أبسط المواد الغذائية تخرج من قائمة استهلاك أغلب الدمشقيين

بسبب ارتفاع أسعار المنتجات بعد الحرب الأوكرانية

TT

أبسط المواد الغذائية تخرج من قائمة استهلاك أغلب الدمشقيين

زادت تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا من سوء الوضع المعيشي لأغلب سكان دمشق الرازحين تحت خط الفقر؛ إذ خرجت أبسط المواد الغذائية والخضراوات من قائمة استهلاكهم، بسبب موجة ارتفاع قياسية جديدة طالت أسعارها، ووصلت نسبتها إلى نحو 100 في المائة.
ومنذ بدء الحرب قبل أكثر من شهر، تشهد عامة الأسعار في أسواق دمشق ارتفاعاً لحظياً، إضافة إلى حصول تدهور جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي؛ حيث يسجل اليوم نحو 4 آلاف ليــرة، بعدما كـــان يتــراوح بين 3500 و3600.
وخلال الأيام الأولى للحرب، اختفى كثير من المواد الغذائية من الأسواق، ومن ثم عادت للظهور تدريجياً ولكن بأسعار مختلفة، إذ يبلغ سعر لتر الزيت النباتي حالياً 15 ألف ليرة بعدما كان بـ8 آلاف، في حين قفز سعر كيلوغرام البرغل إلى 6 آلاف، بعدما كان بنحو 2500 ليرة، والأرز (نوعية وسط) إلى 5 آلاف، بعدما كان بنحو ألفين، والسمن النباتي إلى أكثر من 15 ألفاً بعدما كان بـ7 آلاف.
وطالت موجة الارتفاع الجديدة الخضراوات والفاكهة، إذ حلق سعر الكيلوغرام من البندورة إلى 4 آلاف بعدما كان بنحو 1500، والبطاطا إلى 4 آلاف أيضاً بعدما كان بنحو ألفين، وكذلك الأمر مع الباذنجان والخيار.
كما ارتفع سعر كيلوغرام لحم الخروف من 25 ألفاً إلى 45 ألفاً، والعجل من 25 ألفاً إلى 35 ألفاً، في حين شهد سعر الكيلوغرام من لحم الفروج ارتفاعاً أقل، إذ يصل حالياً إلى 10 آلاف، بعدما كان ما بين 7 و8 آلاف، والبيضة إلى 500 ليرة بعدما كانت بـ350.
السيدة الدمشقية «أم نورس»، بعدما تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن تراجع عادة الجلسات الصباحية للنساء، بسبب ضيق الأحوال المعيشية، وعدم قدرة ربات البيوت على تقديم ضيافة ولو مجرد «كاسة شاي أو فنجان قهوة»، مع مواظبة قلة منهن عليها، تؤكد أنه في جلسات هذه الأيام ما من امرأة تجرؤ على طرح سؤال: «شو بدك تطبخي اليوم؟» الذي كانت تطرحه النساء بعضهن على بعض خلال جلسات سنوات ما قبل الحرب؛ حيث كانت كل واحدة منهن تتباهى بما ستطبخ.
طرح السؤال السابق على الآخرين بات يتسبب لهم في إحراج كبير، وفق «أم نورس» التي تضيف «الطبخة المحرزة صار بدها اليوم أقل شي 100 ألف، والناس عايفة حالها، والله يكون بعونها»، وتشير إلى أن الناس لم تعد قادرة حتى على شراء الخضراوات التالفة بسبب ارتفاع أسعارها.
«سهيلة» هي صديقة لـ«أم نورس»، ولدى تذكير «الشرق الأوسط» خلال الحديث بالمثل العامي: «العز للرز والبرغل شنق حالو»، وطرحها أن تعود الناس في ظل الأوضاع الحالية إلى التركيز على أكلات البرغل كما كانوا «أيام زمان»، ردت بالقول: «الناس لم تعد قادرة على شراء البيضة حتى تشتري البرغل». وتوضح أن الناس نسيت شيئاً اسمه طبخ؛ لأن تكاليف طبخة «المجدرة» البسيطة تصل اليوم إلى أكثر من 30 ألفاً. وتؤكد أن الناس اليوم بـ«الزور عايشة وتتمنى الموت؛ لأنها عايشة على الخبز والشاي». وتضيف: «العز اليوم لرغيف الخبز، والناس عم تموت لتجيبو، وإن شاء الله نبقى لحقانينو».
والمثل العامي السابق يكاد لا توجد عائلة في سوريا إلا وتعرفه، وكانت دائماً تردده في سنوات ما قبل الحرب. وشاع منذ عقود طويلة في سوريا وعموم المنطقة العربية، بعد ظهور الأرز وإقبال الناس عليه، وتندرهم على البرغل الذي كانت طبخاته بكل أنواعها تشكل طعامهم الأساسي. وخلال سنوات ما قبل اندلاع الحرب في سوريا، والتي دخلت عامها الثاني عشر منتصف مارس (آذار) الجاري، كان انعكاس المثل السابق على الواقع ظاهراً بشكل جلي في عموم المناطق السورية؛ إذ إن معظم العائلات فيها كانت من متوسطي الدخل (ميسورة الحال)، وتسمح لها مداخيلها الشهرية بالإقبال على شراء الأرز وإهمال البرغل، رغم أن سعر الأول أغلى من الثاني الذي بقي من الوجبات الرئيسية بالنسبة للعائلات الفقيرة قليلة العدد.
لكن آثار سنوات الحرب الطويلة، وأبرزها التدهور القياسي في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، والارتفاع الجنوني المتواصل للأسعار، ومراوحة الرواتب الشهرية في مكانها (راتب موظف الدرجة الأولى لدى الحكومة لا يتجاوز 125 ألف ليرة)، قلب وضع الأغلبية الساحقة للعائلات السورية، من متوسطي الدخل إلى عائلات تعيش تحت خط الفقر.
الوضع المعيشي المزري للعائلات السورية الذي تسببت فيه الحرب الدائرة في بلادهم، زادت من بلة طينه تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا؛ خصوصاً الاقتصادية منها؛ إذ أخرجت أبسط المواد الغذائية من قائمة استهلاكهم، بعدما كانت الحرب في بلادهم أخرجت في بداياتها بعض المواد، مثل اللحوم وزيت الزيتون والأرز الجيد.
ومنذ الموجة الجديدة لارتفاع الأسعار، تشهد «الشرق الأوسط» تراجعاً في حركة المارة في عموم الأسواق الدمشقية، حتى في الطرقات العامة، وتقول سيدة كانت تأخذ ابنها الصغير من المدرسة: «الناس شو بدها تطلع تعمل، تطلع مشان تسم بدنها وتحرق أعصابها ودمها بمشاهدة الأسعار! كيلو اللبن بـ3000».
تراجع حركة المارة في الأسواق والطرقات ترافق مع انخفاض في كميات الخضراوات المعروضة للبيع في الأسواق، وعزى لـ«الشرق الأوسط»، صاحب بسطة، قلة المعروضات، إلى شراء الباعة كميات قليلة خوفاً من تلف البضاعة، ويقول: «الأسعار نار، والناس كانت تشتري كميات قليلة، وبعد ذلك صارت تشتري بالحبة، وحالياً ما عم تقدر تشتري، والبضاعة إذا خربت (تلفت) مصيبة؛ لأنو حبة البطاطا (متوسطة الحجم) حقها (ثمنها) ألف ليرة».



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».