قطيعة بين بنيت ونتنياهو لمخاوف «من الإهانة»

رغم قانون يلزم رئيس الوزراء الاجتماع مع رئيس المعارضة

نتنياهو رئيس الوزراء (يمين) ووزير التعليم نفتالي بنيت في جلسة للحكومة الإسرائيلية عام 2016 (إ.ب.أ)
نتنياهو رئيس الوزراء (يمين) ووزير التعليم نفتالي بنيت في جلسة للحكومة الإسرائيلية عام 2016 (إ.ب.أ)
TT

قطيعة بين بنيت ونتنياهو لمخاوف «من الإهانة»

نتنياهو رئيس الوزراء (يمين) ووزير التعليم نفتالي بنيت في جلسة للحكومة الإسرائيلية عام 2016 (إ.ب.أ)
نتنياهو رئيس الوزراء (يمين) ووزير التعليم نفتالي بنيت في جلسة للحكومة الإسرائيلية عام 2016 (إ.ب.أ)

رغم وجود قانون يلزم رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، بالاجتماع مرة في الشهر مع رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، لاطلاعه على آخر المستجدات السياسية والأمنية الحساسة، لم يعقد أي اجتماع بينهما رغم مرور 10 أشهر على تشكيل الحكومة الجديدة.
وقالت مصادر مقربة من الطرفين، إن كليهما، نتنياهو وبنيت، راضيان عن هذه القطيعة، فرئيس الوزراء لا يتحمس للقائه، كونه كان يعمل رئيسا لمكتبه ويخشى من إساءة، ونتنياهو لا يتحمس خوفاً من أن يظهر كمن يقر بشرعية بنيت رئيساً للحكومة «أن يصعد إلى مكتبه وينتظر الباب ويفسر الأمر كإهانة له».
ولكيلا يبدو الأمر خروجا عن القانون، يحرص بنيت على إرسال سكرتيره العسكري، العميد آفي غيل، للقاء نتنياهو واطلاعه على المعلومات المطلوبة. ولكن هذه القطيعة تثير انتقادات واسعة للرجلين، باعتبار أنهما لا ينجحان في الترفع عن الخلافات والضغينة الشخصية على حساب المستلزمات القانونية والتحديات الأمنية.
وكانت المرة الأخيرة التي تلقى فيها نتنياهو، التحديثات من السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، غيل، يوم 7 مارس (آذار) الجاري، حيث وصل إلى مكتب رئيس المعارضة في الكنيست (البرلمان)، وأطلعه على المواضيع السياسية والأمنية، وخصوصاً موضوع التهديد النووي الإيراني وتطوراته.
يذكر أن نتنياهو لا يتقبل بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي أتت بحكومة بنيت. وهو يعتبره رئيس حكومة غير شرعي، لأنه يقود حزباً فاز بسبعة مقاعد، خسر أحدها وأصبحت ستة. وهذه أول مرة في تاريخ إسرائيل يكون فيها رئيس حكومة يقود حزباً صغيراً إلى هذا الحد، لذا يسعى لإسقاطه بكل قوته، خصوصاً أن استطلاعات الرأي التي نشرت طيلة الشهور العشرة، تشير إلى أن نتنياهو هو الأكثر شعبية بين السياسيين الإسرائيليين، ويرى 51 في المائة من الجمهور أنه الأنسب لرئاسة الحكومة، بينما لا يحظى بنيت بتأييد سوى 10 في المائة من المستطلعة آراؤهم.
ويبني خصوم نتنياهو استراتيجيتهم على التمسك بالحكومة الحالية بأي ثمن، على أمل أن تتم إدانة نتنياهو في المحكمة التي تقاضيه بتهمة الفساد. ولكن المحاكمة تطول. ورغم عقد ثلاث جلسات طويلة لها في كل أسبوع، لا يبدو أنها ستنتهي قبل سنتين، إلا في حال التوصل إلى صفقة بين نتنياهو والنيابة. وترفض النيابة إبرام صفقة كهذه حتى الآن، إلا في حال تضمينها «إدانة مع دمغة عار»، تمنع نتنياهو من العودة إلى الحياة السياسية قبل سبع سنوات.
ورغم التذمر داخل حزب الليكود، وبعض أحزاب اليمين المعارض، من أن إصرار نتنياهو على البقاء في رأس حزبه، يعيق فرصة إسقاط حكومة بنيت، إلا أن قادة أحزابها لا يجرؤون على المطالبة العلنية بالاعتزال.
تجدر الإشارة إلى أن الكنيست أقر في عام 2000 تعديلاً على قانون أساس الكنيست، الذي رسخ منصب رئيس المعارضة في القانون الإسرائيلي، كشخصية رسمية مثل رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وأضيف إليه البند 13 الذي أقر فيه بأن «على رئيس الحكومة أن يستدعي وقت الضرورة، على الأقل مرة في الشهر، رئيس المعارضة، ويقوم باطلاعه على شؤون البلاد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟