مراقبون: على واشنطن ألا تتعامل مع روسيا كأنها كوريا الشمالية

يتهمون الغرب بقصر نظر يزيد من فرص مواجهات عسكرية كارثية والعودة إلى الحرب الباردة

الراحل الزعيم الكوري الشمالي مع مادلين أولبرايت خلال زيارة تاريخية لها لبيونغ يانغ عندما حاولت أميركا التعامل مع البلد الشيوعي بتوجه جديد (رويترز)
الراحل الزعيم الكوري الشمالي مع مادلين أولبرايت خلال زيارة تاريخية لها لبيونغ يانغ عندما حاولت أميركا التعامل مع البلد الشيوعي بتوجه جديد (رويترز)
TT

مراقبون: على واشنطن ألا تتعامل مع روسيا كأنها كوريا الشمالية

الراحل الزعيم الكوري الشمالي مع مادلين أولبرايت خلال زيارة تاريخية لها لبيونغ يانغ عندما حاولت أميركا التعامل مع البلد الشيوعي بتوجه جديد (رويترز)
الراحل الزعيم الكوري الشمالي مع مادلين أولبرايت خلال زيارة تاريخية لها لبيونغ يانغ عندما حاولت أميركا التعامل مع البلد الشيوعي بتوجه جديد (رويترز)

هل من قبيل الصواب أن تسعى واشنطن إلى عزل روسيا عن المجتمع الدولي، كما فعلت من قبل مع كوريا الشمالية، وهل تستطيع ذلك؟ وفي تناوله لهذه القضية يقول تيد جالين كاربنتر، الخبير والباحث في مجال دراسات الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد كاتو في واشنطن في تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إنه يبدو أن واشنطن وحلفاءها في الناتو لا يتلفتون للآثار العكسية التي يمكن أن تنجم عن الإجراءات العقابية على الشعب الروسي أو على الاقتصاد العالمي. والأسوأ من ذلك، هو أنه لا يمكن تحديد خط النهاية لاستراتيجيتهما.
في أعقاب انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت إدارة الرئيس الأميركي جهوداً جبارة لحشد حلفائها في أوروبا وشرق آسيا للانضمام إلى حملتها لمعاقبة موسكو، من خلال فرض عقوبات قاسية وشاملة، ناهيك عن تدفق شحنات من الأسلحة المتطورة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أوكرانيا، لدعمها في الدفاع عن أراضيها ضد الغزو الروسي. كما يمارس المسؤولون الأميركيون ضغوطاً على العديد من حكومات العالم للتعاون من أجل شن حرب اقتصادية ضد موسكو. ولكن لم يحاول بايدن، أو أي مسؤول آخر في إدارته، تحديد ماهية «النجاح» في ذلك. ولم يوضح مسؤولو أميركا أو الناتو ما إذا كان سيتم إلغاء العقوبات، أو تخفيفها، حال انسحبت روسيا من أوكرانيا.
ويرى كاربنتر أنه ليس هناك ما يشير إلى أن الحرب الاقتصادية التي يشنها الغرب ضد روسيا ستتوقف، حتى لو توصلت كييف وموسكو إلى اتفاق سلام. بل يبدو أن إدارة بايدن تضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حتى لا يقدم تنازلات. وقد شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، على أن الحرب «أكبر» من روسيا وأوكرانيا. إن ما تنطوي عليه بيانات السياسة الخاصة بأميركا والناتو هي أن النهج العقابي سوف يستمر إلى أجل غير مسمى، ما لم تستسلم روسيا. وفي ظل الاتهام الذي أطلقه مؤخراً الرئيس بايدن على نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه «مجرم حرب»، يبدو من المرجح أن لا شيء سيروي ظمأ الغرب للانتقام سوى الإطاحة ببوتين. ويقول كاربنتر إن هذا الموقف يفتقد للحكمة بقوة، حيث إن الإصرار على استسلام روسيا وإلحاق الخزي بها يضمنان عملياً أن حرب أوكرانيا سوف تستمر، ليسقط المزيد من القتلى من الجانبين. وسيكون لدى الكرملين القليل من الحافز للتوصل إلى حل وسط للسلام حال عدم وجود مكاسب مهمة يمكن تحقيقها.
وفي المقابل، من شأن التعهد باستعادة مكانة روسيا السياسية والدولية بمجرد انتهاء الحرب أن يشجع موسكو على القبول بتسوية، والسعي إلى هدنة في وقت قريب. وهذا أمر صائب، خصوصاً أن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء أبطأ بكثير وأكثر كلفة مما توقعه الزعماء الروس. وإلى جانب الاعتبارات المتعلقة بإنهاء الصراع المأساوي في أوكرانيا على نحو عاجل، غير آجل، هناك سبب قهري يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تبني نهج أكثر مرونة وتصالحاً، مفاده أن اتباع استراتيجية لعزل روسيا اقتصادياً ودبلوماسياً على المدى الطويل، يستنسخ تجربة أميركا الطويلة مع كوريا الشمالية، وهو ما نجمت عنه بالتأكيد نتائج غير مُرضية. ويضيف كاربنتر أن نهج التعامل مع كوريا الشمالية اتسم بقصر النظر، وله نتائج عكسية، حيث إن عزل دولة تسعى تدريجياً، وبنجاح، إلى تطوير ترسانة نووية صغيرة ونظام إيصال فعال، أمر بالغ الخطورة. وتمثل التجارب الأخيرة التي أجرتها بيونغ يانغ لصواريخ تستطيع الوصول إلى الأراضي الأميركية، الدليل الأحدث على أن استراتيجية العزل لا تتسم بالفاعلية. وتطبيق النهج نفسه مع واحدة من الدول الكبرى في العالم، تمتلك بالفعل الآلاف من الأسلحة النووية، سيكون أسوأ بكثير. ومهما بلغ الغضب مبلغه من أميركا وحلفائها، يتعين عليهم عدم التعامل مع روسيا كدولة منبوذة دولياً. والنبأ السار هو أنه يكاد يكون من قبيل اليقين أن حتى القيام بمثل هذه المحاولة، مصيره الفشل. ويتسم رد فعل زعماء الولايات المتحدة والغرب بالاستياء والانزعاج بسبب عدم انضمام دول رئيسية مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، للحملة ضد روسيا. وقد أحجم بعض منهم عن إدانة الغزو الروسي علانية، وعندما يتعلق الأمر بتنفيذ عقوبات فعلية، ستكون المقاومة أكثر قوةً وانتشاراً. ويرى كاربنتر أنه يتعين على زعماء أميركا والناتو الهدوء والعمل على تطوير استراتيجية لإعادة علاقات الغرب مع روسيا إلى الوضع الطبيعي في أقرب فرصة. ومثل هذا التغيير قد يحتاج إلى تخفيف بعض العقوبات، حتى قبل أن تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها. وفوق هذا كله، يتعين على حكومات الدول الأعضاء في حلف الأطلسي أن تبعث برسالة إلى الكرملين مفادها أن استراتيجية الغرب على المدى الطويل لن ترتقي إلى حرب باردة جديدة.
وفي ختام التحليل، يقول كاربنتر إن النهج الحالي لأميركا والغرب، الذي يتسم بقصر النظر والتصادمية لن يسبب خسارة دائمة للاقتصاد العالمي فحسب، بل سيزيد على نحو كبير فرص حدوث مواجهات عسكرية كارثية. وأضاف: «شئنا أم أبينا، روسيا لاعب رئيسي في النظام الدولي، وستظل هكذا... وليس من الممكن أن يتعامل الغرب معها كما يفعل مع كوريا الشمالية».


مقالات ذات صلة

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا ترمب وزيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: ترمب قادر على وقف بوتين

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس إن بمقدور الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أن يحسم نتيجة الحرب المستعرة منذ 34 شهرا مع روسيا،

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)

زيلينسكي: عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب قد يساعد في إنهاء حرب أوكرانيا

اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد يساعد على إنهاء الحرب مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا صورة من مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية 7 نوفمبر 2024 يُظهر جنوداً من الجيش الروسي خلال قتالهم في سودجانسكي بمنطقة كورسك (أ.ب)

روسيا: كبّدنا القوات الأوكرانية خسائر جسيمة على محور كورسك

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، اليوم الخميس، أن الجيش الروسي استهدف القوات المسلحة الأوكرانية بمقاطعة كورسك، وكبّدها خسائر فادحة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

شي لبوتين: الصين وروسيا تتقدمان دائماً يداً بيد

الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
TT

شي لبوتين: الصين وروسيا تتقدمان دائماً يداً بيد

الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، اليوم الثلاثاء، عن الرئيس الصيني شي جينبينغ قوله إن الصين وروسيا تتقدمان دائماً «يداً بيد» على الطريق الصحيح المتمثل في عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث.

وخلال تبادله التهنئة بالعام الجديد مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، قال شي أيضاً إن الثقة المتبادلة والتنسيق الاستراتيجي بين البلدين يواصلان تحقيق مستويات أعلى تحت قيادتهما، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وتعهّد شي جينبينغ بتشجيع «السلام العالمي» في رسالته إلى بوتين. وقال إنه «مهما تغيّر الوضع الدولي، ستظل الصين ثابتة في تعميق الإصلاح الشامل أكثر (...) وتشجيع السلام والتنمية العالميين».