخرط فيه كثير من السوريين والمصريين والتونسيين والجزائريين وغيرهم ممّن وفدوا إلى ليبيا خلال الشهور الماضية.
وللعلم، تهيمن على درنة، في الأساس، مجموعات متباينة من المتطرفين، وكانت الكلمة العليا في هذه المدينة منذ سقوط نظام القذافي لسفيان بن جومة، وهو سجين سابق في غوانتانامو. ولقد حاول قياديّون جدد وفدوا من دول عربية سحب البساط من تحت أقدام بن جومة، مما تسبب في غضب الرجل وهجره للمدينة لعدة أشهر، واعتكافه في مدينة صبراتة (أحد معاقل المتطرفين قرب الحدود الليبية التونسية)، قبل أن يعود في محاولة لإعادة ترتيب الأوضاع في درنة، وهو أمر يبدو أنه يقلق تنظيم داعش، ودفع البنعلي لتكثيف زياراته لليبيا.
وتقول مصادر على علاقة بالمتطرفين الليبيين إن بن جومة لم يشعر بالارتياح بعدما فتح الباب لدخول من سماهم «المجاهدين» الذين اندفعوا لتولي القيادة بدلا منه، بعد أن كانوا محاصرين في سوريا والعراق، أو بعد أن فروا من بلادهم إلى درنة، مثل المصريين، الذي جاءوا إلى هنا بعد الإطاحة بنظام حكم محمد مرسي. ومن بين الشخصيات التي زاحمت بن جومة على الزعامة في درنة رجل خليجي يلقب بـ«أبو حبيب». تضيف المصادر أنه، مع ذلك، كانت هناك اتصالات بين بن جومة و«داعش»، وأن التنظيم يتعامل معه على أنه «أكبر من الخلافات التي يتسبّب فيها بعض القادة الصغار».
ولم يظهر بن جومة مرة أخرى في الصورة أثناء وقوع هذه الخلافات والتحذيرات الأخيرة من جانب المتمردين على «داعش» في معقله في درنة. وتقول المصادر إن الرجل البالغ من العمر نحو خمسين سنة يحاول أن تكون له الكلمة العليا على الفصائل المتطرفة في المدينة، دون أن يعلن الانحياز لأي منها، سواءً لمبايعي «الخليفة» أو من أنصار الظواهري، حيث ما زال يوفر لجميع الأطراف «المأوى والغطاء للتحرك داخل المدينة أو بين المدن التي ينشط فيها التنظيم»، وأنه لهذا السبب يحظى بمكانة وأهمية لدى البنعلي و«داعش»، رغم ما قد يراه البعض من حالة جفاء بينهم.
وحسب المعلومات المتواترة بعد وصول البنعلي إلى سرت في الفترة الأخيرة، فإنه اجتمع بعدد من قادة «داعش» في درنة من دون أن يكون بينهم بن جومة، وهو ما أجّج الخلافات بين زعماء «داعش» وفريق من زعماء «القاعدة» في درنة، وترتب على هذا الأمر الإعلان عن تأسيس ما سمّوه «مجلس شورى مجاهدي درنة»، وهجوم هذا المجلس على عناصر «داعش» في المدينة، ووصفهم بـ«غلاة التكفيريين»، ورفض ما سبق أن أعلنته هذه العناصر من مبايعتها للبغدادي، قائلة إنهم ادّعوا مبايعة «الخليفة» دون مشورة المسلمين، وبالتالي تكون هذه الخلافة باطلة. واعتبر معلق متابع أن «هذه التطورات ضد طموحات البنعلي سواء أتى إلى ليبيا أو لم يأت».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.