«كافيه دي ليتر» استراحة الفكر في مقهى تطبعه العراقة

الشيف رمزي يدمج فيه المطبخين اللبناني والفرنسي

«كافيه دي ليتر» محطة استراحة لا تشبه غيرها
«كافيه دي ليتر» محطة استراحة لا تشبه غيرها
TT

«كافيه دي ليتر» استراحة الفكر في مقهى تطبعه العراقة

«كافيه دي ليتر» محطة استراحة لا تشبه غيرها
«كافيه دي ليتر» محطة استراحة لا تشبه غيرها

جدران مقهى «كافيه دي ليتر» (Café des lettres) الواقع في بيروت وزواياه تعبق بأحاديث الكثير من الأساتذة الجامعيين وبلقاءات وحوارات طلاب «الجامعة اليسوعية» الواقعة بجواره. فهو كان ولا يزال يشكل استراحة من نوع آخر يجتمع تحت سقفها الفكر والتاريخ. وكذلك هو عنوان لأنواع طعام شهية تؤلف لغة تواصل بين رواده.


                          الشيف رمزي وابنه نديم مع مالك ناكوزي في الكافيه - السلطات على أنواعها في «كافيه دي ليتر»

توالى على هذا المقهى منذ تأسيسه في عام 2001 عدد من الطباخين اللبنانيين بحيث طبعه كل واحد منهم بأسلوبه في الطهي. ومؤخراً تسلم مهام إدارة مطبخه وتحضير الأطباق فيه الشيف رمزي شويري. فإضافة إلى الخبرة الطويلة التي يتمتع بها، فهو يملك أفكاراً سباقة في المجال الفندقي. وفي عام 1989 قام بمشاريع عدة، تعتمد على تحضير الأطباق التقليدية اللبنانية، ومنها بيعها مثلجة ومعدة للأكل. واستقدم معدات خاصة من الخارج، سيما وأنه درس فن الطبخ في كلية بورنماوث في إنجلترا، وتدرب على يد الشيف الفرنسي جان ماسون، ودرس فن الخبز والحلويات على يد الشيف برنار موان. حاملاً شهادة في الاقتصاد والحقوق من جامعة ليون في فرنسا، إضافة إلى خضوعه لدورات مكثفة في المجال الفندقي في إحدى جامعات لندن، مارس (آذار) العمل الفندقي في فرنسا لمدة أربع سنوات، وهو حالياً يتولى إدارة مدرسة الكفاءات الفندقية. وهي المدرسة التي أسسها والده نديم الشويري في عام 1995 وتعنى بشكل خاص بأصحاب الإعاقة الجسدية. كل هذه الخبرات إضافة إلى مهارته الخاصة في تحضير وصفات الطعام التراثية اللبنانية، يترجمها الشيف شويري في مقهى «كافيه دي ليتر».
يراعي الشيف رمزي شويري هوية المكان كونه يتبع السفارة الفرنسية في لبنان، ويقع في حرم المركز الثقافي لها. وهو استحدث من هذا المنطلق لائحة طعام تجمع بين البلدين. فبإمكانه مثلاً أن يحضر طبقاً فرنسياً مع صلصة لبنانية. وكذلك أن تتضمن لائحة الطعام في المقهى مأكولات لبنانية معروفة كالفاصولياء مع الأرز والكوسة المحشوة بالأرز والكبة بالصينية، يقابلها أطباق عريقة من المطبخ الفرنسي كالـ«كاسوليه» و«ماغريه دي كانار» وفيليه مينيون» وغيرها.
نديم نجل الشيف رمزي شويري، المسؤول عن الفعاليات الثقافية، بالتعاون مع مالك ناكوز في المقهى، يؤكد أن هذا الخط الذي اعتمده والده له منحى ثقافي أيضاً. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «ما يستحدثه هنا الشيف رمزي هو لضخ النبض الشبابي في المقهى بعيداً عن الكلاسيكية التي دمغته لفترة. فالطعام يشكل بحد ذاته لغة تواصل بين الحضارات. وقد ركن إلى الدمج بين المطبخين ليعرّف رواده من أجانب ولبنانيين عليهما».


أطباق لبنانية عريقة يقدمها مقهى «كافيه دي ليتر»

ويتولى نديم تنظيم أمسيات خاصة مساء كل خميس تجمع رجال أعمال ومفكرين وطلاباً جامعيين. «كل خميس نختار موضوعاً معيناً يكون محور حواراتنا في هذا اللقاء الأسبوعي. وانطلاقاً من طبيعة الموضوع الذي تتم مناقشته يحضر الشيف رمزي أطباقاً خاصة تليق به».
من الموضوعات التي يناقشها ضيوف الخميس وزواره حقبات تاريخية حديثة، وأخرى تتصل بالخدمة الفندقية وبيروت أيام العز وغيرها. ويعلق نديم لـ«الشرق الأوسط»: «يستوحي الشيف رمزي من هذه الموضوعات أنواع الأطباق والمشروبات التي تتخلل الجلسات. يستخدم عناوين وأسماء تشير إليها بشكل أو بآخر. وبينها ما يرتبط بحالة الفوضى التي نعيشها وهي كناية عن طبق حلوى يتألف من بوظة فاكهة الفراولة مع النعناع (Sorbet a la fraise et menthe) أطلق عليه تيمناً بإحدى السهرات اسم «ميرينغ أنارشيك» أي «ميرينغ الفوضى».
يفتح مقهى «كافيه دي ليتر» أبوابه يومياً من السابعة والنصف صباحاً لغاية السابعة والنصف مساء. وهو يوفر لرواده بذلك فرصة تناول الفطور والغداء والعشاء.
ويتضمن الفطور إضافة إلى كعكة الكرواسان خبز الـ«باغيت» الفرنسي مع الأجبان واللبنة واللحوم الباردة، وكذلك عجة بالبيض التقليدية. وظهراً اتبع الشيف رمزي لائحة خاصة بالطبق اليومي بحيث لا يقتصر على نوع طعام واحد بل على 6 أطباق مختلفة من المطبخين الفرنسي واللبناني. ولمحبي السلطات والأكلات السريعة مع البطاطس المقلية أو أطباق السجق والرقاقات والاسكالوب وغيرها، فلديهم خيار واسع لانتقاء الطبق الذي يرغبون في تناوله من اللائحة الخاصة بالمطعم. ويعلق نديم شويري: «غالبية أطباقنا يجري تحضيرها في مطبخ المقهى. وهي تشهد تحديثات وتغييرات موسمية، لتواكب المكونات الطازجة من ناحية ولنحرز من خلالها التجديد من ناحية ثانية».
ومن الجلسات المحببة في المقهى تلك التي تحتضنها شرفته المظللة بالأشجار. فيتناول الزائر طعامه في أجواء الطبيعة مع النسيم العليل وأنواع طعام شهية في آن.
يحرص الشيف رمزي أن يشرف شخصياً على مسار العمل في المقهى يومياً، حتى أنه يقف على استكشاف آراء الزبائن ومقترحاتهم وملاحظاتهم وطلباتهم في لقاءات مباشرة معهم. ويوضح نديم في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إنه يوجد دائماً هنا حتى في أمسيات الخميس، ويحرص على سكب الطعام في صحون المدعوين بنفسه».


مقالات ذات صلة

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)

«قصر الطواجن»... أكلات العالم على مائدته المصرية

المطعم المصري (قصر الطواجن)
المطعم المصري (قصر الطواجن)
TT

«قصر الطواجن»... أكلات العالم على مائدته المصرية

المطعم المصري (قصر الطواجن)
المطعم المصري (قصر الطواجن)

هل تناولت من قبل طاجناً من «النجراسكو» و«اللازانيا»، أو أقدمت على تجربة «الدجاج الهندي المخلي»، أو حتى «طاجن لحم النعام بالحمام»، يمكنك تذوق ذلك وأكثر، عبر مجموعة من الوصفات التي تخللتها لمسات مصرية على أكلات غربية.

في منطقة حيوية صاخبة في مدينة «6 أكتوبر» المصرية (غرب القاهرة الكبرى) يحتل مطعم «قصر الطواجن» المتخصص بشكل أساسي في تقديم طبق «الطاجن» مساحة كبيرة، وساحة أمامية لافتة، يزينها منطقة للأطفال، بينما تتميز قاعاته الداخلية بفخامة تليق بمفهوم «القصور» المرتبط باسمه.

لا شك أن التدقيق في اختيار اسم المطعم يلعب دوراً في شهرته، إلا أنه تبقى دوماً التجربة خير دليل، بحسب تعبير أحمد مختار، مدير المطعم.

ريش بورق العنب (صفحة المطعم على فيسبوك)

ألوان مختلفة من الطواجن يقدمها المطعم، فإذا لم تكن راغباً في صنف بعينه، فحتماً سيثير «المنيو» حيرتك، وإذا كنت من عشاق الطواجن بشكل عام، فعليك أن تختار ما بين طاجن «البط البلدي» بخلطة «قصر الطواجن» أو «الكوارع» أو «ريش البتلو بورق العنب»، أو «ريش الضاني»، أو «الأرز المعمر بالقشطة واللحم»، أو «طاجن لحم النعام بالحمام»، وهناك أيضاً طاجن «بصلية» و«الفريك بالحمام»، و«لسان العصفور باللحم» و«رول الضاني».

وإذا كنت من محبي الطعام الكلاسيكي، فينتظرك هناك طاجن «بهاريز زمان»، المكون من 5 مكونات بعضها عتيق في المطبخ المصري، ومنها الكوارع، النخاع، قلوب البتلو، والكلاوي، ولا مانع أن تجرب طواجن ذات أسماء من ابتكار المطعم مثل «طاجن السعادة» المكون من المخاصي والحلويات واللحم، أو طاجن «فولتارين» الذي يداوي أي ضغوط نفسية، وفق مدير المطعم.

وأحياناً يسألك طاقم الضيافة هل تريد أن تجرب أكلات عالمية في طواجن مصرية، لتزداد حيرتك أمام طاجن «الدجاج الهندي المخلي» أو«المكسيكي الحار»، أو «إسباجيتي بلونيز»، أو «النجراسكو واللازانيا»، أما في حالة إصرارك على اختيار طبق من مصر، فتتصدر الأطباق الشعبية «منيو» الطواجن، فلا يفوتك مذاق طاجن «العكاوي» بالبصل والثوم والزنجبيل والكمون والفلفل الحلو والكركم.

«ليس غريباً أن يكون في القاهرة مطعم متخصص في الطواجن»، يقول مدير المطعم لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «لقد تميزت مِصر بأنواع كثيرة من الطواجن الحادقة واللذيذة والشهية، ما بين الخضراوات واللحوم والأرز والطيور والمحاشي، واختصت أيضاً بعدة طواجن من الحلويات».

وأوضح: «وتتميز الطواجن على الطريقة المصرية بطرق ومكونات ووصفات كثيرة، وجميعها مميزة وشهية ويحبها المصريون والأجانب؛ لأنها تعتمد طريقة طهي اللحم ببطء على نار خفيفة غالباً لعدة ساعات، كما يساعد الشكل المخروطي للوعاء على «حبس» النكهة كاملة بالداخل؛ فتكون مركزة وغنية، كما يعمل الطاجن على تنعيم اللحوم والخضراوات المطبوخة».

وأضاف: «طاجن الملوخية بالطشة، البامية باللحم الضأن، التورلي باللحم، الكوسا المغموسة في الصلصلة الحمراء والبصل، هي بعض من طواجن الخضراوات التي يقدمها المطعم أيضاً لرواده، (تشتهر بها مصر كذلك)، ولذلك نحرص على تقديمها في المطعم، من خلال هذه الطريقة تظل الخضراوات محتفظة بقيمتها الغذائية، وتكتسب مذاقاً شهياً ولذيذاً وخفيفاً يحرض الجميع على التهامها، حتى بالنسبة لهؤلاء الذين لا يفضلون تناول الخضراوات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الطعام يظل محتفظاً بسخونته لوقت طويل».

يبتكر الشيفات في المطعم في تقديم طواجن بلمسات عصرية: «نحرص على التجديد لتجربة طعام مبتكرة، إن امتزاج الأصالة بالحداثة أمر رائع في عالم الطهي؛ إذا أردت أن تخوض هذه التجربة فأنصحك أن تطلب طاجن الحمام المحشي باللحم، الذي تعلوه جبن الموتزريلا، أو الرقاق بطبقات القشطة، وغير ذلك».

أما «الطاسات» والصواني فهي طرق جديدة لمواجهة الضغوط الاقتصادية؛ فهي تسمح لرواد المطعم بإحضار الأسرة أو عمل ولائم وتقديم أنواع أنيقة ومختلفة من الطعام للمدعوين، بسعر أقل، وفي الوقت نفسه تسمح بالاستمتاع برفاهية المذاق على حد قول مختار.

لا تضم قائمة الطعام الطواجن وحدها؛ إنما هي تمثل الأطباق التي فيها توليفة من النكهات التي تحتفي بثراء التقاليد الطهوية الشرقية، فبجانب الطواجن، يقدم المطعم لرواده قائمة طويلة من المشويات، وأنواعاً مختلفة من الحساء والأرز، والمحاشي والسلطات، إلى جانب أكلات محلية من محافظات مصرية مثل البط الدمياطي والحواوشي والسجق الإسكندراني.

يعد المطعم أن المحافظة على التراث الطهوي المصري من ضمن أهدافه، يقول مختار: «نحافظ على أصالة المطبخ المصري من خلال الحصول على أطيب المكونات، وأفضل خامات الأواني الفخارية الآمنة من الناحية الصحية؛ مما يضمن أن تكون كل وجبة بمثابة مغامرة تذوق طعام مفيد وخالٍ من أي أضرار محتملة».

دوماً ترتفع تجربة تناول الطعام الخاصة بنا إلى مستوى أعلى من المتعة والرقي، حين يكون العاملون في المطعم على دراية جيدة وواعية بفن الضيافة، وهذا ما يتحقق في «قصر الطواجن»؛ فهم يبدون بصفتهم جزءاً من النسيج الثقافي والاجتماعي الغني في مصر؛ عبر ابتسامتهم الدائمة، ومهارتهم، وسرعة تلبية احتياجات الزبائن.