مخاوف من انهيار العلاقات الأميركية ـ الروسية

بايدن كرر تمسكه بتصريحاته عن بوتين لكنه نفى سعيه لتغيير السلطة في موسكو

بايدن في وارسو أثناء حديثه الذي زاد التوتر مع موسكو (رويترز)
بايدن في وارسو أثناء حديثه الذي زاد التوتر مع موسكو (رويترز)
TT

مخاوف من انهيار العلاقات الأميركية ـ الروسية

بايدن في وارسو أثناء حديثه الذي زاد التوتر مع موسكو (رويترز)
بايدن في وارسو أثناء حديثه الذي زاد التوتر مع موسكو (رويترز)

هددت كلمات الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة في بولندا، بدفع العلاقات المتوترة بشدة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى الانهيار، مما قد يكون له تداعيات خطيرة على قدرة واشنطن على المساعدة في توجيه الحرب في أوكرانيا إلى نهايتها، وتجنب صراع أوسع، كما أدت التصريحات إلى تعميق التساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على تسهيل إنهاء سلمي للصراع.
ودافع بايدن عن تصريحاته، مشدداً أنه لن يتراجع عنها لأنه كان يعبر فيها عن غضبه من الوحشية التي يمارسها بوتين ضد الشعب والأطفال في أوكرانيا.
وتحت الحاح أسئلة الصحافيين خلال المؤتمر الصحافي مساء أمس كرر بايدن ان تصريحاته لا تستهدف تغيير السلطة في روسيا وإخراج بوتين من منصبه، قائلاً «هذا سخف، لا أحد يصدق اننا سنخرج بوتين من السلطة، آخر شي أريده هو حرب كلامية مع روسيا، وانما كنت أعبر عن غضبي من هذا الرجل وعبرت فقط انه لا ينبغي له البقاء في السلطة وانه سيكون اكثر عزلة اذا واصل نهجه العدائي ضد أوكرانيا.
فالولايات المتحدة لا تقوم بدور وساطة مباشر بين كييف وموسكو - حيث تسعى فرنسا وإسرائيل وتركيا ودول أخرى إلى تعزيز سبل الدبلوماسية - إلا أن دورها كأقوى عضو في الناتو، ومنسق العقوبات الغربية، يعني أن أي اتفاق سلام نهائي بين موسكو وكييف، يتطلب على الأرجح اتصالات رئاسية بين واشنطن وموسكو.
ويقول المحللون إن تصريحات بايدن بدت وكأنها تحمل عنصراً واضحاً من العداء الشخصي في المواجهة بين أكبر القوى النووية في العالم ومهما حاول البيت الأبيض في الدفاع وتوضيح معانٍ أخرى لهذه التصريحات فإنها لن تغير من وجهات النظر في موسكو لأن بوتين يعتقد منذ فترة طويلة أن الولايات المتحدة تريد إزاحته من السلطة، ولذا قد يكون بوتين الآن أكثر ميلاً إلى القيام بأشياء عدائية رداً على تلك التصريحات، وهذا هو التحدي.

استعداء موسكو
قال المسؤولون الأميركيون بعد يوم من الخطاب إنه ليس لديهم توقعات محددة بشأن الانتقام الروسي، وقللوا من أهمية تصريح الرئيس في ضوء الإجراءات الأميركية الأخيرة التي أثارت استعداء موسكو بالفعل، بما في ذلك العقوبات المالية غير المسبوقة وأكثر من ملياري دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا خلال الشهر الماضي. وسارع المسؤولون الأميركيون في توضيح تصريحات الرئيس بايدن التي أطلقها يوم السبت في خطاب حماسي في وارسو لبولندا، وجه خلاله بايدن توبيخاً حاداً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودافع عن الديمقراطية والليبرالية.
وقال بايدن في نهاية خطابه: «بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة»، ووصف غزو روسيا لأوكرانيا بأنه «معركة في صراع أوسع بكثير بين الديمقراطية والاستبداد». وبدا التصريح وكأنه دعوة واضحة لتغيير النظام في واحدة من أقوى القوى النووية العظمى في العالم وهو تصريح لم يصرح به أي رئيس أميركي خلال الحرب الباردة التي استمرت قرابة خمسة عقود.
كان خطاب بايدن في القلعة الملكية في وارسو، الذي جاء بعد ساعات من لقاء عاطفي مع اللاجئين الأوكرانيين، يهدف إلى إرسال رسالة عن عزم الغرب التصدي لتصرفات روسيا، والوقوف ضد قوى الاستبداد في جميع أنحاء العالم.

الثواني العشر الأخيرة
وكان خطاب بايدن الذي استمر لمدة 26 دقيقة يعد من أقوى تصريحاته وعززت قيادة الولايات المتحدة للعالم الديمقراطي لكن آخر عشر ثوان من الخطاب التي دعا خلالها إلى عدم بقاء بوتين في السلطة قلبت الموازين، وقد أثارت التصريحات موجة من اللغط والجدل حول توجه من الإدارة الأميركية لتغيير السلطة في روسيا، استمر صداها طويلاً وسط تباين في ردود الفعل حيث وصف البعض خطاب بايدن بالدعائي الفارغ والمتهور، وأشاد البعض الآخر بقوة الخطاب. لكن التصريحات أوضحت تشوش السياسة الأميركية وتعقيد كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشكل صادم.
وخلال يومي الأحد والاثنين، تبارى المسؤولون في توضيح التصريحات ووصفها برد فعل عاطفي بعد لقاءات بايدن في واسو مع اللاجئين الأوكرانيين الذين فروا من القصف والعنف إلى بولندا. وبذلت الإدارة جهوداً للتأكيد على أن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام في روسيا. وقال مسؤول بالبيت الأبيض: «وجهة نظر الرئيس أنه لا يمكن السماح لبوتين بممارسة السلطة على جيرانه أو المنطقة».
كان رد روسيا على تصريح بايدن هادئاً نسبياً، حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن مستقبل بوتين السياسي: «هذا ليس قراراً بايدن، يتم انتخاب رئيس روسيا من قبل الروس». لكنه أضاف أن ما قاله بايدن مثير للقلق بالتأكيد، ويجب على رئيس الدولة أن يتحكم في أعصابه، فالإهانات الشخصية مثل هذه تضيق نافذة الفرص لعلاقاتنا الثنائية في ظل هذه الإدارة الحالية، وسنواصل تعقب تصريحات الرئيس الأميركي بأكثر الطرق انتباها»، فيما لم يعلق الرئيس بوتين نفسه على تصريحات بايدن.

حجم التأثير
بعض المحللين توقعوا تأثيراً ضئيلاً على حسابات بوتين في ساحة المعركة العسكرية في أوكرانيا، التي تستند أساساً إلى شعور بوتين بالمصالح الوطنية لروسيا وحاجته لتجنب هزيمة عسكرية مذلة. فيما رأى محللون آخرون أن تصريحات بايدن قد تزيد من التعاطف لدي الرأي العام الروسي تجاه بوتين وتزيد من الالتفاف والدعم للرئيس الروسي وقد مثلت هذه التصريحات تصعيداً جديداً في انتقاد بايدن لبوتين بعد أن وصفه سابقاً بمجرم حرب وجزار وقاتل.
كما أشارت إلى ميل بايدن للخروج عن النص المكتوب وتوجيه هجمات كلامية مما طغى على رسالته الأصلية ودفعت المسؤولين في البيت الأبيض إلى توضيح كلماته. ولم يكن واضحاً، ما إذا كان بايدن يقصد إرسال رسالة محددة لبوتين والمجتمع الدولي، أم أنها مجرد خطأ لفظي وخروج عن النص المعد مسبقا.
طرد دبلوماسيين
ويشير المحللون إلى أن لدى روسيا أيضاً إمكانية اللجوء إلى شن هجمات إلكترونية ضد البنية التحتية الأميركية، وقد أصدر البيت الأبيض تحذيراً متزايداً بشأن احتمال قيام روسيا بشن هجمات إلكترونية. وإذا حدث مثل هذا الهجوم الإلكتروني فسيكون من الصعب على المسؤولين الأميركيين معرفة ما إذا كان قد تم اعتباره رداً محسوباً على العقوبات الغربية أو بسبب تصريحات بايدن.
قال محللون إن أي رد روسي من المرجح أن يأتي في المجال الدبلوماسي، وتضييق القنوات التي يستخدمها البلدان للتواصل. ففي الأسبوع الماضي، أخطر الكرملين وزارة الخارجية بأنه يتجه لطرد عدد إضافي من الدبلوماسيين الأميركيين في موسكو، في خطوة تدفع البعثة الأميركية هناك إلى الاقتراب من الإغلاق. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، استدعى الكرملين سفير واشنطن جون سوليفان، لتوبيخه بشأن ملاحظة الرئيس الأميركي جو بايدن بوصف نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه «مجرم حرب».
وإذا قررت موسكو طرد الدبلوماسيين الأميركيين المتبقين، فسيكون ذلك بمثابة أكبر خفض دبلوماسي غير مسبوق حتى خلال أسوأ لحظات الحرب الباردة، عندما طرد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين السفير الأميركي جورج كينان في عام 1952 لتشبيهه الظروف في موسكو بما حدث في ألمانيا النازية، ورغم التصريحات اللاذعة حينئذ، ظلت السفارة الأميركية مفتوحة في موسكو.
ولم يتحدث بايدن إلى بوتين منذ أن شن الرئيس الروسي غزوه في الرابع عشر من فبراير (شباط) الماضي؛ كما أن بلينكن لم يتحدث إلى وزير الخارجية سيرجي لافروف، ولم يستطع قادة البنتاغون الوصول إلى نظرائهم الروس، مما أثار مخاوف بشأن سوء التقدير العسكري.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».