عندما تقف عند قطع أثرية ومخطوطات وخرائط تعود لأكثر من 900 عام، فأنت تستحضر التاريخ وتفاصيله المنقوشة على تلك الأواني والرسومات التي تحكي حقباً زمنية متفاوتة جمعتها دارة الملك عبد العزيز على مدار سنوات ماضية، وتعرضها اليوم لمعرفة المزيد عن تاريخ الحج.
100 تحفة تاريخية وأثرية شملت تفاصيل دقيقة، وكل قطعة منها تحكي جانباً من تاريخ رحلة الحج. وقد شمل ما عرضته «دارة الملك عبد العزيز» أثناء مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج والعمرة، «قناني مياه» تجاوز عمرها 900 عام، وتعود لمطلع القرن السادس الهجري، إضافة إلى قطع لوسائل السقاية للحجاج قديماً، ومؤشرات اتجاهات القبلة صنعت في القرن الثاني عشر، كذلك قنينة مياه محمولة من النحاس منقوش عليها، تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري.
مؤشر لاتجاه القبلة من الخشب به نقوش وصنع في القرن الـ12 الهجري
وأنت تجول بين القطع التاريخيّة، تتلمس منها التفاصيل التي تقبع بين المخطوطات والكتب، تقف مذهولاً وأنت تناظر أقدم مخطوطات الأطلس للمستشرق الهولندي كريستيان سنوك هورخرون يه، والعديد من الصور التي توثق رحلة الحج في عام 1888، ونجاح الدارة في امتلاك النسخة الأصلية، لتشاهد وتشعر بالصلابة والجلد في السفر للوصول إلى مكة المكرمة.
بعد مرورك بهذه الحالة، تجد نفسك تستطلع مجموعة من الخرائط القديمة التي يعود عمرها لعام 1720، تحملك لتعيش تفاصيل رحلة جديدة، وهي رحلة الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة، فتسير بك بالمسارات التي كان الحجاج القادمون من البحر والبر يسلكونها، وآلية عبورها بين الجبال والقرى الموجودة في الجزيرة العربية خلال تلك الحقبة، في أجواء مختلفة من موقع إلى آخر حتى وصولهم إلى مكة المكرمة.
وضمّ المعرض أيضاً، بعض المخطوطات التي كتبها حفيد الشيخ محمد عبد الوهاب عام 1220هـ، إضافة إلى مخطوطات نُسخت في عام 800 للهجرة، وأخرى يتجاوز عمرها 600 عام، وغالبيتها تتحدث عن الحج وقواعده، وهناك بعض المخطوطات التي زُيّنت بـ«ماء الذهب» لقيمتها ولمضمونها.
وعند واجهة المعرض، تُسرد لك قصة المحمل الشامي قبل 200 عام، وكيف كان أهل الشام يفدون إلى الحجاز بحمل امتزجت فيه الألوان، وجودة الحياكة، والتطريز لرسومات وآيات قرآنية، لتكون شاهداً على حقبة زمنية. كما أنّها تحكي صعوبة السفر في تلك السنوات لأداء مناسك الحج.
وما يلفت نظرك شهادات معروضة لأكثر من 150 عاماً، تختلف في مضمونها وهدفها وكانت تُعطى لمن وفد للحج نيابة عن شخص آخر في بلاده، فيحصل عليها كوثيقة تؤكّد لمؤكله أنّه أدّى المناسك عنه، وتحمل الشهادة البيانات الخاصة بالوكيل. يُمكنك أيضاً الاطلاع على أوّل تقرير حكومي كُتب في عام 1365ه، عن حالة الحج والإجراءات المتّبعة.
أمّا جانب المعرض فيتزيّن بالجدار القبلي للمسجد النبوي، وببعض الصور النادرة من أرشيف الدارة ووسائل تنقل الحجاج قديماً، والصعوبات التي كانوا يواجهونها ومخاطر الرحلة في الماضي.
حافظة مياه الشرب من القرن السادس الهجري (تصوير: غازي مهدي)
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال طارق الطريقي، مدير إدارة المجلة في دارة الملك عبد العزيز، والمشرف على المعرض، إنّ الدارة التي يرأس مجلس إدارتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان نائباً لرئيس مجلس الإدارة، هي مؤسسة متخصصة في تاريخ وآداب وتراث السعودية والجزيرة العربية والعالم الإسلامي. وأضاف أنّ مشاركة الدارة في الجناح جاءت بالتعاون مع دار الفنون الإسلامية، بهدف تعريف العموم على تاريخ الحج من خلال أكثر من 100 قطعة ومخطوطة أثرية وأدوات نادرة خاصة بالحج، منها مكتبة الملك عبد العزيز الخاصة، وفيها نوادر عن الحج من الكتب والمخطوطات عن الحرمين، إضافة إلى وثائق خاصة عن الحج تعود لعام 1360هـ وأخرى لعام 1370هـ.
بوصلة من النحاس المنقوش كتابياً (تصوير: غازي مهدي)
وتابع الطريقي قائلاً: هناك مشروع ضخم تقوم به الدارة يتمثل في موسوعة عن تاريخ الحج قبل الإسلام، من نداء سيدنا إبراهيم حتى هذا الوقت. والمشروع على جزأين؛ الأول موسوعة تتكون من 50 مجلداً لرصد جميع أشكال التطور وتاريخ الحج كاملاً، وهو أول رصد في هذا الجانب. فيما يشمل القسم الثاني منه، قاعدة معلومات تحتوي على كل ما يتعلق بالحج والحرمين من «كتب، ومخطوطات، وصور، وأفلام»، وحتى مقتنيات وُضعت في قاعدة معلومات للبحث عنها ومعرفة كل ما يتعلق بالحج.
وأوضح أنّ محتويات المعرض تسرد أدّق التفاصيل عن الحج، ومنها جملة من الصور التي تحكي كيفية السقاية في مكة المكرمة والحصول على ماء زمزم، إضافة إلى صور التنقل بين المشاعر وداخل مكة المكرمة، والهدف منها، هو طرح أكبر معلومات ووثائق عن الحج.