يتمثل التفكير الفوري في أنه لا يجب على ليفربول بأي حال من الأحوال أن يتخلى عن خدمات نجمه محمد صلاح، الذي يجسد هذه الفترة الرائعة من تاريخ ليفربول، وأنه يتعين على النادي أن يعطي اللاعب المصري ما يريد. ويرى كثيرون أنه يتعين على الريدز الإبقاء على صلاح بأي ثمن، لأنه اللاعب الذي يحرز 20 هدفاً أو أكثر كل موسم - كثير من هذه الأهداف مذهل - ويُسعد ويُمتع مشجعي النادي، بل وعشاق كرة القدم ككل، بمهاراته الكبيرة وخياله الجامح.
لكن التفكير الفوري قد لا يكون مفيداً تماماً، لأنه لا يوجد في عالم كرة القدم لاعب لا يمكن تعويضه على الإطلاق. بالطبع، هناك جاذبية عاطفية لفكرة أن هناك علاقة خاصة بين اللاعب والنادي، خصوصاً عندما يكون هذا اللاعب فعالاً للغاية في صعود وتطور النادي، كما يفعل صلاح مع ليفربول تحت قيادة المدير الفني الألماني يورغن كلوب. لكن الظروف تتغير، ويمكن القول إن تاريخ ليفربول عبارة عن دراسة في أهمية عدم التعلق المفرط باللاعبين البارزين، والتخلي عن اللاعبين في الوقت المناسب.
وقد اعترف بيل شانكلي بأنه سمح للاعبي فريق ليفربول العظيم الذي تولى قيادته بأن يتقدموا في السن معاً، حتى شعر بالصدمة وضرورة العمل على تغيير هذا الأمر بعد الهزيمة أمام واتفورد في كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1970. لكن خليفته، بوب بيزلي، الذي كان أكثر هدوءاً لكن أكثر قسوة، لم يرتكب الخطأ نفسه. وعندما قرر كيفن كيغان الهروب من ضريبة الدخل المرتفع في المملكة المتحدة التي تبلغ 83 في المائة عام 1977، تعاقد ليفربول مع كيني دالغليش. إن أهم شيء في نجاح الإدارة على المدى الطويل هو أن تعرف متى تستغني عن اللاعبين - وهذا أحد الأسباب التي تجعل كرة القدم تبدو رياضة قاسية وناكرة للجميل.
وبالمثل، لم يترك المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون اللاعبين يستمرون مع الفريق لفترة أطول من اللازم أبداً، فقد استغنى عن كل من مارك هيوز وأندريه كانشلسكيس وبول إنس في عام 1995، وكان سريعاً بالقدر نفسه في الاستغناء عن روي كين بعد عقد من الزمن. وحتى اللاعبين الاستثنائيين في تاريخ اللعبة ربما يكون استمرارهم مع أنديتهم لفترة أطول من اللازم مضراً للفريق، وخير مثال على ذلك ما حدث مع النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، فعلى الرغم من كل النحيب والحزن والعصبية عندما رحل ميسي عن برشلونة، فقد أظهرت المؤشرات الأخيرة أنه كان يجب إعادة هيكلة الفريق منذ فترة طويلة. وبالتالي، لا يمكن لفرق النخبة أن تعتمد على نجم واحد متقدم في السن. وعلاوة على ذلك، فإن إلقاء نظرة سريعة على ما يقدمه نادٍ مثل آرسنال في الوقت الحالي يجعلنا ندرك مخاطر الشعور بالذعر ومنح النجوم المسنين عقوداً ضخمة وأموالاً طائلة.
صلاح ومدربه كلوب... هل حقاً حان وقت الانفصال؟ (أ.ف.ب)
هذا لا يعني أن ليفربول يجب أن يتطلع لبيع صلاح، لكن يجب أن يكون هناك تقييم دقيق لما إذا كان يستحق تكلفة الاحتفاظ به أم لا. وعندما ننظر إلى العناصر التي يضمها ليفربول حالياً، سنجد أن الفريق يدار بشكل جيد للغاية في الآونة الأخيرة. لقد تمكن الفريق من أن يكون نداً قوياً لمانشستر سيتي، على الرغم من أن صافي نفقاته يقل عن مانشستر سيتي بمقدار 220 مليون جنيه إسترليني خلال المواسم الخمسة الماضية، وهو أمر رائع. لقد كان ليفربول جيداً للغاية في الحفاظ على الميزانية تحت السيطرة، فهل يُعقل الآن تعريض ذلك للخطر من خلال تلبية مطالب صلاح بمضاعفة راتبه إلى 400 ألف جنيه إسترليني في الأسبوع؟
لا تكمن المشكلة فيما إذا كان صلاح يستحق الحصول على هذا المبلغ أم لا. وعلاوة على ذلك، فمن حق صلاح بالطبع أن يتفاوض للحصول على أفضل عقد ممكن. ونظراً لأنه أحد أفضل اللاعبين في العالم، فمن المنطقي أن يكون أحد أعلى اللاعبين أجراً في العالم. سوف يكمل صلاح الثلاثين من عمره في يونيو (حزيران) المقبل، وقد يكون هذا هو آخر عقد كبير بالنسبة له - فلماذا لا يحاول ضمان الحصول على مقابل مادي يجعله مرتاحاً قدر الإمكان بقية حياته؟
هناك إجابة رومانسية تتمثل في أن صلاح ربما قد يكون قد ارتبط عاطفياً بليفربول وكلوب وزملائه في الفريق وجماهير الريدز. ألن يستمتع بالحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز مرة أخرى مع ليفربول، ويحتفل باللقب هذه المرة مع الجماهير؟ ألن يستمتع بالفوز مرة أخرى بدوري أبطال أوروبا، ويكون هذه المرة على أرض الملعب في مناسبة أخرى تعادل ما حدث خلال «الريمونتادا» الشهيرة والفوز برباعية نظيفة على برشلونة على ملعب آنفيلد؟ وفي أي مرحلة تتفوق هذه الذكريات الرائعة على بضعة ملايين أخرى من الجنيهات في البنك، أو على ميدالية الفوز بالدوري المحلي مع يوفنتوس أو باريس سان جيرمان، وهما الناديان اللذان يسعيان للتعاقد معه؟
لكن هناك أيضاً إجابة أكثر واقعية تكمن في السؤال عما إذا كان صلاح هو من جعل ليفربول نادياً عظيماً أم أن ليفربول هو من جعل صلاح لاعباً عظيماً. من الواضح إلى حد ما أن الإجابة تتمثل في أن كلاً منهما جعل الآخر عظيماً. صلاح لاعب رائع ومراوغ استثنائي، ولديه قدرة فائقة على إنهاء الهجمات وإحراز الأهداف من أنصاف الفرص. لكن كما يعلم أي شخص رآه وهو يتجول بائساً مع منتخب مصر خلال نهائيات كأس الأمم الأفريقية الأخيرة، فمن الواضح أنه مناسب تماماً لأسلوب لعب ليفربول، وهو ما يعني أنه ليس مضموناً أن يكون بالجودة نفسها مع أي فريق آخر غير ليفربول. لقد كان صلاح لاعباً جيداً للغاية في فيورنتينا وروما، لكنه لم يتحول إلى لاعب استثنائي إلا منذ انتقاله إلى ليفربول في عام 2017.
لقد كان روبرتو فيرمينو، ثم ديوغو جوتا، بارعين في التحرك في عمق الملعب من أجل خلق مساحات ينطلق فيها صلاح، كما ساعدت انطلاقات وتحركات ترينت ألكسندر أرنولد في خلق مساحات كبيرة للاعب المصري. لكن الأمر يتعلق أيضاً بطريقة اللعب ككل، وبالضغط العالي والمتواصل على الفريق المنافس، ووجود خط وسط قوي قادر على استعادة الكرة فور فقدانها، وهي الأمور التي تساعد صلاح بالطبع. ومن دون حدوث تغييرات شاملة في طريقة اللعب، لا يمكن الافتراض بأن صلاح سيقدم الأداء نفسه مع باريس سان جيرمان (الذي يعتمد على خط وسط متراجع لتعويض عدم قيام المهاجمين البارزين بأدوارهم الدفاعية كما ينبغي)، أو يوفنتوس (ليس أسلوب ماسيميليانو أليغري). وعلاوة على ذلك، هناك كثير من اللاعبين البارزين الذين لم يقدموا المستويات نفسها عندما انتقلوا إلى أندية أخرى، مثل إيدن هازارد وروميلو لوكاكو وأنطوان غريزمان وفيليب كوتينيو.
هناك ميل لافتراض أن جودة اللاعبين هي جودة مطلقة، لكنها في حقيقة الأمر تعتمد على كثير من الظروف المختلفة، وعلى قيمتهم ومستواهم كجزء من فريق بالكامل. قد يحقق صلاح مستويات جيدة في حال انتقاله لفريق آخر، لكن لا توجد ضمانات على ذلك. وعلى الرغم من أن ليفربول سيفتقده، فإن المستويات التي يقدمها لويس دياز منذ وصوله إلى آنفيلد في يناير (كانون الثاني) تشير إلى أن الفريق سيكون قادراً على التأقلم مع رحيل صلاح. في الحقيقة، يبدو النظام قوياً بما يكفي الآن لتحمل رحيل أي لاعب!