دراسة أميركية: النظام السوري استغل المساعدات لتعزيز سلطته

TT

دراسة أميركية: النظام السوري استغل المساعدات لتعزيز سلطته

كثيرًا ما كانت المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوري، محل اهتمام رسمي وشعبي من كافة دول العالم، إلا أن طول الأزمة السورية، أكسب النظام السوري في دمشق «مهارات وأدوات»، لاستغلال تلك المساعدات في إطالة أمد الأزمة، حسب تقرير بحثي. وأشار إلى أنه ربما يصح القول بأن المساعدات الدولية لسوريا تشهد «نقطة انعطاف»، مع استمرار عدد السوريين المحتاجين في الارتفاع، ومواصلة دمشق استخدام المساعدات لمكافأة حلفائها ومعاقبة خصومها.
وفي دراسة بحثية صدرت أخيراً عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، ومن إعداد الباحثة ناتشا هول متخصصة في دراسات الشرق الأوسط، كشفت أن الحكومة السورية استطاعت وبشكل متزايد تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة سياسية، وبالتالي، فإن الجهود العالمية لدعم الشعب السوري لها تأثير متزايد في تعزيز الحكومة السورية سياسياً ومالياً، وهي نفس الحكومة المسؤولة عن معاناة ملايين السوريين ونفي ملايين آخرين.
واعتبرت الدراسة، أن إضافة مساعدات بمليارات الدولارات إلى النظام الحالي لن تنقذ سوريا، بدلاً من ذلك، سترسخ الحكومة «والجهات الفاعلة السيئة»، ما يضمن استمرار معاناة ملايين السوريين، الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى المساعدة.
وأشارت إلى أن الحكومة السورية نجحت في تحويل الاهتمام الدولي «ببؤس شعبها» إلى مركز ربح، فقد نمت مهاراتها في تحول وإعادة توجيه المساعدات إلى أغراضها الخاصة، سواء في المناطق التي تسيطر عليها أو من خلال تشكيل الوصول الدولي إلى المناطق التي لا تصل إليها. وأضافت: «بينما يسعى المانحون الدوليون بشكل متزايد إلى دعم تعافي سوريا، فإنهم يفعلون ذلك دون معالجة التقييمات والتقارير التي لا تعد ولا تحصى، والتي تشير إلى التلاعب المنهجي في نظام المساعدة. ولم تكن المساعدة الإنسانية قادرة على الإطلاق على معالجة المشاكل السياسية في الأساس. ورغم ذلك، فإن حدود المساعدة الإنسانية لا تعفي وكالات المعونة أو الحكومات المانحة من الحاجة إلى فهم الطرق التي تؤثر بها المساعدة الإنسانية على البيئة السياسية والعكس صحيح».
ونصحت الدراسة يأتي من أجل الحصول على أي نفوذ لتفعيل المبادئ الإنسانية، وتعظيم مكاسب المساعدة للسوريين، يجب على الحكومات المانحة دمج المساعدات في استراتيجية أكبر لسوريا والمنطقة، حيث يتحمل المانحون مسؤولية العمل معاً، لتشكيل العملية خطوة بخطوة لضمان وصول المساعدات إلى جميع المحتاجين، وعدم وقوعها في أيدي «أمراء الحرب».
وحذرت الدراسة البحثية الأميركية، من أن عدم القيام بذلك سوف يديم حالة عدم الاستقرار، وستحتاج الاستجابة الدولية للأزمة السورية إلى التركيز على أربعة محاور أساسية وهي:
أولاً، يجب على المانحين تقييم أولوياتهم، وفهم إلى أين تتجه المساعدة وإلى من تصل، وهم بحاجة إلى إجراء تقييم صارم.
ثانياً، نصحت الحكومات المانحة التي لها مصلحة في سوريا، بالانخراط في دبلوماسية ومفاوضات أكثر اتساقاً، لأنهم بحاجة إلى التفاوض نيابة عن قطاع المساعدة في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، وعليهم التفاوض بشكل جماعي مع الحكومة السورية والقوى الخارجية لمنع التدخل في استجابة المساعدات وتأمين وقف إطلاق النار.
ثالثاً، يجب على المجتمع الإنساني التركيز بشكل أكبر على المرونة، والتي من شأنها تحسين قدرات المجتمعات على تحمل الصدمات التي تتعرض لها استجابة المساعدات الطارئة، مشيرة إلى أن هذا الدعم مهم بشكل خاص في الشمال الغربي والشمال الشرقي، حيث يواجه ملايين الأشخاص الذين أنهكتهم الحرب والمشردون مستقبلاً قاتماً بدون هذه المساعدة.
وأخيراً، نصحت بأنه يجب أن يعمل المانحون بجهد أكبر لتيسير المساعدات، في حين أن العقوبات وإجراءات مكافحة الإرهاب تخدم غرضاً مهماً، فهي لا تعوق تقديم المساعدة فحسب، بل إنها غالباً تزيد من قوة الجهات الفاعلة الخاضعة للعقوبات. كما يجب عمل المزيد من التأكيدات المباشرة للبنوك أو حتى إنشاء قناة مصرفية للمساعدة وتنسيق اللوائح بين الحكومات المانحة، مع ضمان العناية الواجبة لضمان عدم تورط الموردين والشركاء في انتهاكات حقوق الإنسان.
واختتمت بالقول: «سيؤدي تلاعب الحكومة السورية المستمر بالمساعدات الإنسانية إلى ترسيخ الحرمان والقمع اللذين أشعلا الحرب، وإطالة أمد عدم الاستقرار والنزوح بعيداً في المستقبل. في حين أن المساعدات وحدها لا يمكنها إصلاح سوريا، فإن الاستثمارات الواعية في الأمن البشري من خلال الخطوات المقترحة هنا يمكن أن تخفف المعاناة وتعطي الأمل للسكان المصابين بصدمات نفسية».



وسط غياب الرعاية والإحصائيات... اضطرابات نفسية تخنق اليمنيات

جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
TT

وسط غياب الرعاية والإحصائيات... اضطرابات نفسية تخنق اليمنيات

جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)

بينما تقدر تقارير دولية أن ربع سكان اليمن يعانون اضطرابات نفسية؛ تتضاعف معاناة النساء من تلك الاضطرابات، في ظل تدني إمكانية حصولهن على العلاج والدعم النفسيين لأسباب تتعلق بانهيار المنظومة الصحية والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.

وتشهد المنظومة الصحية في اليمن انهياراً عاماً، خصوصاً تلك التي طالتها الحرب وآثارها، ومراكز تجمع النازحين، بالإضافة إلى عموم المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، حيث تعاني النساء ضغوطاً نفسية وعقلية نتيجة مضاعفة أعباء الحرب بسبب النزوح واضطرارهن إلى تحمل المزيد من الضغوط والقيود والمخاوف.

بسبب الحرب تضاعفت معاناة اليمنيات ووقعت غالبية الأعباء المعيشية على كواهلهن (رويترز)

تذهب أمل عبد النور، وهي ناشطة مجتمعية، إلى أن مخيمات النزوح وضواحي المدن تحظى بالقسط الأوفر من حالات الاضطرابات النفسية التي يكاد انتشارها يشبه الوباء، حسب تعبيرها، وبينما يكون لدى الذكور وسائل للتخفف أو الهروب من الضغوط المؤدية لتلك الاضطرابات، تكاد تلك الوسائل تنعدم تماماً لدى النساء.

من خلال عملها واطلاعها على بيانات عدد من المنظمات المحلية والدولية، وجدت أمل عبد النور أن العائلات في ضواحي المدن ومخيمات النزوح تحتل مرتبة الأشد فقراً، ويجد أفرادها صعوبة في الوصول للتعليم أو الترفيه، «بل إنها تعجز في الأصل عن توفير احتياجاتها الغذائية؛ ما يجعلها بيئة خصبة للاضطرابات النفسية».

«الاضطرابات النفسية التي تصيب الذكور بفعل الأوضاع المعيشية وتأثيرات الحرب، تنتقل تأثيراتها إلى النساء بأشكال مختلفة». هذا ما وصلت إليه عزة أحمد، وهي اختصاصية نفسية تشارك في المسوح الميدانية لعدد من المنظمات، وقد تكون تلك التأثيرات أشد خطورة بحسب الاختصاصية؛ «كونهن يواجهن اضطرابات الذكور، إما مدفوعات بالواجب الأسري أو خاضعات لممارسات الذكور وضغوط المجتمع».

أعباء مضاعفة

تظهر تقارير المنظمات الأممية أن معدلات انتشار الاضطرابات النفسية في اليمن تختلف بين الجنسين؛ إلا أنها لا تورد إحصائيات تكشف هذه التباينات.

وتبيّن عزة أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من النساء تضطرهن الحالات النفسية الصعبة لأولادهن أو أزواجهن أو أشقائهن إلى مواجهة المزيد من الأعباء المنزلية لرعايتهم وحمايتهم من المزيد من التدهور أو من إيذاء أنفسهم أو الآخرين، كما يحاولن توفير الراحة لهم ومنع تعرضهم للتنمر والمضايقات، في الوقت نفسه الذي يكون عليهن توفير الرعاية لآخرين وأحياناً اكتساب الرزق بأيديهن.

مرضى نفسيون يتجولون في ساحة في منشأة طبية مهملة في العاصمة صنعاء تحت سيطرة الجماعة الحوثية (رويترز)

«لكن الأسوأ من ذلك أن يكون الأب أو الشقيق الأكبر، وحتى الأصغر، أو الزوج، مصاباً باضطراب نفسي مرتبط بسلوك عنف»، تضيف الاختصاصية: «وفي بيئة يسيطر عليها التمييز القائم على النوع الاجتماعي، فإن النساء قد يتعرضن لتعنيف خطير يؤدي إلى إصابتهن باضطرابات نفسية يصعب التعافي منها».

يزيد غياب الأمن والحماية القانونية القوية للنساء، من صعوبة الوصول إليهن لتقديم العون القانوني أو الرعاية الصحية، فبحسب إفادة الناشطة وداد عبده لـ«الشرق الأوسط»، لا تجرؤ النساء على البوح بمعاناتهن حتى لفرق المنظمات الدولية والمحلية خلال زياراتها النادرة والمحدودة لمخيمات النزوح والأحياء المزدحمة بالسكان الفقراء والمعدمين.

وتأسف الاختصاصية النفسية في تعز نجلاء سلطان من عدم الإفصاح عن الإحصائيات الخاصة بالاضطرابات النفسية للنساء اليمنيات، فطبقاً لمعلوماتها، توجد الكثير من الجهات التي عملت على مسوح بحثية ميدانية، وحصلت على بيانات كافية لتقييم الوضع النفسي لليمنيات بشكل عام.

امرأة تتلقى المشورة في مركز متخصص للصحة النفسية يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان (الأمم المتحدة)

لكن، وكما تقول نجلاء سلطان لـ«الشرق الأوسط»، تكتفي المنظمات والجهات بجمع تلك البيانات وتضمينها أبحاثها التي لم يتم الإعلان سوى عن القليل منها؛ وهو ما يساهم في حرمان النساء حتى من الكشف عن معاناتهن الخطيرة، وبقائهن قيد المعاناة دون الحصول على الدعم الكافي في مواجهة أوضاع قاسية تلحق بالمجتمع الكثير من الخسائر.

سكان بلا رعاية صحية

كشفت منظمة الصحة العالمية حديثاً عن أن نحو 25 في المائة من سكان اليمن يعانون اضطرابات نفسية تستدعي التدخل والرعاية، بعد أن ألحق الصراع والأزمة الإنسانية المطولة في اليمن أضراراً جسيمة بالصحة البدنية والعقلية للسكان.

ووفق تقديرات الصحة العالمية؛ فإن واحداً من كل أربعة أشخاص في اليمن يعاني اضطرابات نفسية تتطلب التدخل، وهذا العبء المرتفع من المرض؛ إلى جانب الوصمة والخرافات، ونقص الأطباء النفسيين وعلماء النفس، والمَرافق التي تحتاج بشدة إلى الإصلاح، يتسبب في حواجز مستمرة أمام الوصول إلى الرعاية.

وأكدت المنظمة الأممية أن تعزيز الرعاية الصحية العقلية يمثل مجال عمل رئيسياً لمنظمة الصحة العالمية كجزء من مشروع رأس المال البشري الطارئ مع البنك الدولي، والذي قال أرتورو بيسيجان، ممثل المنظمة في اليمن إنه يأتي بدعم من البنك الدولي من خلال مشروع الرعاية الصحية الأولية.

مرضى نفسيون في فناء إحدى منشآت الطب النفسي في مدينة تعز جنوب غرب اليمن (أ.ف.ب)

وأطلقت المنظمة والبنك الدولي استراتيجية وطنية للصحة العقلية، وشرَعَا في مراقبة الاضطرابات العقلية باستخدام نظام «DHIS2»، وهو أداة لجمع وتقديم البيانات الإحصائية المجمّعة والمرتكزة على المريض والتحقق منها وتحليلها، مصممة للأنشطة المتكاملة لإدارة المعلومات الصحية.

ووفقاً لبيسيجان؛ درّب البنك والمنظمة أكثر من 150 عاملاً صحياً على مستوى المرافق والمديريات لتحسين رعاية الصحة العقلية، وأنشآ 19 عيادة تركز على الرعاية المجتمعية، وإعادة تأهيل مناطق رئيسية بـ3 مستشفيات للأمراض النفسية، وهي: مستشفى عدن للأمراض النفسية، ومستشفى الطلح في صعدة، ومستشفى تعز للأمراض النفسية، بما يتماشى مع خطط الإدارة البيئية والاجتماعية التي أقرّها البنك الدولي.