الادعاء على جعجع بـ«القتل والحض على الفتنة» يوتّر الأجواء

«القوات اللبنانية» يتّهم «حزب الله» بمحاولة تطيير الانتخابات

سمير جعجع (رويترز)
سمير جعجع (رويترز)
TT

الادعاء على جعجع بـ«القتل والحض على الفتنة» يوتّر الأجواء

سمير جعجع (رويترز)
سمير جعجع (رويترز)

طرأ تطوّر جديد على ملفّ التحقيق في أحداث الطيونة، التي شهدت اشتباكات مسلّحة بين عناصر من «حزب الله» وحركة «أمل» من جهة، وبين مسلّحين من أبناء منطقة عين الرمانة يشتبه بانتمائهم إلى حزب «القوات اللبنانية»، بعد صدور قرار مفاجئ لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، ادعى فيه على رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع بـ«التورّط» بالأحداث المذكورة ونسب إليه جرائم جنائية خطيرة منها القتل وإثارة الفتنة الداخلية، وهو ما أثار استياء حزب «القوات» الذي حمّل «حزب الله» المسؤولية الكاملة عن أحداث الطيونة، واتهمه بـ«توتير الأجواء عشيّة الانتخابات النيابية بهدف تطييرها».
فبعد أكثر من خمسة أشهر على أحداث الطيونة، التي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص من «حزب الله» وحركة «أمل»، ادعى القاضي عقيقي على جعجع ناسباً إليه ارتكابه «جرائم التدخل المباشر بالقتل عمداً وعن سابق تصور وتصميم ومحاولة القتل، وإثارة النعرات الطائفية والحض على الفتنة بين اللبنانيين والاقتتال الداخلي وتعريض السلم الأهلي للخطر، وحيازة أسلحة حربية غير مرخصة واستعمالها في الاشتباكات المسلّحة، والنيل من سلطة الدولة وهيبتها وتخريب ممتلكات عامة وخاصة». وأحال الادعاء على قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان، وطلب منه استجواب جعجع واتخاذ القرار المناسب بحقّه.
هذا الإجراء سبق أن مهّد له القضاء العسكري بعد أسبوع على وقوع الأحداث، إذ أوعز عقيقي آنذاك إلى مخابرات الجيش اللبناني، باستدعاء جعجع إلى وزارة الدفاع واستجوابه كمشتبه به في القضية، لكنّ الأخير لم يمتثل لهذا الاستدعاء، فجرى إبلاغه إياه لصقاً على البوابة الخارجية لمقرّه في معراب (جبل لبنان)، ثم أحيل الملفّ على قاضي التحقيق من دون الادعاء عليه.
مصدر قضائي في المحكمة العسكرية أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن قاضي التحقيق العسكري فادي صوان «تسلّم ورقة الادعاء على جعجع، ويعكف الآن على دراستها والمعطيات التي استند إليها المدعي العام العسكري (عقيقي) تمهيدا لتحديد جلسة لاستجواب جعجع في المحكمة العسكرية»، كاشفاً أن الادعاء «جاء بناء على معطيات جديدة توفّرت، ومعلومات جمعتها الأجهزة الأمنية تنفيذاً للاستنابات القضائية الخاصة بهذا الملفّ».
وعمّا إذا كان استجواب جعجع سيحصل في مقرّ الأخير في معراب لدواعٍ أمنية، ذكّر المصدر القضائي المطلع على خفايا الملفّ، بأن «القانون واضح لهذه الناحية، فقاضي التحقيق يستجوب المدعى عليهم في مكتبه». وقال: «القانون حدد الحالات التي يستجوب فيها قاضي التحقيق خارج مكتبه، وهو رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، ولم يشمل هذا الاستثناء رؤساء الأحزاب».
وينتظر أن يترك توقيت الادعاء على جعجع تداعياته السياسية على الأرض، إذ اعتبر قيادي في «القوات اللبنانية»، أن «إعادة تحريك هذا الملفّ من زاوية الادعاء على الدكتور سمير جعجع له هدف سياسي، خصوصاً أنه يأتي عشية الانتخابات النيابية». وشدد لـ«الشرق الأوسط»، على أن «هذا الإجراء يأتي في سياق التوتير المعتمّد والمتنقل من ملفّ إلى آخر والذي نشهده بشكل شبه يومي في لبنان». وقال المصدر الذي رفض ذكر اسمه «هذا الفريق (حزب الله) يريد توتير الأجواء من أجل تطيير الانتخابات النيابية، وملفّ عين الرمانة ليس ملفاً فارغاً، لأن المتهم الرئيسي فيه هو حزب الله». ورأى أن «هذا القاضي (عقيقي) وغيره، يسعى لحرف الأنظار عن الحقيقة الثابتة والدامغة التي حصلت في غزوة عين الرمانة».
ورفض جعجع اتهام حزبه بالتسبب بقتل الضحايا في الطيونة، وردّ على استدعائه يومذاك للتحقيق أمام مخابرات الجيش، بأنه مستعدّ للمثول أمام أي مرجع قضائي أو أمني، شرط إخضاع المسؤولين في «حزب الله» لهذا التحقيق على قاعدة المعاملة بالمثل. ويشكك حزب «القوات اللبنانية» بحيادية القاضي فادي عقيقي (صهر رئيس مجلس النواب نبيه برّي) وادعاءاته بهذا الملفّ، واعتبر القيادي «القواتي» أن «الادعاء على جعجع غير قانوني، لأن وكلاء الدفاع عن موقوفي أحداث الطيونة تقدّموا في 16 آذار (مارس) الحالي بشكوى أمام التفتيش القضائي بوجه القاضي فادي عقيقي ردّاً على مخالفات متعددة ارتكبها بهذا الملفّ، وأتبعوها بدعوى ردّ (كفّ يد) القاضي عقيقي أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، بسبب الخصومة التي نشأت بين الفريقين». وأضاف: «لقد تهرّب القاضي عقيقي من تبلغ دعوى ردّه، ولازم منزله عن قصد كي يتنصّل من تبلغ طلب دعوى ردّه وذلك عن نيّة مقصودة لعدم رفع يده عن الملف، وقام خلافاً للقانون وأثناء وجوده في منزله بالادعاء على الدكتور سمير جعجع بجرائم جنائية»، معتبراً أن «حزب القوات اللبنانية يرى في هذه الممارسات تدميراً ممنهجاً للقضاء والعدالة، على يد بعض القضاة تنفيذاً لأجندة أطراف سياسية، وعلى وجه التحديد (حزب الله) و(التيار الوطني الحر)، لتصفية حسابات سياسية مع الخصوم».



الجيش الإسرائيلي يعترض باليستياً حوثياً

حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يعترض باليستياً حوثياً

حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، اعتراضَ صاروخ أطلقته الجماعة الحوثية، بعد وقت من دوي صفارات الإنذار في عدد من المناطق وسط إسرائيل إثر رصد إطلاق الصاروخ من اليمن.

وقال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة، في بيان له، إن الجماعة نفذت عملية استهداف لهدف حيوي في منطقة يافا بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين2».

وبينما زعم سريع أن الصاروخ أصاب هدفه بنجاح، أكد بيان الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ خارج المجال الجوي الإسرائيلي.

وتوعد سريع بمضاعفة الجماعة عملياتها العسكرية بالصواريخ والطائرات المسيرة، ضمن ما سماه «نصرة وإسناد المجاهدين في قطاع غزة والضفة الغربية»، وهدد بعدم توقف العمليات العسكرية الموجهة ضد إسرائيل حتى يتوقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عنه.

في سياق متصل، كشفت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية عن تعرض سفينة تجارية لهجوم، قبالة سواحل مدينة عدن اليمنية.

وذكرت الهيئة، في بيان لها، أنها تلقت تقريراً عن حادث على بعد 80 ميلاً بحرياً جنوب مدينة عدن الواقعة على سواحل خليج عدن، دون إيضاح حول ما أصاب السفينة من أضرار أو خسائر بشرية أو مادية بسبب الهجوم.

وأكدت الهيئة أن «السلطات تقوم بالتحقيق حول الحادثة»، داعية السفن إلى المرور بحذر، والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.

تعهدات بالتصعيد

منذ اندلاع الحرب في غزة قبل أكثر من عام، شنت الجماعة المدعومة من إيران هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة على إسرائيل، كما باشرت هجماتها في البحر باختطاف سفينة زعمت تبعيتها لجهات إسرائيلية، لتواصل بعدها تنفيذ هجمات بالطائرات والزوارق المسيرة والصواريخ البالستية مستهدفة السفن وحركة الملاحة في البحر، ضمن ما تقول إنه تضامن مع الفلسطينيين، وانتصار لمظلوميتهم.

وتأتي هاتان الحادثتان بعد أيام من تعهدات أطلقها زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي باستمرار دعم «حزب الله» اللبناني وقطاع غزة، واستمرار العمليات العسكرية «بالصواريخ والمسيّرات» ضد إسرائيل، وتهديده بتصعيد الهجمات، برغم وقف إطلاق النار بين الحزب اللبناني والجيش الإسرائيلي.

مجسم طائرة بدون طيار خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل نظمتها الجماعة الحوثية في صنعاء منذ شهرين (إ.ب.أ)

وساهمت الهجمات الحوثية على إسرائيل، وفي البحر الأحمر، بتصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، مثيرة المزيد من المخاوف من تأثيرات الهجمات العابرة للحدود على الاستقرار في المنطقة.

وتعدّ الهجمات الإسرائيلية على مواقع الجماعة الحوثية أحد الردود العسكرية على الجماعة الحوثية، ضمن تحركات دولية عديدة، أهمها تشكيل «تحالف الازدهار» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، الذي أُعلن قبل نهاية العام الفائت بنحو أسبوعين.

ورد الجيش الإسرائيلي على هجمات الجماعة الحوثية بغارات جوية، مرتين؛ الأولى في يوليو (تموز) والثانية في سبتمبر (أيلول) الماضيين، استهدف خلالهما مواقع ومنشآت حيوية في مدينة الحديدة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية على الساحل الغربي لليمن.

وتسبب الهجومان الإسرائيليان بدمار في منشآت تابعة لميناء الحديدة واحتراق خزانات وقود وتدمير محطتين للكهرباء.

حريق ضخم في خزانات الوقود جوار ميناء الحديدة اليمني بعد ضربات إسرائيلية في يوليو الماضي (أ.ف.ب)

ورد الجيش الإسرائيلي في الهجوم الأول في يوليو على وصول طائرة مسيرة حوثية إلى تل أبيب، وتسببها بمقتل شخص وإصابة آخرين، أما الهجوم الثاني في سبتمبر فكان رداً على وصول صاروخ حوثي إلى مناطق وسط إسرائيل، وتسببه بحرائق في مناطق غير مأهولة حسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي نفسه.

مخاوف من التصعيد

تزامن الهجوم الصاروخي الحوثي في سبتمبر 2024، والرد عليه، مع بداية التصعيد بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» اللبناني، واغتيال عدد كبير من قادة الحزب، بينهم أمينه العام حسن نصر الله، واستهداف مواقع ومنشآت تابعة له في الجنوب اللبناني.

وأثارت الهجمات المتبادلة بين الجماعة الحوثية وإسرائيل مخاوف من احتمال توسع المواجهات والتصعيد غير المحدود، ما يهدد بمزيد من تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن.

ويتوقع خبراء وباحثون سياسيون واقتصاديون، استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم في وقت سابق، أن تسعى الجماعة الحوثية إلى الاستفادة من الضربات التي تعرض لها «حزب الله» اللبناني، لتحويل نفسها إلى أهم ذراع لما يُسمى «محور الممانعة» الذي تتزعمه إيران، ويمثل «حزب الله» رأس الحربة فيه.

مخاوف يمنية من نتائج كارثية على البلاد جراء التصعيد الحوثي مع إسرائيل (رويترز)

ويتهم اليمنيون الجماعة الحوثية باستخدام العدوان الإسرائيلي على غزة ذريعةً للتهرب من جهود السلام في البلاد، ومن مطالب تحسين الأوضاع المعيشية، ودفع رواتب الموظفين العموميين التي أوقفتها منذ ما يزيد عن 8 أعوام.

وقُوبلت الهجمات الإسرائيلية على مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بتنديد إقليمي ودولي، خصوصاً وأنها استهدفت منشآت حيوية في البلد الذي يعاني من حرب طويلة أدخلتها في أزمة إنسانية معقدة، ولم يتبين أن تلك الهجمات أثرت على القدرات العسكرية للجماعة الحوثية.

ويعود آخر هجوم بحري حوثي، قبل هجوم الأحد، إلى 21 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، واستهدف سفينة قبالة سواحل عدن اليمنية بـ12 قارباً صغيراً.

وأصدرت الجماعة الحوثية حينها بياناً حول استهداف سفينة تجارية أثناء مرورها في البحر الأحمر، بعدد من الصواريخ الباليستية والصواريخ البحرية.

أكثر من 200 سفينة يقول الحوثيون إنهم استهدفوها خلال عام (أ.ف.ب)

وخلال الشهر ذاته أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية تعرض عدد من السفن التجارية لهجمات عسكرية بالصواريخ والقذائف والطيران المسيّر، قبالة سواحل الحديدة والمخا وعدن بالبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وذلك بعد أيام من إعلان الجماعة الحوثية مسؤوليتها عن استهداف 3 سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

وفي إحصائية خاصة بها، تقول الجماعة إنها استهدفت خلال عام منذ أولى هجماتها أكثر من 200 سفينة.

ويواصل «تحالف الازدهار» توجيه ضرباته على مواقع تابعة للجماعة الحوثية التي تفيد المعلومات بأنها لجأت إلى إخفاء أسلحتها ومعداتها العسكرية في مخابئ جديدة في الجبال والكهوف.