شاشة الناقد

مارك ريلانس في «ذا آوت فيت»
مارك ريلانس في «ذا آوت فيت»
TT

شاشة الناقد

مارك ريلانس في «ذا آوت فيت»
مارك ريلانس في «ذا آوت فيت»

The Outfit
■ إخراج: غراهام مور
■ الولايات المتحدة (2022)
■ دراما عصابات | عروض: مهرجان برلين
ليونارد (الجيد مارك ريلانس) خياط رجالي. لديه محل في أحد شوارع مدينة شيكاغو يعمل فيه وأحياناً ينام فيه كذلك. ولا يبدو أن لديه حياة خاصّة أو عائلية في الوقت الحاضر، بعدما نزح من لندن قبل سنوات. أما سبب النزوح فهو انتشار الجينز. فالخيّاطون لا يتعامل معه، بل يُشترى في كل الأسواق بأسعار زهيدة. في شيكاغو ما زال هناك طالبو السراويل والبذلات، وهو ماهر جداً في عمله.
تساعده فتاة شابّة اسمها مايبل (زووي دوتش) وهي على عكسه، لا ترغب في أن تمضي حياتها في تلك المدينة، بل تتطلع للسفر إلى فرنسا والمغرب وإيطاليا (كما تقول). تقع الأحداث في منتصف الخمسينات، لذلك يبدو أن انتشار الجينز في بريطانيا لم يكن سبباً فعلياً، إذ هي انتشرت في الستينات. ويتوقع المرء أن مهنة الخياطة الرجالية كانت في الخمسينات أكثر رواجاً مما أصبحت عليه لاحقاً. ربما هناك سبب آخر دفع ليونارد للهجرة، بل لا بد أن هناك سبباً يخفيه، فهو بالفعل رجل كتوم.
يسارع المخرج غراهام مور (في أول فيلم من إخراجه بعدما نال الأوسكار سنة 2015 عن سيناريو له بعنوان «لعبة التقليد» The Imitation Game) بدءاً من مطلع الفيلم للتأكيد على أن محل الخياط ليس للخياطة فقط. هناك عصابة «آيرلندية» تتخذ من المحل مركز اتصالات. كل يوم يدخل رجال بمغلفات يسقطونها في صندوق. مفتاح الصندوق مع ريتشي (ديلان أوبرايان) ومعاونه فرنسيس (جوني فلين) اللذين يزوران المحل في آخر النهار لتسلم تلك المغلفات الغامضة. بكلمة أخرى، محل الخياطة هو مركز تجميع. لكن في تلك الليلة يصبح كذلك عيادة، إذ يقتحم ريتشي المكان مصاباً بطلق ناري. تحت تهديد المسدس يقوم الخياط بتخييط الجرح!
هذا كله في أول 16 دقيقة من الفيلم. بعد ذلك هناك انعطافات متتالية. سيناريو الفيلم مبني عليها لخلق التشويق المطلوب. من ناحية هو مكتوب جيّداً بفكرة مثيرة بحد ذاتها، لكن من ناحية أخرى تلك المفارقات المفاجئة لا تولّد شرشرة كافية لدفع المُشاهد لأكثر من حالة ترقب.
يدور الفيلم في موقع واحد، ويبدو محاكاً - بدوره - بعناية الخيّاط! يوظّف ريلانس نظراته وابتساماته وهدوءه ليوحي بما يدور في داخله. هو كل شيء في هذا الفيلم ويستحق أن يكون. لكن الجميع لديهم تلك اللحظات التي تتجلى فيها موهبتهم. ما يساعدهم على ذلك تركيبة مسرحية ناجحة.

النهر
■ وسط ★★
■ إخراج: غسان سلهب
■ لبنان، فرنسا (2021)
■ دراما وجدانية | عروض: مهرجان لوكارنو
يتبدى «النهر»، حين مقارنته بأفلام المخرج اللبناني غسان سلهب السابقة، بأنه الفيلم الأقل نجاحاً في التعبير عن فكرته، خصوصاً حيال الجزأين السابقين من هذه الثلاثية، وهما «الجبل» (2010) و«الوادي» (2014).
«النهر» يريد أن يتحدث عن أشياء كثيرة. عن العاطفة والحب والقرب والبعد والحياة في كنف وضع سياسي نسمعه ولا نراه وعن استمرارية الطبيعة في مقابل ضعف الإنسان. لكن الفيلم كان بحاجة لشيء واحد محدد قد تنبثق عنه الأشياء الأخرى. من بدايته هو عن اثنين لا ثالث لهما (باستثناء لقطة لنادل في مطعم ينظّف طاولة في عمق الشاشة) جالسين أحدهما في مواجهة الآخر، في مطعم فوق جبل. هناك ضجيج لعائلة لا نراها تنسحب بعد قليل تاركة المكان. شخصيتا الفيلم لا تتحدّثان سوى ببضع عبارات تُنطق بلا حوار. يتوجه الرجل (علي سليمان) إلى سيارته وينتظر المرأة (يُمنى مروان) للانضمام إليه. حين لا تفعل، يترك السيارة ويسير بلا اتجاه معيّن بحثاً عنها. يهبط تلالاً ويصعد أخرى وفي الدقيقة الـ19 يظهر عنوان الفيلم من لا مكان. لا يترك هذا الظهور أي أثر فعلي. هو ليس مرتبطاً بتوقيت لا بد منه ولا هو ميزة فنية من أي نوع.
يلتقي الرجل بالمرأة عندما يقف عند حافة صخرة مطلّة على الوادي. تأتيه من الخلف. يسيران حيناً معاً وحيناً منفصلين ثم يصلان إلى أسلاك شائكة. يحملان أغصان شجرة ويبدآن ضرب الأسلاك التي تمنعهما من دخول تلك الأرض. لكن الحاجز ليس أكثر من بضعة أمتار ويمكن لنا رؤية جانب آخر منه بلا أسلاك، ما يجعل ضرب الحاجز توظيفاً للرمز المجسد في تحطيمه من دون رابط ملموس بواقعية التصرّف. الحاجز هو رمز (كأشياء كثيرة في الفيلم)، وحتى يُصبح رمزاً ناجحاً فعليه ألا يكون مباشراً كما نراه.
الرمزية هي أيضاً في شؤون كثيرة هنا، في البرية التي يكتشفانها. في الطائرات الحربية الهادرة فوقهما. في الكلب الذي يتبعهما. في النهر ذاته الذي يصلان إليه في الفصل الأخير من الفيلم. لكن معظم هذه الرمزيات هي حمولة فوق حكاية لا أحداث فيها. هناك جمال في المشاهد المصوّرة. جمال لغزي موظّف جيداً، لكن الغموض يغطي كل شيء، ويبدو أنه مقصود بذاته ولا يفضي إلى مفهوم كبير أو إلى قضية محددة. يبدو المخرج مأخوذاً بفكرة تقديم عمل لا أحداث فيه، بل مفارقات متباعدة. تصوير البطلين من الخلف وهما يسيران لا يؤلّف وجهة نظر، وكثير مما نراه يمر ضمن حالة ترقّب لا تفضي إلى شيء.
تصوير باسم فيّاض جيد، كذلك موسيقى شريف صحناوي. التمثيل محدود غالباً بالنظرات. يبدأ الحوار بين الشخصيّتين في الدقيقة 50 (من 101 دقيقة) قبل العودة إلى مزيد من تأملات ومشاهدات والفرص الضائعة.

ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.