الإرهاب والأمن الإقليمي الخليجي.. نحو تجديد التحالفات الدولية

إيران تحولت إلى قوة إقليمية مسلحة بميليشيات «ما فوق الدولة» تهدد المنطقة

الإرهاب والأمن الإقليمي الخليجي.. نحو تجديد التحالفات الدولية
TT

الإرهاب والأمن الإقليمي الخليجي.. نحو تجديد التحالفات الدولية

الإرهاب والأمن الإقليمي الخليجي.. نحو تجديد التحالفات الدولية

يعيش الخليج العربي على وقع خطرين رئيسيين متعلقين بالأمن الإقليمي المباشر لجغرافيته السياسية. فمن جهة، تطورت صور نشاطات الجماعات الإرهابية وارتقت ببروز «داعش» إلى هاجس أمني، يضاف إليه توسّع رقعة التطرّف الشيعي بظهور تنظيمات راديكالية طائفية تستعمل العنف كأداة من أدواة النشاط الحركي السياسي. ومن جهة أخرى يواجه الأمن الجماعي الخليجي تطورًا من نوع جديد من تهديد تقليدي تمثله إيران؛ إذ لم تعد إيران تهدد الاستقرار الخليجي بوصفها دولة لها أطماع استراتيجية بالمنطقة فحسب، بل تحولت هذه الدولة إلى قوة إقليمية مسلحة بميليشيات «ما فوق الدولة»، التي يمثلها حزب الله بلبنان، و«فيلق بدر» بالعراق، والحوثيين باليمن. كل هذه الميليشيات تستعمل الطائفية في التعبئة والصراع السياسي، مما يكسب جماعات التطرّف الديني تعاطفا أكبر من ذلك التي تحظي به الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني. كما يجعل من الأقليات تكتلات ذات ولاءات متناقضة، تخرق أسس ما هو وطني، وتنظر لطبيعة الصراع الدولي بشكل مذهبي، يفسح المجال لاستعمال الطائفية في الصراعات الإقليمية والدولية.
وتأتي هذه المخاطر وانعكاساتها على بلدان مجلس التعاون الخليجي، في الوقت الذي تحوّلت السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط بهدف تحقيق نوع من الانسحاب الاستراتيجي من المنطقة، والحفاظ على مصالحها بتغير التحالفات التقليدية القائمة منذ 1945.

عبرت التصريحات الرسمية الأميركية الاخيرة عن تموجات حقيقية لرؤية «الصبر الاستراتيجي» التي انتهجتها واشنطن ضد تنظيم داعش، منذ عام 2013؛ وقد كانت واشنطن تعتقد أن القضاء على «داعش» أمر غير ممكن. وبالتالي فإن تبني استراتيجية إضعافه وتحجيمه هي السياسية المعقولة سياسيا وعسكريا، كما أن سياسة «الصبر الاستراتيجي» ستؤدي إلى إنهاك التنظيم، ومحاصرته وعزله عن محيطه المجالي والإقليمي، ومن ثم تحجيم قوته بشكل طبيعي.
من أجل ذلك تعاملت الاستراتيجية الأميركية مع تهديد أمن الخليج وفق رؤية تنطلق أساسًا من رؤية واشنطن لأمنها القومي، ولم تنطلق من كون الإرهاب وتطوّره لجماعات «ما فوق الدولة» يشكل تهديدًا حقيقيًا للنظام الإقليمي الخليجي. وتبعًا لذلك، خضعت عملية مواجهة الإرهاب الشيعي الجديد لتأثيرات الإرهاب «الداعشي» الممتد على منطقة صراع دولي بين كل من إيران وروسيا من جهة؛ والولايات المتحدة وتركيا من جهة ثانية، أخذا بعين الاعتبار أن التحالف بين العرب الخليجيين والولايات المتحدة أخضعته واشنطن للأجندة والحسابات الأميركية الجديدة، الخاصة بأولوية الاتفاق النووي مع إيران. ويمكن القول إن هذا السياق الصراعي الدولي، دفع المملكة العربية السعودية لاستعجال استضافة مؤتمر عالمي لمواجهة الإرهاب عام 2014، والذي أفضى فيما بعد لتعيين الجنرال جون آر آلن منسقًا للتحالف الدولي للحرب ضد «داعش»، الذي ضم 60 دولة.
ومع أن الولايات المتحدة تقود فعليًا عملية «العزم المتأصل»، ومن خلالها محاربة «داعش»؛ فإن سياسة «الصبر الاستراتيجي»، لم تؤدِّ حسب تحليلات مراقبين كثر وتقارير عدة لمراكز بحثية محترمة إلى محاصرة تنظيم «داعش»، أو إضعافه بالشكل الذي يجعل منه تنظيمًا إرهابيًا في طريقه للزوال. ذلك أن التنظيم لم يفقد بعد أكثر من خمسة في المائة من الأراضي التي يسيطر عليها بالعراق، التي تبلغ نحو 40 في المائة من إجمالي مساحة هذا البلد، بينما يسيّر التنظيم شؤون نحو 10 ملايين عراقيا في الجغرافيا العراقية السورية. ويمكن أن نلمس من تصريح باتريك رايدر، الناطق باسم القيادة العسكرية المركزية، التي أكد فيها أنه: «في حين قد تعطي التقارير الأولية انطباعًا بأن (داعش) في وضع هجومي، فإننا لا نلمس أية أدلة تفيد أنه قادر على أن يكون كذلك». ولقد عزز المسؤول الأميركي موقفه بالإشارة أن «داعش» لم تعد تسيطر على أراض شاسعة.
يدعم هذا ما صدر بتاريخ 23 أبريل (نيسان) الماضي عن وزارة الدفاع الأميركية، حيث أوضحت أن خسائر «داعش» من الأسلحة والذخيرة والأمور اللوجيستية، تتمثل في 6097 هدفا، منهم 77 دبابة، و287 عربة همفي، و416 مناطق إطلاق، و1757 بناية تابعة للتنظيم، و1330 موقعا قتاليا، و152 مصفاة ومحطة لتجميع النفط، و2078 من الأهداف الأخرى؛ في حين نفذ التحالف الدولي أكثر من 1400 ضربة جوية ضد لـ«داعش» في سوريا.
وما يلاحظ على هذا التقرير، غياب أي عدد محدد لقتلى في صفوف «داعش»؛ كما يمكن القول إن التفاؤل الذي تشير إليه هذه المعطيات يخفي الاستراتيجية العسكرية لتنظيم «داعش» والتي تعتمد منذ معركة عين العرب على سياسة قتالية انتشارية، توسّع من دائرة الجبهات وتخلق أخرى؛ وفي الوقت نفسه تركّز على مناطق استراتيجية حيث يظهر التنظيم بقوة فيها، ثم يختفي ليظهر من جديد، فيها أو في غيرها، وهذا الأسلوب اعتمد في منطقة مصفاة بيجي النفطية وجبل سنجار وغيرهما.
ونشير هنا إلى أن هذه السياسة يطلق عليها التنظيم، الذي يتزعمه أبو بكر البغدادي، مسمى «سمكة الصحراء»، وتعبر عن تطوير لإمكانية للمراوغة الحربية التي تمتلكها «داعش»؛ واستمرار استعمالها إلى اليوم على الأراضي العراقية والسورية، يؤكد صعوبة التسليم بأن التنظيم يعيش في حالة دفاع، غير مصحوب بهجمات تحتل أماكن استراتيجية حربية.
الردع وتجديد التحالفات الخليجية والاتصال بسياسة «الصبر الاستراتيجي»، و«سمكة الصحراء»؛ يمكن القول إن المجهودات الخليجية، وتحركاتها على المستوى الإقليمي والدولي قد شهدت تحولاً يكاد يكون جذريًا منذ بداية 2014. حيث تبنت المنظومة الخليجية استراتيجية المواجهة الشاملة للجماعات الإرهابية «الما فوق الدولة»، في العراق وسوريا، ولاحقًا في اليمن. إذ لعبت دول الخليج دورًا مهمًا في مواجهة «داعش» تحت مظلة التحالف الدولي، كما أدمجت كل من المغرب والأردن في سياستها باعتبارهما شركائها الاستراتيجيين؛ لتتحول فيما بعد هذه السياسة إلى شكل أكثر تنظيما، في عمليتي «عاصفة الحزم «و«إعادة الأمل».
ولكن النتائج الإيجابية التي حققتها السياسة الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي، تحتاج لمزيد من العمل الجماعي لمنظومة التعاون المكونة للمجلس. فهذه المنظمة الإقليمية تملك من الإمكانيات الذاتية ما يؤهلها للتأثير الجدي على السياسات الدولية والتحالفات الجديدة (بما فيها تحالفات الإرهابيين)، التي تتشكل في الشرق الأوسط. ومن هنا أصبح لزاما على دول مجلس التعاون الخليجي تطوير الإرادة السياسية الساعية لتحقيق التكامل وبناء «قوة دفاع مشترك» تعوض تدريجيا الاعتماد التقليدي على الدور الخارجي في المحافظة على الأمن القومي الخليجي؛ وفي الوقت نفسه بناء مؤسسة أمنية موحدة، قادرة على مواجهة الأخطار المهدّدة للأمن الداخلي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التهديد الموجه ضدها لا يأتي فقط من إيران والميليشيات الطائفية المتحالفة معها؛ بل يأتي كذلك من الخطر النووي الإسرائيلي الأقدر على تهديد النظام الإقليمي القائم حاليًا.
ولذلك فإن استثمار الإمكانيات العسكرية في ظل مؤسسة مهيكلة جامعة، أصبح شرطًا لازمًا لتحقيق معادلة «الردع الاستراتيجي الخليجي»، خصوصا، وأن إمكانية تحقيق ذلك متوافرة من الناحية المادية، والنوعية.
لقد أشار التقرير الأخير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي الصادر الشهر الماضي، إلى أن «الإنفاق العسكري الخليجي جد متفوق على إيران كمًا ونوعًا. كما تشير بيانات المركز إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تتفوق بفارق ضخم على إيران في واردات الأسلحة. وبالتالي، فإن تنظيم العنصر البشري المشترك عبر بناء القوة العسكرية الإقليمية سيقلّص الفجوة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وسينتقل بهذه الأخيرة من الهم الدفاعي المسنود من الخارج، إلى قوة عسكرية إقليمية منسجمة، بعقيدة قتالية موحدة وسلاح نوعي، يؤهلها للدفاع عن الأمن الإقليمي الخليجي، بشكل استباقي.
مجمل القول، إن اعتماد سياسة «الردع الاستراتيجي الخليجي»، وتحويلها إلى مؤسسات قائمة، من شأنه كذلك أن يوسّع ويجدد دائرة التحالفات العربية والدولية، عبر اتفاقيات للدفاع المشترك وغيرها من الأساليب التي يمكن مأسستها بين شركاء مجلس التعاون الخليجي من الناحية العسكرية والأمنية
.إن الصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا أخذ يشتد على الممرات المائية الدولية، وعلى دول المجلس الخليج العربي التنبه لذلك والعمل على التأثير في مجريات هذا الصراع القائم، لا سيما أن إيران تستثمر هذا التنافس في مفاوضاتها، وفي حماية سياسة الميليشيات الشيعية المسلحة ودورها العسكري المهدّد للأمن الإقليمي الخليجي.
ومن هنا وجب استثمار المُعطى الجيو - استراتيجي، والطاقي، للتخفيف من الاعتماد على الخارج، عبر بناء تكامل اقتصادي ودفاعي، يؤهل دول مجلس التعاون الخليجي للعب دور المحرك الأول لمواجهة الميليشيات الإرهابية، وحماية البنية الأمنية ذاتيًا، عبر تجديد طبيعة التحالف المتميز القائم حاليا مع الولايات المتحدة بما يتوافق وطبيعة الصراع الدولي الجديد، وفي الوقت نفسه يضمن المصالح الحيوية لدول المجلس، والاستقرار في منطقة الخليج العربي.

* أستاذ العلوم السياسية
في جامعة الملك محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».