إذا ما أُريد فهم ما جرى في جلسة مجلس النواب العراقي المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية وإخفاق البرلمان في هذا المسعى، أمس (السبت)، فإن الليلة التي سبقت ذلك يمكن أن تلقي ضوءاً ساطعاً في هذا الاتجاه. فقد تخللت تلك الليلة تكهنات في خصوص «عدد النواب المضمونين» الذين سيحضرون الجلسة أو يقاطعونها، تبعاً لولائهم السياسي، سواء مع التيار الصدري وحلفائه من الكرد والسنة (مع حضور الجلسة) أو جماعات «الإطار التنسيقي» الشيعي مع حلفائه من بعض الكرد والسنة (مع مقاطعتها). وفي هذا الإطار، نشط الصدريون ليلاً وعبر مختلف المنصات الاجتماعية والخبرية في الترويج لفكرة أنهم قادرون على تأمين حضور ثلثي أعضاء البرلمان (220 نائباً) لتمرير انتخاب الرئيس، في مقابل نشاط «قوى الإطار» في التأكيد على مقدرتها على إحباط ذلك عبر حصولها على عدد «الثلث المعطل» من النواب (120 نائباً). ومن الواضح، أن جلسة البرلمان، أمس، سارت لصالح قوى التعطيل.
وبغض النظر عن الجهة السياسية التي كسبت جولة الصراع الأخيرة، فالثابت أن البلاد التي تعاني ضروب المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية خسرت يوماً آخر من عمرها بعد خسارة نحو عقدين من الزمن نتيجة صراع القوى السياسية على النفوذ والمال والسلطة، إذ كان من المفترض وطبقاً للدستور أن ينتهي البرلمان من مسألة اختيار الرئيس قبل نحو شهرين. ومثلما يقول الباحث السياسي يحيى الكبيسي، فإن «الأزمة الحقيقية في العراق تكمن في النظام السياسي نفسه، وفي عجزه عن ضمان الالتزام بالدستور والقانون».
ولعل أبرز ما تخللته أحداث الليلة السابقة هو قضية النواب الذين ادعت القوى السياسية ضمان حضورهم أو عدم حضورهم لجلسة انتخاب الرئيس، حيث أصبح إجمالي الأرقام التي ذكرت تتجاوز العدد الكلي لأعضاء البرلمان (329 عضواً)، ووصل إجمالي الأرقام التي ادعت هذه الكتلة أو تلك امتلاكها إلى نحو 400 عضو.
ومن بين المفارقات الغريبة والمضحكة الأخرى التي شهدتها الليلة السابقة، صور بعض النواب المستقلين الممددين على أسرّة المشافي وهم يدعون تعرضهم لوعكة صحية لتلافي حضور جلسة التصويت بذريعة المرض، وهي مواقف جادل كثيرون بأنها متعمدة ومدفوعة الثمن من قبل قادة الكتل الكبيرة المتنافسة.
صور النواب «المتمارضين» انتشرت انتشار النار في الهشيم في مواقع التواصل وتعرض أصحابها لصنوف الانتقاد والسخرية، وقد قام كثير من المدونين بنشر صورهم وهم على فراش المرض.
صحيح أن الليلة السابقة كانت امتداداً لأسابيع وربما لأشهر وسنوات طويلة من صراع سياسي حاد بين جميع الكتل، شيعة ضد شيعة، سنة ضد سنة، وأكراد ضد أكراد، لكنها كشفت بوقت مبكر ربما عن النتيجة التي آلت إليها جلسة البرلمان الفاشلة والمخيبة أمس.
وإذا كانت القوى السياسية في صدد الدخول في جولة صراع جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية في جلسة الأربعاء المقبل، فإن اتجاهات شعبية غير قليلة لم تعد تعول كثيراً على ذلك، ومع وجود ما بات يعرف بـ«الثلث المعطل» الذي يعني توجيه مسار الأحداث من قبل أقلية نيابية، وصار المزاج الشعبي العام يميل إلى الإحباط وعدم الثقة بالعملية الانتخابية أو على ما تدعيه الكتل والأحزاب السياسية بالنسبة لشعارات اكتراثها بحاضر ومستقبل البلاد وظروف مواطنيها الصعبة.
«الثلث المعطل» ينجح في إحباط انتخاب الرئيس العراقي
ليلة حافلة بالتنافس الحزبي و«الوعكات» انتهت بيوم ضائع من عمر البلاد
«الثلث المعطل» ينجح في إحباط انتخاب الرئيس العراقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة