جوردي كرويف: برشلونة لا يزال استثنائياً... واللاعبون مستعدون للتضحية بالأموال

جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)
جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)
TT

جوردي كرويف: برشلونة لا يزال استثنائياً... واللاعبون مستعدون للتضحية بالأموال

جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)
جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)

يقول المستشار الرياضي لنادي برشلونة، جوردي كرويف: «في النهاية، هناك شعور بالارتياح، ونحمد الله على ما وصلنا إليه. وإذا كانت الصفقات الجديدة مناسبة وقدمت مستويات جيدة، فسوف تشعر بأن العمل قد تم بشكل جيد». كان يتبقى دقيقة واحدة فقط قبل منتصف الليل في اليوم الأخير لفترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، عندما وصلت الأوراق أخيراً وعرف برشلونة أنه بإمكانه تسجيل بيير إيمريك أوباميانغ، ليكون المهاجم الغابوني هو الصفقة الرابعة التي يبرمها برشلونة في يناير (كانون الثاني). وبعد ستة أسابيع، سجل أوباميانغ هدفين وصنع هدفاً آخر لفيران توريس، المنضم أيضاً لبرشلونة في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، في المباراة التي سحق فيها النادي الكاتالوني غريمه التقليدي ريال مدريد برباعية نظيفة على ملعب «سانتياغو برنابيو».
وشهدت هذه المباراة إحراز أوباميانغ لهدفه التاسع منذ انتقاله لـ«كامب نو»، كما كانت المباراة رقم 12 لبرشلونة من دون هزيمة. وبالتالي، تشير كل المؤشرات إلى أن النادي الكاتالوني بدأ يستعيد عافيته ويعود إلى المسار الصحيح. إنها ليست مهمة سهلة على الإطلاق، حيث تتطلب اتخاذ قرارات يمكن أن «تحطم القلب»، كما لا يزال برشلونة يعاني من أزمة، وإن كانت بدرجة أقل. وفي الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، تولى جوردي كرويف منصب المستشار الرياضي للنادي، ثم عُيِن مديراً لكرة القدم الدولية، وأصبح الآن سكرتيراً فنياً بحكم الأمر الواقع، حيث يعمل جنباً إلى جنب مع المدير الفني للفريق، تشافي هيرنانديز، ومدير الكرة، ماتيو أليماني، فيما يتعلق بإبرام الصفقات الجديدة. لكن الاستعدادات تعود إلى ما هو أبعد من ذلك - فقد كان كرويف لاعباً ومدرباً ومديراً رياضياً.
يتحدث كرويف ببلاغة عن كيفية تعلمه من المدير الفني الاسكوتلندي السير أليكس فيرغسون، الذي يصفه بأنه «رجل سابق لعصره» و«لا يرحم»، لكنه «إنسان»، حتى لو لم يكن يدرك آنذاك أنه يتعلم مثل هذه الدروس. وكان والده يوهان، الذي توفي قبل ستة أعوام وكان سيكمل عامه الخامس والسبعين هذا العام، الشخصية الأكثر تأثيراً في عالم كرة القدم. لقد تركت مؤسسة كرويف إرثاً كبيراً، وهي تحتفل الآن بمرور ربع قرن من الزمان على إنشائها، ومن المؤكد أن جوردي كرويف هو أكثر شخص يشعر بأهمية هذا المكان.
لقد بنى يوهان كرويف برشلونة الحديث، والآن يساعد نجله جوردي في إعادة بناء الفريق مرة أخرى. وتجب الإشارة إلى أن المهمة صعبة للغاية، فقد رحل النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بعدما عجز النادي عن دفع راتبه ورواتب لاعبين آخرين؛ ووصل حجم الدين إلى 1.35 مليار يورو في أغسطس (آب) الماضي، وحصل النادي على مزيد من القروض منذ ذلك الحين؛ واضطر اللاعبون إلى تخفيض رواتبهم، وعندما أعلنت رابطة الدوري الإسباني الممتاز مؤخراً عن سقف الرواتب، كان برشلونة قد تجاوز هذا السقف بـ144 مليون يورو - النادي الوحيد الذي يمتلك أرقاماً سلبية في هذا الصدد. باختصار شديد، لا يملك النادي أموالاً. لذلك، دعونا نطرح السؤال التالي: كيف تمكن برشلونة رغم هذه الأزمة المالية الطاحنة من التعاقد مع فيران توريس مقابل 55 مليون يورو؟ وكيف تعاقد مع داني ألفيش، وأداما تراوري، وأوباميانغ؟
يقول كرويف: «يمكن تلخيص الأمر في عبارة واحدة وهي: استهلاك الدين، حيث نقسم التكلفة على عدد معين من السنوات ونعمل من هذا المنطلق». لكن العملية معقدة للغاية، حيث يضع النادي خططاً طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى تعمل بالتوازي بعضها مع بعض، وهو التوازن المنشود بين إعادة بناء الفريق وخفض الديون. إن الصفقات التي عقدها برشلونة في فترة الانتقالات الشتوية الماضية تشمل صفقات انتقال نهائية وصفقات على سبيل الإعارة وصفقات مجانية بعد نهاية عقود اللاعبين مع أنديتهم الأصلية، وعُقد بعضها في اللحظات الأخيرة باعتبار ذلك السبيل الوحيدة للخروج من هذه الأزمة. وكانت الصفقة الرابعة التي أبرمها النادي هي داني ألفيش، الذي يبلغ من العمر 38 عاماً ولم يكن يلعب لأي نادٍ، ويريد العودة إلى ناديه السابق من أجل اللعب والمشاركة مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم.
يقول كرويف عن ذلك: «قواعد اللعب المالي النظيف في إسبانيا والمشكلات الاقتصادية تعني أن كثيراً من الأشياء التي كانت ممكنة بشكل طبيعي في الماضي لم تعد ممكنة الآن». هذه القواعد تعني أن برشلونة يمكنه استثمار يورو واحد فقط مقابل كل أربعة يستطيع ادخارها؛ كما يقول كرويف، الذي يضيف: «الأمر أكثر صرامة مما هو عليه في بقية أنحاء أوروبا، وهو أمر يثير الفضول. الأمر أكثر مرونة في إنجلترا. أما في إسبانيا فيتم حظرك، لذا يجب أن تكون مبدعاً للخروج من هذه الأزمة».
ويضيف: «الآلية معقدة وجديدة بالنسبة لي، لكن ماتيو يفهمها جيداً. من المهم جداً أن يكون لديك فريق جيد، وأن يكون هناك اتصال مباشر، وأن يكون هناك صدق ووضوح مع الجميع. في بعض الأحيان تتوصل إلى حل يتعلق بكرة القدم ولا يمكنك القيام به. عندما تمر بموسم صعب فإنك تعاني بشدة، لكن ذلك يساعدك أيضاً في الرؤية بوضوح ووضع الأولويات المناسبة: قد تكون هناك بعض المراكز التي تريد تدعيمها، لكن ما الذي تحتاجه خلال هذه الأشهر الأربعة؟».
ويتابع: «في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب، والحدود التي تفرضها قواعد اللعب المالي النظيف، يتعين على اللاعبين القادمين لبرشلونة أن تكون لديهم رغبة كبيرة للعب هنا. إنهم يعلمون أنه بإمكانهم الحصول على قدر أكبر من الأموال في أماكن أخرى، كما أن جميع اللاعبين الأربعة الذين تعاقدنا معهم يبذلون جهداً كبيراً من أجل مساعدة الفريق، وهو ما يجب أن نشيد به. لا يزال برشلونة نادياً استثنائياً، وما زال لدى كثير من اللاعبين رغبة في خسارة الأموال من أجل اللعب له».
وكان ألفيش قد أكد أن فريقه برشلونة عاش «ليلة للتاريخ» عقب الفوز الكاسح على ملعب ريال مدريد. وشارك ألفيش بدلاً من جوردي ألبا خلال الدقائق الأربع الأخيرة، بعدما اعتاد اللعب أساسيا مع برشلونة في مواجهات الكلاسيكو خلال فترة احترافه الأولى بين عامي 2008 و2016. ولدى سؤاله عما إذا كان هذا هو الفوز الأفضل على الريال، أوضح ألفيش: «إنه صعب، الفوز هنا دائماً ما يجلب السعادة، لن أختار، لكن هذه اللحظات دائماً ما تكون استثنائية». وأضاف: «لم نفز عليهم منذ فترة... وكسر هذا الحاجز أمر استثنائي».
وتجب الإشارة إلى أن ألفيش يحصل على الحد الأدنى للراتب الذي يسمح به الدوري الإسباني الممتاز، كما وافق أوباميانغ على الحصول على راتب أقل بكثير مما كان يحصل عليه مع آرسنال من أجل الانضمام لبرشلونة. وهذا يعني أن الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق، فالصفقة التي كانت تبدو مستحيلة في فترة ما بعد الظهيرة لليوم الأخير من فترة الانتقالات تم إحياؤها وإنهاؤها بنجاح قبل دقائق معدودة من الموعد النهائي وضم اللاعب بشكل نهائي بدلاً من ضمه على سبيل الإعارة، واضطر المهاجم الغابوني إلى إلغاء عقده مع آرسنال.
يقول كرويف: «الاعتماد على أطراف ثالثة في اليوم الأخير من فترة الانتقالات أمر صعب. كما أن التعاقد مع اللاعب بشكل دائم يكون أكثر تعقيداً بكثير من التعاقد على سبيل الإعارة وحسم الموقف النهائي في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز). أنت تنتظر، ويكون هناك شعور بالتوتر، وفترة الانتقالات على وشك الإغلاق، ولا يمكنك البحث عن بدائل، خصوصاً أن المهاجمين المميزين يكونون محط أنظار جميع الأندية التي تسعى لتدعيم خط هجومها. لكن القدر كان له دور ونحن سعداء بذلك. الجميع يشعر بالراحة عندما بدأت الأمور تسير بشكل جيد».
ويضيف: «فيران توريس يمثل حلاً قصيراً ومتوسطاً وطويل الأجل، وهو يمثل إضافة كبيرة للنادي. ولو لم يتعرض للإصابة لكان من الصعب جداً التعاقد معه. لولا تلك الإصابة فإنه كان سيلعب ويسجل الأهداف، وبالتالي كان مانشستر سيتي سيرفض بيعه. في بعض الأحيان ترى فرصة يجب اغتنامها بسرعة في سوق الانتقالات. إنه مصاب، وفريقه يفوز من دونه، وهي الظروف التي تخلق موقفاً لا يأتي دائماً، لكنه حدث هذه المرة». ويتابع: «دائماً ما تكون فترة الانتقالات الشتوية صعبة، لأن الأندية لن توافق على أن تمنحك لاعباً على سبيل الإعارة، وهو يلعب معها بشكل أساسي. لذلك، لديك لاعبون لا يلعبون كثيراً، لكن الدوري الإنجليزي الممتاز يتمتع بسرعة هائلة ويعتمد كثيراً على القوة البدنية، بحيث يكتسب اللاعب الذي يلعب هناك منذ بضع سنوات عادات وظروفاً معينة. هذا لا يعني أننا لم نفكر في التعاقد مع لاعبين جيدين آخرين من دوريات أخرى، لكن التعاقد مع لاعب قادم من الدوري الإنجليزي الممتاز يكون أكثر أماناً لأنك تعلم أن اللاعبين الذين يلعبون هناك يمتلكون القوة المطلوبة».
وخلال ثلاث مباريات لعبها في إسبانيا، أسهم آداما تراوري في عدد من الأهداف يعادل نفس عدد الأهداف التي أسهم فيها خلال آخر 25 مباراة له في الدوري الإنجليزي الممتاز. وفي المقابل، فإن عدد الأهداف التي سجلها اللاعب البرازيلي فيليب كوتينيو خلال عشر مباريات مع أستون فيلا يعادل عدد الأهداف التي سجلها خلال الموسمين الماضيين بالكامل مع برشلونة. يقول كرويف: «يمكن أن يحدث ذلك في عالم كرة القدم، وهذا ليس ذنب أحد». ومن المؤكد أن هذا الأمر يسعده أيضاً لأن تألق كوتينيو سيساعد برشلونة على بيعه بمقابل مادي جيد يساعد النادي في التغلب على مشاكله المالية.
كانت هناك اقتراحات بأن يتولى كرويف قيادة برشلونة بشكل مؤقت بعد إقالة رونالد كومان. وبدلاً من ذلك، تولى سيرجي بارخوان قيادة الفريق مؤقتاً حتى جاء تشافي. وتحسنت الأمور بشكل كبير تحت قيادة المدير الفني الإسباني الشاب، الذي يعمل معه كرويف عن كثب. يقول كرويف: «لقد كنت لاعباً ومدرباً ومديراً رياضياً، لكن لاعب كرة القدم هو أجمل شيء على الإطلاق، ولا أعرف ما الدور الذي سأقوم به في غضون 10 سنوات من الآن، لكن ما أعرفه حقاً هو أنني أركز بشكل كامل على أي دور أقوم به هنا، ولا أشتت انتباهي بأي شيء آخر. والقاعدة الأولى التي أؤمن بها دائماً هي ألا أنظر إلى وظيفة شخص آخر. ما يساعد أي مدير فني هو أن يضع نصب عينيه هدفاً معيناً يسعى لتحقيقه، وأن يكوّن فريقاً من 11 لاعباً متفاهمين للغاية فيما بينهم. قد تعتقد أن هذا اللاعب أو ذاك جيد للغاية، لكنه لا يناسب الطريقة التي يلعب بها فريقك. ومن المفيد مناقشة الأمور مع المديرين الفنيين بلغتهم الأصلية. هذا لا يعني بالضرورة أنك ستفهم الأمر بشكل صحيح، لكنه يساعدك في فهم اللاعب والمدرب بصورة أفضل ومعرفة احتياجات كل منهما».
من المؤكد أن برشلونة قد حقق نجاحاً كبيراً في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، والدليل على ذلك أن الفريق لم يتعرض لأي خسارة منذ اليوم الأخير لفترة الانتقالات، حتى لو أكد كرويف أن الأمر لا يتعلق فقط باللاعبين الأربعة الجدد، والدليل على ذلك أن سيرجيو بوسكيتس وجيرارد بيكيه وجوردي ألبا يقدمون مستويات رائعة. يشير كرويف إلى أن إلقاء اللوم على اللاعبين القدامى هو «أسهل شيء»، مضيفاً: «يستحق المدير الفني الإشادة. صحيح أن اللاعبين الجدد ساعدوا في رفع مستوى الفريق وأضافوا قوة كبيرة وطاقة جديدة، لكن جميع اللاعبين أصبحوا يقدمون مستويات أفضل. يجب أن يكون هناك توازن».
ربما يكون «التوازن» هو أكثر شيء يحتاج إليه برشلونة في الوقت الحالي. لا يزال النادي يعاني من القيود المالية، ويتعين عليه التعامل مع هذه الأزمة في الوقت نفسه الذي يبحث فيه عن الالتزام بقواعد اللعب المالي النظيف لتسهيل إعادة بناء الفريق، ومدركاً أن مخاطر تعميق الديون لا تزال قائمة. هناك لحظة يتحدث فيها كرويف عن المشاكل الموروثة والتعاقدات التي ثبت فيما بعد أنها تمثل عبئاً كبيراً على النادي، وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل التعاقدات التي يبرمها الفريق حالياً يمكن أن تكون مشكلة فيما بعد؟ وماذا لو تحول الإصلاح قصير الأجل إلى التزام طويل الأجل؟ يقول كرويف: «الآن، يتم التحكم في الأمور بحيث لا ترتد علينا بشكل سلبي في المستقبل. يجب التحكم في الرواتب أيضاً، كما تجب إعادة هيكلة الأجور. هذه هي الطريقة التي يجب أن تسير بها الأمور، وإلا سيحدث تأثير سلبي».
تسير الأمور بشكل جيد حتى الآن، لكن لا تزال هناك طريق طويلة يتعين على النادي السير فيها، وإن كان هناك مسار واضح بشكل كبير الآن. دائماً ما ينظر رئيس برشلونة خوان لابورتا إلى يوهان كرويف على أنه مرشد روحي، ودائماً ما يسأل نفسه: ماذا كان سيفعل يوهان كرويف في هذا الموقف أو ذاك؟ ويعترف جوردي بأنه ينظر إلى يوهان كرويف بالنظرة نفسها، حيث نشأ وهو يرى قدرة والده على التنبؤ بما سيأتي. لذا، ماذا كان يوهان كرويف سيقول الآن؟ يقول جوردي ضاحكاً: «ما سيقوله بالضبط عن هذا الموقف، سأحتفظ به لنفسي. لكنه كان إيجابياً في جميع الأوقات وفي كل شيء. كنت دائماً مندهشاً من ذلك: حتى في أصعب لحظات حياته، كان متفائلاً».



بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.