مشهد سياسي جديد و«معركة شرعيات»... بعد حل البرلمان التونسي

مع إعادة فتح ملفات «التآمر على أمن الدولة»

مشهد سياسي جديد و«معركة شرعيات»... بعد حل البرلمان التونسي
TT

مشهد سياسي جديد و«معركة شرعيات»... بعد حل البرلمان التونسي

مشهد سياسي جديد و«معركة شرعيات»... بعد حل البرلمان التونسي

تباينت ردود الفعل على قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد حلّ البرلمان التونسي، الذي سبق أن أمر بتجميده وغلق مقراته منذ أكثر من 8 أشهر. إذ رحّب بالقرار عدد من السياسيين، بينهم رئيسة الحزب الدستوري البرلمانية عبير موسي، في حين عارضه زعماء كبرى الأحزاب والكتل المعارضة ومقربون سابقون من الرئيس سعيّد، بينهم زعماء «الكتلة الديمقراطية» مثل الوزير السابق غازي الشواشي، والقيادي في حزب الشعب القومي العربي الوزير السابق سالم الأبيض، والحقوقي والوزير السابق المحسوب على «اليسار الراديكالي» محمد عبو وزوجته البرلمانية والمحامية سامية عبو حمودة.
لكن من بين المفاجآت أن كان من بين المرحّبين بقرار حل البرلمان سياسيون وبرلمانيون يعارضون بقوة قرارات الرئيس، لكنهم كشفوا عن أن هدفهم كان «دفعه» نحو إصدار قرار حل البرلمان قصد إنهاء «الإجراءات الاستثنائية» المعتمدة منذ 25 يوليو (تموز) الماضي؛ بحجة أن الدستور ينص على ذلك وعلى تنظيم انتخابات مبكرة في أجل أقصاه 3 أشهر.
وتعاقبت ردات الفعل على خطوة حل البرلمان التونسي، وعلى قرار غالبية النواب الذين حضروا جلسة عامة افتراضية إلغاء كل القرارات الرئاسية «الاستثنائية» التي صدرت خلال الأشهر الثمانية الماضية، بدعوة مخالفتها للقانون والدستور.
ردّ قصر قرطاج الرئاسي والسلطات الأمنية والقضائية في تونس على ردات الفعل ضد حل البرلمان، بما فيها قرارات نواب «الجلسة الافتراضية»، بخطوات شملت فتح تحقيق رسمي ضد عشرات من النواب والسياسيين بتهم «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي» و«التواطؤ مع الخارج» و«التورط في أكثر من مائة ألف من الهجمات الإلكترونية على مواقع رسمية للدولة».
ورغم بعض بيانات المعارضين التي انتقدت قرار حل البرلمان «لأسباب دستورية وقانونية» كشف عدد كبير من قادة المعارضة عن تفاؤلهم بتغيير المشهد السياسي قريباً، وبقرب انتقال تونس من مرحلة «النزاع حول شرعية قرارات 25 يوليو» إلى طور تشكيل «جبهات سياسية» و«مشهد حزبي وطني جديد» للمشاركة في الانتخابات المبكرة التي من المقرر تنظيمها دستورياً في ظرف 3 أشهر.
وكان من بين مفاجآت ما بعد قرار حل البرلمان أن صدرت تصريحات عن نائب رئيس البرلمان طارق الفتيتي، وهو من بين خصوم حزب «حركة النهضة» الإسلامي ورئيسه راشد الغنوشي، أورد فيها أن «الهدف من الجلسة العامة الافتراضية التي نظمت الأربعاء 30 مارس (آذار)، والتي تولى رئاستها، كان (حلحلة الوضع) و(تغيير المشهد السياسي) و(استفزاز رئيس الدولة حتى يصدر قرار حل مجلس النواب ثم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، فتنتهي مرحلة الاستثناء)».
انتخابات بعد 3 أشهر
لكن الرئيس قيس سعيّد استبعد «سيناريو» تنظيم الانتخابات في ظرف 3 أشهر، كما ينص على ذلك الفصل الـ89 من الدستور، علماً بأنه سبق له أن أصدر قراراً في سبتمبر (أيلول) الماضي أعلن فيه تجميده ما عدا الفصلين الأول والثاني حول الصبغة الجمهورية للدولة والهوية الوطنية العربية الإسلامية والحريات.
كذلك، تهجّم الرئيس سعيّد على بعض المعارضين الذين روّجوا لفصول القانون والدستور التي تنصّ على تنظيم انتخابات مبكرة في أجل يتراوح بين 45 يوماً و3 أشهر، وقال عنهم «إنهم واهمون». وتمسك بخريطة الطريق التي سبق أن أعلن عنها في العام الماضي، وهي تنص على تنظيم استفتاء شعبي على تعديل دستور 2014 يوم 25 يوليو، ثم انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين.
هذا، ورحبت أطراف سياسية ونقابية بتلك المبادرة بينما عارضتها قيادات النقابات وأحزاب عدة، وطالبت بالاستعاضة عنها بـ«خريطة طريق توافقية» يُتوصل إليها بعد «حوار وطني» و«مسار تشاركي». ويتزعم معارضي «مبادرة سعيّد» أمين عام نقابات العمال نور الدين الطبوبي ورئيسة الحزب الدستوري عبير موسي وزعماء المعارضة «الديمقراطية الاجتماعية» أحمد نجيب الشابي وخليل الزاوية وغازي الشواشي وعصام الشابي، إلى جانب قيادات «الائتلاف البرلماني الحاكم» قبل 25 يوليو، وخاصة أحزاب «قلب تونس» و«حركة النهضة» و«ائتلاف الكرامة» و«تحيا تونس».
تحسين شروط التفاوض

                                                      قيس سعيّد (أ.ف.ب)

هنا تُطرح بضعة أسئلة في الشارع التونسي حول المستقبل... بعد إصدار البرلمان «المجمَّد» قراراً بإلغاء كل الأوامر الرئاسية منذ 25 يوليو، ثم إصدار الرئيس «قرارات طوارئ» بحل البرلمان واتهام بعض النواب على القضاء بـ«التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي». وهل يتعلق الأمر بمجرد «تصعيد ظرفي بهدف رفع سقف المطالب»، أم تتجه الأوضاع نحو القطيعة والصدام بين السياسيين في مرحلة تمر فيها تونس بأكبر أزمة مالية واقتصادية في تاريخها؟
قادة اتحاد نقابات العمال ورجال الأعمال والفلاحون وعدد من قادة الأحزاب السياسية طالبوا مجدداً بـ«حوار وطني» يسفر عن توافق حول الملفات الاقتصادية والاجتماعية الملحة، وأيضاً حول تنظيم انتخابات مبكرة وتشكيل «حكومة تصريف أعمال قوية» أو «حكومة إنقاذ» تشرف على تنظيم الانتخابات مع «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات». إلا أن الرئيس التونسي كشف مراراً عن أن لديه تحفظات على هذه الهيئة العليا للانتخابات. كذلك، شكك في تصريحات باستقلالية المجلس الأعلى للقضاء المنتخب قبل حله مطلع العام الحالي.
وفي حين انحازت قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية إلى الرئيس في صراعاته مع معارضيه، كشفت أوساط عديدة عن أن «بعض الأوساط الرسمية» تسعى لإعادة تكليف وزارة الداخلية بالإشراف على الانتخابات، على غرار ما كان معمولاً به قبل 2011، لكن غالبية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقيادات المنظمات الحقوقية والسياسية اعترضت على ذلك، واستدلت بتصريحات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حول «تزييف وزارة الداخلية لكل الانتخابات في عهدي الرئيسين الأسبقين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة»، أي لكل الانتخابات التي نُظمت ما بين 1959 و2010.
وفي سياق متصل، نصح مناصرون لفريق الرئيس سعيّد، مثل المستشار السابق في رئاسة الجمهورية طارق الكحلاوي، الرئاسة بالإحجام عن حل «هيئة الانتخابات المستقلة»، لا سيما، بعد الانتقادات الأوروبية والأميركية والدولية الكبيرة التي وجهت لتونس بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وتجميد الدستور والبرلمان وهيئة مكافحة الفساد والهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين. واستدل الكحلاوي بالزيارة الرسمية التي أدتها أخيراً إلى تونس مساعدة وزير الخارجية الأميركي المكلفة شؤون الأمن المدني والديمقراطية إزرا ضيا، التي صرحت بعد مقابلات مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزير الخارجية عثمان الجارندي ورئاسة هيئة الانتخابات أن حكومتها مستعدة لدعم تونس اقتصادياً- ولكن شرط العودة إلى المسار الديمقراطي البرلماني.
وقالت المسؤولة الأميركية، إن واشنطن تدعم هذه الهيئة مادياً ومعنوياً منذ 2011، وهي تدعو إلى أن تشرف على الانتخابات المقبلة، مثلما أشرفت على انتخابات 2011 و2014 و2019 البرلمانية والرئاسية وعلى الانتخابات البلدية في 2018، بما في ذلك تلك التي فاز فيها قيس سعيّد.
غير أن مواقع إعلامية رسمية وافتراضية محسوبة على «التنسيقيات» المساندة للرئيس سعيّد انتقدت تصريح المسؤولة الأميركية وطالبت بإعادة تكليف وزارة الداخلية بالإشراف على العملية الانتخابية. وجاء رد الرئيس على السياسيين التونسيين بنعتهم بـ«الخيانة الوطنية» لتعاملهم مع عواصم أجنبية، كما رد على ضيا وعلى أعضاء الكونغرس الأميركي والبرلمانات والحكومات الأوروبية بالقول «تونس دولة مستقلة وقرارها الوطني مستقل».
عريضة أساتذة القانون
من جانب آخر، شهدت الساعات التي عقبت الإعلان عن حل البرلمان تحركات بالجملة توشك أن تؤثر في المشهد السياسي، من بينها تحرك نفذه نحو 40 من كبار الحقوقيين وأساتذة القانون وعمداء كليات الحقوق والمسؤولين في قطاع القضاء. وأعلنت «عريضة الـ40» معارضة معظم القرارات التي صدرت منذ 25 يوليو، ومن بينها «إلغاء للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين» و«تجميد هيئة مكافحة الفساد» وحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب (...) وصولاً إلى حل مجلس نواب الشعب وتكليف وزيرة العدل إسداء تعليماتها للنيابة العمومية «لتتبع النواب المشاركين في الجلسة العامة بتهمة تكوين وفاق للتآمر على أمن الدولة».
وقال موقّعو العريضة «نذكّر بأن الدستور هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكومين لا يمكن أن يكتسب صفته الديمقراطية إلا إذا تمّ وضعه من قِبل ممثلين منتخبين عن الشعب، وبأن دستور الجمهورية التونسية لعام 2014 لم يصدر بشكل اعتباطي، بل حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي، وبرعاية الأمم المتحدة. كما أشادت به لجنة البندقية، ولقي من العالم كل ترحيب». ودعوا «كل القوى الحزبية والاجتماعية والمدنية إلى توحيد الصف من أجل إنقاذ البلاد مما تردت إليه...».
وفي سياق موازٍ، تحركت مجموعات «المبادرة الديمقراطية» و«مواطنون ضد الانقلاب» و«محامون من أجل الديمقراطية» ومنظمات حقوقية ونسائية وشبابية عدة للدعوة إلى توحيد كل المؤمنين بـ«شرعية صناديق الاقتراع» و«المسار الديمقراطي» إلى التوحّد والانطلاق في التحضير للانتخابات والضغط من أجل أن تعقد في ظرف 3 أشهر. ولكن سياسيين وخبراء قانون يساندون قرارات الرئيس سعيّد، بينهم وزير العدل والتعليم العالي سابقاً الصادق شعبان، قاموا بتحركات في اتجاه معاكس «دعماً لشرعية رئيس الدولة» ولخريطة الطريق التي سبق أن أعلن عنها، أي تنظيم الانتخابات في العام الحالي، والتمهيد لذلك بتعديل قانون الانتخابات والدستور.
منعرج أمني؟
في هذه الإثناء، جدّدت القيادة المركزية لكبرى النقابات التونسية والعربية «الاتحاد العام التونسي للشغل» الدعوة إلى «حوار وطني يشمل كل الأطراف الاجتماعية والسياسية» استعداداً للانتخابات المبكرة. بينما أدلى الرئيس بتصريح جديد رفض فيه الحوار مع المتهمين «بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي»، وبينهم جُلّ أعضاء البرلمان الذين اتهمهم بـ«محاولة الانقلاب على الدولة» بسبب مشاركتهم في اجتماع الجلسة العامة الافتراضية للبرلمان يوم الأربعاء 30 مارس. كما عقد الرئيس اجتماعاً مع وزراء الداخلية والعدل والدفاع تحدث فيه عن تتبّع البرلمانيين والسياسيين الذين اتهمهم بـ«التآمر والخيانة». وبالفعل، أكد عدد كبير من النواب وكذلك بلاغات من أحزاب عدة، أن بعض البرلمانيين والسياسيين تلقوا دعوات رسمية للمثول أمام مصالح الأمن للتحقيق معهم بعد رفع الحصانة عنهم.
وخارجياً، في حين أجرى الرئيس سعيّد محادثتين هاتفيتين مع نظيريه الجزائري عبد المجيد تبّون والمصري عبد الفتاح السيسي، لإطلاعهما على «المستجدات» و«تهنئتهما بحلول شهر رمضان المعظم»، فإنه أرسل في اليوم ذاته وزير خارجيته عثمان الجارندي إلى الجزائر، حيث عقد جلسة خاصة مع الرئيس الجزائري، أبلغه فيها «رسالة سياسية» من نظيره التونسي.
ومن ناحية ثانية، بينما حذّر عدد من كبار السياسيين والنقابيين من «المنعرج الأمني» و«إعادة البلاد إلى مربع المواجهات الأمنية والسياسية» التي عرفتها في عهدَي بورقيبة وبن علي، يبدو الشارع التونسي منشغلاً أكثر بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية المستفحلة، وبعجز الدولة لأول مرة عن توفير حاجياتها المالية الدنيا بسبب خلافات بين السلطات التونسية والنقابات والمعارضة من جهة ومع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية. وهذا ما يعكسه الموقف من تجميد الأجور والتوظيف في القطاع العام لمدة 5 سنوات ورفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية وإصلاح القطاع العام والتفويت في الشركات العمومية المفلسة. وهذا ما يدفع للتساؤل عما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستفتح بصيص أمل وتساهم في طي صفحة الخلافات والأزمات المتراكمة وسط تلويح المركزية النقابية بتنظيم إضراب عام وطني وإضرابات عامة قطاعية وجهوية... أم تزداد الأزمات حدة مع بروز مشهد سياسي تتعمق فيه الهوة بين أنصار الرئيس وخصومه بما يوشك أن يتسبب في إجهاض تنظيم الانتخابات بعد 3 أشهر أو بنهاية السنة.
في مختلف الحالات، تبدو تونس رهينة عوامل داخلية وخارجية كثيرة، بينها المضاعفات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة «كوفيد - 19» وحرب أوكرانيا.

                                                              راشد الغنوشي  (أ.ف.ب)
المحاكمات العسكرية ومحكمة أمن الدولة في تونس
> أعاد اتهام سياسيين وبرلمانيين تونسيين بالخيانة الوطنية والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي إلى الأذهان ملفات «المحاكمات في قضايا ذات صبغة سياسية» التي نُظمت في تونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956، من قِبل محاكم عسكرية ومحكمة أمن الدولة ومحاكم استثنائية ومحاكم حق عام عادية.
ومن أبرز تلك القضايا:
- قضايا رُفعت بعد استقلال تونس مباشرة ضد المعارضين للرئيس الحبيب بورقيبة والمقربين منه ضد خصمه أمين عام الحزب الدستوري صالح بن يوسف وآلاف من أنصار؛ بسبب اختلافاتهم السياسية وصراعهم على المواقع.
- قضايا رفعتها «المحاكم الشعبية» ضد محسوبين على النظام الملكي والعائلات مع الشخصيات المتهمة بالتعامل مع سلطات الاحتلال الفرنسي. وقد صدر في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1957 قانون «تحصين الاستقلال والعزل السياسي» لتبرير تلك المحاكمات، وجرى توظيفه في المحاكمات التي شملت الوزير السابق والزعيم الوطني الطاهر بن عمار الذي وقّع باسم الحركة الوطنية في 1955 و1956 وثيقتَي الاستقلال الداخلي والاستقلال التام.
- محاكم استثنائية أخرى، أهمها «محكمة أمن الدولة» التي مثل أمامها بين 1968 و1975 مئات من الشباب المحسوب على الحركة الوطنية والنقابات واليسار الشيوعي والبعثي والناصري الذي اتهم وادين بالخيانة الوطنية والتعامل مع نظام معمر القذافي في ليبيا وأنظمة البعث في المشرف العربي والنظامين الروسي والصيني... إلخ.
- حكمت «محكمة أمن الدولة» مراراً في الستينات والسبعينات على متهمين بالإرهاب بزعامة مدير أمن الرئاسة والقائد العسكري الأزهر الشرايطي. وقد اتُهموا بمحاولة الانقلاب على حكم الحبيب بورقيبة في 1962. كذلك حوكم متهمون آخرون في قضايا مماثلة في عقد السبعينات، من بينهم «كومندوس» اتهم بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة الهادي نويرة ووزراء آخرين بدعم من النظام الليبي في عهد معمر القذافي. وكانت أكبر محاكمة هي تلك التي نُظمت في 1980 ضد «كومندوس» مسلح تدرب في ليبيا وهاجم مدينة قفصة التونسية. لكن تدخل قوات فرنسية ومغربية أجهض العملية. ولقد حوكم معظم أعضاء هذا «الكومندوس» وحُكم عليهم بالإعدام ونُفّذت فيهم الأحكام.
- حاكمت «محكمة أمن الدولة» في 1978 قيادة اتحاد نقابات العمال وزعيمها الحبيب عاشور، وحكمت عليها بالسجن لمدة 10سنوات بعد اتهامها بالعنف ومحاولة تغيير نظام البلاد بالقوة بسبب إضراب عام نظمته في يناير (كانون الثاني) 1978.
- حاكمت «محكمة أمن الدولة» عشرات من قيادات حزب «حركة الاتجاه الإسلامي» بينهم راشد الغنوشي وعلي العريّض وحمّادي الجبالي عام 1987 بتهمة التآمر على أمن الدولة. وتراوحت الأحكام بين الإعدام والسجن المؤبد وعدم سماع الدعوى.
· حاكمت محكمة عسكرية في مطلع التسعينات مئات من قيادات حزب «حركة النهضة» بتهم «التآمر على أمن الدولة»، وتراوحت الأحكام بين الإعدام والمؤبد والسجن لمدة أشهر.
- حوكم مئات المعارضين السياسيين والطلبة والنقابيين طوال عهدي الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي في «قضايا ذات صبغة سياسية» أمام محاكم عسكرية ومدنية عادية.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.