أبسط المواد الغذائية تخرج من قائمة استهلاك أغلب الدمشقيين

بسبب ارتفاع أسعار المنتجات بعد الحرب الأوكرانية

TT
20

أبسط المواد الغذائية تخرج من قائمة استهلاك أغلب الدمشقيين

زادت تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا من سوء الوضع المعيشي لأغلب سكان دمشق الرازحين تحت خط الفقر؛ إذ خرجت أبسط المواد الغذائية والخضراوات من قائمة استهلاكهم، بسبب موجة ارتفاع قياسية جديدة طالت أسعارها، ووصلت نسبتها إلى نحو 100 في المائة.
ومنذ بدء الحرب قبل أكثر من شهر، تشهد عامة الأسعار في أسواق دمشق ارتفاعاً لحظياً، إضافة إلى حصول تدهور جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي؛ حيث يسجل اليوم نحو 4 آلاف ليــرة، بعدما كـــان يتــراوح بين 3500 و3600.
وخلال الأيام الأولى للحرب، اختفى كثير من المواد الغذائية من الأسواق، ومن ثم عادت للظهور تدريجياً ولكن بأسعار مختلفة، إذ يبلغ سعر لتر الزيت النباتي حالياً 15 ألف ليرة بعدما كان بـ8 آلاف، في حين قفز سعر كيلوغرام البرغل إلى 6 آلاف، بعدما كان بنحو 2500 ليرة، والأرز (نوعية وسط) إلى 5 آلاف، بعدما كان بنحو ألفين، والسمن النباتي إلى أكثر من 15 ألفاً بعدما كان بـ7 آلاف.
وطالت موجة الارتفاع الجديدة الخضراوات والفاكهة، إذ حلق سعر الكيلوغرام من البندورة إلى 4 آلاف بعدما كان بنحو 1500، والبطاطا إلى 4 آلاف أيضاً بعدما كان بنحو ألفين، وكذلك الأمر مع الباذنجان والخيار.
كما ارتفع سعر كيلوغرام لحم الخروف من 25 ألفاً إلى 45 ألفاً، والعجل من 25 ألفاً إلى 35 ألفاً، في حين شهد سعر الكيلوغرام من لحم الفروج ارتفاعاً أقل، إذ يصل حالياً إلى 10 آلاف، بعدما كان ما بين 7 و8 آلاف، والبيضة إلى 500 ليرة بعدما كانت بـ350.
السيدة الدمشقية «أم نورس»، بعدما تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن تراجع عادة الجلسات الصباحية للنساء، بسبب ضيق الأحوال المعيشية، وعدم قدرة ربات البيوت على تقديم ضيافة ولو مجرد «كاسة شاي أو فنجان قهوة»، مع مواظبة قلة منهن عليها، تؤكد أنه في جلسات هذه الأيام ما من امرأة تجرؤ على طرح سؤال: «شو بدك تطبخي اليوم؟» الذي كانت تطرحه النساء بعضهن على بعض خلال جلسات سنوات ما قبل الحرب؛ حيث كانت كل واحدة منهن تتباهى بما ستطبخ.
طرح السؤال السابق على الآخرين بات يتسبب لهم في إحراج كبير، وفق «أم نورس» التي تضيف «الطبخة المحرزة صار بدها اليوم أقل شي 100 ألف، والناس عايفة حالها، والله يكون بعونها»، وتشير إلى أن الناس لم تعد قادرة حتى على شراء الخضراوات التالفة بسبب ارتفاع أسعارها.
«سهيلة» هي صديقة لـ«أم نورس»، ولدى تذكير «الشرق الأوسط» خلال الحديث بالمثل العامي: «العز للرز والبرغل شنق حالو»، وطرحها أن تعود الناس في ظل الأوضاع الحالية إلى التركيز على أكلات البرغل كما كانوا «أيام زمان»، ردت بالقول: «الناس لم تعد قادرة على شراء البيضة حتى تشتري البرغل». وتوضح أن الناس نسيت شيئاً اسمه طبخ؛ لأن تكاليف طبخة «المجدرة» البسيطة تصل اليوم إلى أكثر من 30 ألفاً. وتؤكد أن الناس اليوم بـ«الزور عايشة وتتمنى الموت؛ لأنها عايشة على الخبز والشاي». وتضيف: «العز اليوم لرغيف الخبز، والناس عم تموت لتجيبو، وإن شاء الله نبقى لحقانينو».
والمثل العامي السابق يكاد لا توجد عائلة في سوريا إلا وتعرفه، وكانت دائماً تردده في سنوات ما قبل الحرب. وشاع منذ عقود طويلة في سوريا وعموم المنطقة العربية، بعد ظهور الأرز وإقبال الناس عليه، وتندرهم على البرغل الذي كانت طبخاته بكل أنواعها تشكل طعامهم الأساسي. وخلال سنوات ما قبل اندلاع الحرب في سوريا، والتي دخلت عامها الثاني عشر منتصف مارس (آذار) الجاري، كان انعكاس المثل السابق على الواقع ظاهراً بشكل جلي في عموم المناطق السورية؛ إذ إن معظم العائلات فيها كانت من متوسطي الدخل (ميسورة الحال)، وتسمح لها مداخيلها الشهرية بالإقبال على شراء الأرز وإهمال البرغل، رغم أن سعر الأول أغلى من الثاني الذي بقي من الوجبات الرئيسية بالنسبة للعائلات الفقيرة قليلة العدد.
لكن آثار سنوات الحرب الطويلة، وأبرزها التدهور القياسي في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، والارتفاع الجنوني المتواصل للأسعار، ومراوحة الرواتب الشهرية في مكانها (راتب موظف الدرجة الأولى لدى الحكومة لا يتجاوز 125 ألف ليرة)، قلب وضع الأغلبية الساحقة للعائلات السورية، من متوسطي الدخل إلى عائلات تعيش تحت خط الفقر.
الوضع المعيشي المزري للعائلات السورية الذي تسببت فيه الحرب الدائرة في بلادهم، زادت من بلة طينه تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا؛ خصوصاً الاقتصادية منها؛ إذ أخرجت أبسط المواد الغذائية من قائمة استهلاكهم، بعدما كانت الحرب في بلادهم أخرجت في بداياتها بعض المواد، مثل اللحوم وزيت الزيتون والأرز الجيد.
ومنذ الموجة الجديدة لارتفاع الأسعار، تشهد «الشرق الأوسط» تراجعاً في حركة المارة في عموم الأسواق الدمشقية، حتى في الطرقات العامة، وتقول سيدة كانت تأخذ ابنها الصغير من المدرسة: «الناس شو بدها تطلع تعمل، تطلع مشان تسم بدنها وتحرق أعصابها ودمها بمشاهدة الأسعار! كيلو اللبن بـ3000».
تراجع حركة المارة في الأسواق والطرقات ترافق مع انخفاض في كميات الخضراوات المعروضة للبيع في الأسواق، وعزى لـ«الشرق الأوسط»، صاحب بسطة، قلة المعروضات، إلى شراء الباعة كميات قليلة خوفاً من تلف البضاعة، ويقول: «الأسعار نار، والناس كانت تشتري كميات قليلة، وبعد ذلك صارت تشتري بالحبة، وحالياً ما عم تقدر تشتري، والبضاعة إذا خربت (تلفت) مصيبة؛ لأنو حبة البطاطا (متوسطة الحجم) حقها (ثمنها) ألف ليرة».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.