بتسديدة قوية من قدمه اليمنى، أعاد اللاعب المقدوني ألكسندر ترايكوفسكي إيطاليا بالزمن إلى الوراء، وبالتحديد إلى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، وهي اللحظة التي كانت بمثابة كابوس قضى الشعب الإيطالي أربع سنوات ونصف السنة في محاولة لنسيانه. في ذلك الوقت، وصف رئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، كارلو تافيكيو، عدم التأهل لنهائيات كأس العالم بأنه «نهاية العالم». فما هي الكلمة التي يمكن أن تصف تكرار نهاية كل شيء، بعد فشل المنتخب الإيطالي في التأهل للمونديال للمرة الثانية على التوالي؟
لقد كان المدير الفني للأتزوري، روبرتو مانشيني، عاجزا عن تقديم أي إجابات في أعقاب هزيمة إيطاليا بهدف دون رد أمام مقدونيا الشمالية في قبل نهائي الملحق المؤهل لنهائيات كأس العالم. لقد ألقى باللوم على نفسه، لكنه كرر أكثر من مرة نفس العبارة وهو يجيب على أسئلة حول المباراة وحول مستقبله قائلا: «لا أعرف ماذا أقول».
قد يبدو من المستحيل تفسير أسباب الفشل بهذه الطريقة، على الأقل من الناحية الظاهرية. لقد استحوذتت إيطاليا، حاملة لقب كأس الأمم الأوروبية الصيف الماضي، على الكرة بنسبة 65 في المائة، وسددت 32 كرة على المرمى، مقابل أربع تسديدات فقط لمقدونيا الشمالية. وهناك عدد لا يحصى من الأرقام والإحصاءات التي توضح الهيمنة المطلقة للمنتخب الإيطالي خلال تلك المباراة، بدءا من عدد الضربات الركنية (16 لإيطاليا، و0 لمقدونيا الشمالية) وصولا إلى الأهداف المتوقعة (1.98 مقابل 0.18).
ومع ذلك، فشل المنتخب الإيطالي في خلق فرص محققة أمام المرمى. وكانت الفرصة المحققة الوحيدة للإيطاليين عندما مرر حارس مرمى مقدونيا الشمالية، ستول ديميتريفسكي، الكرة بشكل مباشر إلى دومينيكو بيراردي في الدقيقة 29 بينما كانت الشباك مفتوحة على مصراعيها، لكن اللاعب الإيطالي أعاد الكرة بكل رعونة إلى أحضان ديميتريفسكي. يمكنك أن تقول إن هذه الليلة قد شهدت سوء حظ غريب للمنتخب الإيطالي، الذي استقبل هدفا قاتلا في الدقيقة 92 من عمر اللقاء بعد تسديدة قوية من ترايكوفسكي، الذي ربما لن يتمكن من تكرار الأمر مرة أخرى حتى لو عاد إلى ملعب «رينزو باربيرا»، الذي لعب عليه مع نادي باليرمو في دوري الدرجة الثانية ثلاث سنوات.
لقد بدت إيطاليا في بعض الأحيان وكأنها لا تقهر تحت قيادة مانشيني - حيث سجلت رقماً قياسيا دولياً في كرة القدم بعدما خاضت 37 مباراة دون هزيمة، قبل أن تخسر في النهاية أمام إسبانيا في دوري الأمم الأوروبية بعد أن لعبت أكثر من نصف المباراة بعشرة لاعبين. ومع ذلك، افتقد الفريق لنغمة الانتصارات لبعض الوقت. ولم يحقق منتخب إيطاليا الفوز سوى مرتين فقط خلال الوقت الأصلي في آخر تسع مباريات، وفاز بركلات الترجيح على إسبانيا وإنجلترا في الأدوار الأخيرة من كأس الأمم الأوروبية 2020.
مانشيني يغادر الملعب بمصير مجهول (أ.ف.ب)
لقد تهاون المنتخب الإيطالي في مباريات سهلة أثناء التصفيات، وهو الأمر الذي جعله يخوض ملحق الصعوود للمونديال في نهاية المطاف، وخير مثال على ذلك مباراة بلغاريا في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق، رغم أن المنتخب الإيطالي كان مسيطرا تماما على مقاليد الأمور لدرجة أنه سدد 27 كرة على المرمى مقابل أربع تسديدات فقط لبلغاريا. وعلاوة على ذلك، تعادلت إيطاليا مرتين مع سويسرا بعد أن أهدر جورجينيو ركلتي جزاء كان من الممكن أن تساهما في الفوز بالمباراتين. وكان الفوز في أي من هاتين المباراتين كافيا بأن تتصدر إيطاليا مجموعتها في التصفيات وتتأهل مباشرة إلى كأس العالم.
لكن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: على من تقع المسؤولية عندما ينسى الفريق كيف يسجل الأهداف؟ سيكون من السهل تحويل المهاجم تشيرو إيموبيلي إلى كبش فداء، فرغم أنه حصل على لقب هداف الدوري الإيطالي ثلاث مرات، وعادل الرقم القياسي لأكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في موسم واحد عندما سجل 36 هدفا قبل موسمين، فإنه لم يسجل سوى 15 هدفا خلال 55 مباراة دولية مع منتخب إيطاليا. لقد فشل إيموبيلي في هز الشباك أمام مقدونيا الشمالية، تماما كما فعل خلال مباراتي الذهاب والإياب اللتين خسرهما المنتخب الإيطالي أمام السويد في ملحق الصعود للمونديال عام 2017.
ومع ذلك، كان هذا فشلاً جماعياً وليس فشلا فرديا من جانب إيموبيلي. لقد تراجع مستوى لورنزو إنسيني مع نابولي بشكل ملحوظ منذ كأس الأمم الأوروبية 2020، ويقول النقاد إن عقله بالفعل مع نادي تورونتو الأميركي، الذي سينضم إليه خلال الصيف. وأصيب فيديريكو كييزا، وبالتالي كان بيراردي هو اللاعب الوحيد في خط الهجوم الذي يتمتع بلياقة جيدة ويقدم مستويات جيدة. لكن السؤال الآن هو: لماذا أصر مانشيني على الاعتماد على مجموعة معينة من المهاجمين، وعلى تشكيل معين، رغم أنه لم يعد يحقق نتائج جيدة؟ ومن الواضح أن الطريقة التي يلعب بها المنتخب الإيطالي لم تعد بنفس القوة التي كانت عليها منذ إصابة ليوناردو سبينازولا ضد بلجيكا الصيف الماضي.
لكن السؤال الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لكرة القدم الإيطالية هو: هل كانت البدائل ليست جيدة بما يكفي؟ بينما كانت إيطاليا تبحث عن هدف في صقلية، دفع مانشيني بجياكومو راسبادوري، ذلك اللاعب الموهوب والواعد، لكنه لا يمتلك خبرات كافية، والذي لم يسجل سوى هدف وحيد في سبع مباريات مع المنتخب الوطني، وجواو بيدرو، البالغ من العمر 30 عاماً والذي لم يسجل سوى هدف وحيد في آخر 13 مباراة مع كالياري، والذي كان هدفه السابع عشر في الدوري الإيطالي الممتاز.
لقد اعترف خليفة تافيكيو في الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، غابرييل غرافينا، بهذه الحقيقة المؤلمة بعد الهزيمة، قائلا: «هناك عدد قليل جدا من اللاعبين الذين يمكن اختيارهم. يجب أن نفهم لماذا لا تعتمد الأندية على عدد كبير من اللاعبين الشباب؟» من المهم أن تضع كرة القدم الإيطالية يدها على موضع الخلل وأن تجد علاجا له. وبعد الفشل في التأهل في لنهائيات كأس العالم 2018 كان هناك الكثير من التصريحات حول فشل كرة القدم الإيطالية فيما يتعلق بتنمية وتطوير اللاعبين الشباب والحاجة إلى القيام بالأشياء بشكل مختلف. وبعد خمس سنوات، فشل المنتخب الإيطالي في التأهل لكأس العالم مرة أخرى!
هذا لا يعني أن الأمور لم تتحسن أو تصبح أفضل. فمانشيني ليس جيان بييرو فينتورا، الذي لم يعرف أبداً النجاح منذ البداية والذي انتهت فترة ولايته بتمرد مفتوح من جانب اللاعبين على مقاعد البدلاء. وعلاوة على ذلك، لا يزال القوام الأساسي للفريق المتوج بكأس الأمم الأوروبية موجودا، وهناك مواهب صاعدة بقوة يمكن بناء الفريق حولها، بدءا من أليساندرو باستوني في قلب الدفاع وصولا إلى ساندرو تونالي في خط الوسط.
لقد أصر غرافينا على بقاء مانشيني في منصبه، ومن المؤكد أن الكثير من الإيطاليين يؤيدون ذلك، نظرا لأنه لا يمكن نسيان كل شيء جيد حدث خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية مع أول إخفاق. ومع ذلك، فإن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن إيطاليا ستغيب عن كأس العالم للمرة الثانية على التوالي، وهي كارثة محققة لجيل كامل من اللاعبين. إن جورجينيو، الذي حل ثالثا في قائمة أفضل اللاعبين في العالم العام الماضي، يمثل إيطاليا منذ عام 2016 لكنه لم يلعب أبدا في بطولة كأس العالم، الذي فازت إيطاليا بلقبها أربع مرات. وسيكون ماركو فيراتي، الذي قدم مستويات مذهلة رغم صغر سنه في كأس العالم بالبرازيل عام 2014 في الثالثة والثلاثين من عمره بحلول عام 2026.
في النهاية، لم يكن من الغريب أن يشعر مانشيني، الذي يمتد عقده إلى الصيف القادم، بالإحباط الشديد بعد توديع البطولة الكبرى، حيث قال: «خيبة الأمل الآن أكبر من أن نتحدث عن المستقبل. ومثلما كان الانتصار بكأس الأمم الأوروبية في يوليو (تموز) الماضي أجمل شيء عشته على المستوى الاحترافي، فهذه هي أكبر خيبة أمل على الإطلاق».