«السجن والتشهير»... مصير الحقوقيين والنشطاء السياسيين في ليبيا

بعضهم انتهى في معتقلات سرية أو تم تشويه سمعته بعد إجباره على «اعترافات غير حقيقية»

وزيرة العدل الليبية خلال لقائها النائب العام الصديق الصور في طرابلس الأسبوع الماضي (حكومة الوحدة)
وزيرة العدل الليبية خلال لقائها النائب العام الصديق الصور في طرابلس الأسبوع الماضي (حكومة الوحدة)
TT

«السجن والتشهير»... مصير الحقوقيين والنشطاء السياسيين في ليبيا

وزيرة العدل الليبية خلال لقائها النائب العام الصديق الصور في طرابلس الأسبوع الماضي (حكومة الوحدة)
وزيرة العدل الليبية خلال لقائها النائب العام الصديق الصور في طرابلس الأسبوع الماضي (حكومة الوحدة)

في منتصف فبراير (شباط) الماضي، أطلقت جماعة مسلحة في العاصمة الليبية طرابلس سراح الناشط السياسي الدكتور محمد الرجيلي غومة، وكيل وزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين سابقاً، بعد قرابة ستة أعوام من الخطف قسراً والتنكيل أمضاها في مقار سرية. وقضية غومة، الذي كان يعمل بحكومة علي زيدان، مجرد واحدة من بين عشرات القصص المأساوية، التي قضى أصحابها سنوات طويلة من أعمارهم مغيبين في السجون، خارج إطار القانون لأسباب يتعلق بعضها برصد تجاوزات للميليشيات المسلحة في البلاد، أو التطرق لقضايا انتهاكات حقوق الإنسان في عموم ليبيا.
وسبق أن رصدت تقارير غير حكومية وجمعيات حقوقية محلية وعربية عمليات انتهاكات واسعة، ترتكب بحق نشطاء سياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان انتهى بهم المطاف إمّا في معتقلات سرية، أو تم تعقبهم والتشهير بهم من خلال إجبارهم على «اعترافات» يعتقد أنها «غير حقيقية».
ونهاية الأسبوع الماضي، تحدثت خمس منظمات حقوقية ليبية عن «حملة منهجية» تشنها بعض الأجهزة الأمنية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، أسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن سبعة نشطاء تعسفياً، و«التحريض ضدهم والتشهير بهم» على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفيما قالت منظمة «رصد الجرائم الليبية» لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن «مكان احتجاز المعتقلين غير معلوم حتى الآن»، اتهمت المنظمات الخمس الأجهزة الأمنية في بيانها بـ«ارتكاب مخالفات جسيمة» للقواعد الإجرائية بالقانون الجنائي الليبي، وذلك ببثها «اعترافات» مصورة لبعض المحتجزين «بما يتجاوز الدور المنوط بها».
وأوضحت المنظمات الحقوقية، ومن بينها مركز «مدافع لحقوق الإنسان»، و«رصد الجرائم الليبية»، أن هناك «15 منظمة حقوقية ليبية تدين هذه الجرائم؛ لكنها تخشى الكشف عن أسمائها لأسباب أمنية». وأمام هذه الوقائع، استشعرت مفوضية الأمم المتحدة السامية حقوق الإنسان «القلق» إزاء ما أسمته «تعميق القمع ضد المجتمع المدني»، ودعت السلطات إلى وقف الحملة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً.
وإذا كانت عائلة غومة، المصاب بسرطان الدم، تعرفت على مكان احتجازه لدى «قوات الردع» بعد عام من خطفه في الثامن من يونيو (حزيران) عام 2016. فإن عمليات الاحتجاز قسرياً في ليبيا لا تخضع للقانون، وتتم لأغراض توصف بأنها «تصفية لحسابات سياسية». وقد وثّقت المنظمات ذاتها اعتقال الأجهزة الأمنية أحد النشطاء في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبثت فيديو تضمن «اعترافات» مزعومة له عبر «فيسبوك». وقالت إن أحد الأجهزة الأمنية اعتقل ثلاثة نشطاء في منتصف فبراير (شباط) الماضي، بعد مشاركتهم في مناقشة إحدى القضايا الحقوقية على تطبيق «كلوب هاوس»، وظهر أحدهم بعد أسبوع من اعتقالهم «معترفاً على نفسه» بفيديو مصور، نشرته إحدى صفحات الجهاز الأمني على موقعي «فيسبوك» و«تويتر».
كما اعتقلت الأجهزة ذاتها شاباً ناشطاً يعمل في منظمة دولية تعنى بأوضاع اللاجئين، في 25 من فبراير (شباط) الماضي خلال وجوده في مطار معيتيقة الدولي متوجهاً للمشاركة في ورشة تدريب. وفي 8 من مارس (آذار) الحالي، عرض «الجهاز الأمني» مقطع فيديو للناشط المعتقل، وهو يدلي فيه «باعترافاته» حول نشاطه في المجتمع المدني، وعلاقاته بعدد من النشطاء المنتمين لمنظمات محلية ودولية. كما اعتقل الجهاز الأمني ناشطاً سادساً في 9 من الشهر الحالي.
واعتبرت المنظمات أن اعتقال النشطاء السبعة «يعد احتجازاً تعسفياً عقاباً لهم على ممارسة حقوق أساسية»، نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ مطالبة بإطلاق سراحهم «فوراً ووقف حملة التشهير ضدهم».
ورأت أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت منذ العام الماضي إلى «ساحة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا سيما النساء». بالإضافة إلى «تفاقم معاناة المجتمع المدني من العراقيل القانونية، التي تكبل حرية التنظيم والعمل الأهلي؛ بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى أي واحدة من الحكومات المتعاقبة بعد «الثورة». وقالت دراسة قانونية لمركز «مدافع عن حقوق الإنسان» إنه «يجب أن يتمتع المدافعون عن حقوق الإنسان بحرية التعبير، وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. لكن التشريعات الليبية لا توفر أدنى سبل الحماية لممارسة مثل هذه الحريات... وتفرض قيوداً تعسفيّة لعرقلة ممارسة تلك الحريات، مما زاد من كم الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان بالبلاد». في سياق ذلك، تحدثت منظمة «رصد الجرائم الليبية» عن خطف ستة إعلاميين ومدونين ما بين 19 و20 مارس الحالي في مدينة سرت، وقالت إن مجموعة مسلحة تابعة للقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، لكن الأخير نفى ذلك.
وعلى إثر ذلك، طالبت «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا، الجهات الأمنية والعسكرية في سرت بـ«الكشف عن مصير جميع المخطوفين والمحتجزين قسراً، وإخلاء سبيلهم فوراً دون قيد أو شرط».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».