لبنان: اتجاه إلى تسوية لاحتواء التوتر بين القضاء والمصارف

تزامناً مع ترقب تسريع إقرار قانون تقييد الرساميل والتحويلات

TT

لبنان: اتجاه إلى تسوية لاحتواء التوتر بين القضاء والمصارف

تترقب الأوساط المالية باهتمام بالغ إمكانية نضوج حلول عملية، تتخذ صيغة تسوية وشيكة ومتوازنة تهدف إلى تصويب النزاع القضائي مع الجهاز المصرفي وكبح مسببات التوتر بين الطرفين، بما يَحول دون خطوات تصعيدية متقابلة، بعدما أظهر الإضراب التحذيري الذي نفّذته المصارف ليومين متتاليين مطلع هذا الأسبوع، ارتفاعاً استثنائياً في مستوى المخاطر السوقية وعودة المضاربات الساخنة على سعر الليرة التي انخفضت مجدداً لتقترب من عتبة 25 ألف ليرة للدولار الواحد.
وبالتزامن، ترصد الأوساط عينها تسريع مسار مشروع قانون تقييد الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول)، بحيث تعمد الحكومة إلى استخلاص الصياغة النهائية المتضمنة ملاحظات صندوق النقد الدولي، وإحالته بصيغة مشروع قانون معجل مكرر إلى المجلس النيابي. علماً بأن هامش الوقت المتاح لإقراره يضيق تلقائياً بسبب قرب حلول شهر رمضان وبعده الانتخابات النيابية للمجلس الجديد في منتصف شهر مايو (أيار) المقبل.
وأكد مسؤول مصرفي معنيّ لـ«الشرق الأوسط»، أن معلومات متطابقة تلقاها أركان القطاع المالي وبعض المكاتب القانونية في أكبر البنوك تتفق على استنتاج تقدم المساعي بشأن بلورة صيغة مُرضية لكل الأطراف ذات العلاقة بالنزاع القضائي المتفجر مع عدد من المصارف الكبرى. وثمة إشارات إلى أن التسوية أو المعالجة، التي تجري بتدخل حكومي على أعلى المستويات معززاً بجهود موازية لقيادات مصرفية كبيرة، تقوم على اقتراحات متقاربة بينها إنشاء لجنة أو هيئة مشتركة تنظر في تحديد مرجعية قضائية مختصة حصراً بقضايا القطاع المالي والنظر في الشكاوى، مع أولويات مراعاة تامة لأصول التقاضي وموجبات التحفظ.
ويرجّح أن تشمل التوجهات في هذا النطاق، قضية النزاع القضائي المستمر مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بهدف اعتماد مسار يضمن تواصل انسياب التحقيقات الجارية، إنما يعزلها تماماً عن أي خلفيات سياسية أو شعبوية ويحصر تداولها بين الطرفين، ريثما تتضح صدقية الاتهامات، لا سيما بعدما تيقن الجميع من حجم الضرر الذي يصيب المبادلات النقدية ومؤسسات القطاع المالي ككل. كما يتمدد بالأذى إلى التعاملات المالية والمصرفية عبر الحدود، منذراً بانزلاق خطر صوب الإضرار بشبكة العلاقات مع البنوك العالمية المراسلة، والتي تقلصت فعلياً إلى عدد محدود بفعل ارتفاع حدة المخاطر العامة وتعميق حال «عدم اليقين» جراء التدهور المستمر وانحسار الثقة على مدار 30 شهراً متتالياً.
وفي المقابل، جزم نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، بأن «العمل جارٍ على تعديل صيغة قانون الكابيتال كونترول المطروح على مجلس النواب مع الأخذ بملاحظات صندوق النقد الدولي». مشيراً إلى أن «المفاوضات في هذا الشأن بلغت المرحلة النهائية كي يُطرح على مجلس النواب في أسرع وقت ممكن». كما لفت إلى أن «صندوق النقد يفضّل اعتماد صيغة مرنة في القانون بالنسبة إلى سقف السحوبات، أي عدم تحديد قيمة سحب معينة في القانون، بل إناطة صلاحية تحديد الرقم بهيئة حكومية تشكَّل لهذه الغاية».
ورأى المسؤول المصرفي أن دقة الظروف التي تمر بها البلاد والحساسيات البالغة المتصلة بالشؤون النقدية والمصرفية توجب على السلطات السياسية والقضائية والنقدية التوافق على إنشاء مظلة قانونية متكاملة تؤمّن تحصين الموجودات المالية المتبقية لدى البنك المركزي والجهاز المصرفي، بهدف حماية حقوق المودعين وتأمين استمرار التدفقات النقدية بمنأى عن نزاعات تتسم غالباً بالشعبوية وتولّد عوامل إرباك وضغوطاً إضافية على سعر العملة الوطنية المتدهور أساساً، وعلى التدابير المصرفية لتوزيعات السيولة النقدية التي تخضع بدورها للتدفقات التي يديرها البنك المركزي.
وفي تبسيط لجانب من المشكلات الشائكة التي ترافق تضييق هوامش السيولة بغية توسعة التوزيعات على العدد الأكبر من المستفيدين، يستغرب المسؤول «الغبطة» العارمة التي يُظهرها بعض القضاة وفئات من أصحاب الحقوق وجمعياتهم، عند صدور أي حكم في الداخل أو في الخارج يُلزم مصرفاً ما بدفع كامل مبالغ وديعة أو استثمار لعميل كبير يستطيع تحمل أتعاب المحامين ومقاضاة مصرفه.
فواقع الأمر، حسب التوضيح، أن التسديد القسري لأي مبالغ إنما يتم من المخزون المتاح لكامل فئات المودعين. وبالتالي فهو يؤثر تلقائياً على مبالغ الأموال السائلة التي يتم صرفها سواء عبر الحصص الشهرية أو من خلال الالتزام بمندرجات التعميم رقم 161 الذي يتيح للمستفيدين منه الحصول على 800 دولار شهرياً، موزعةً مناصفةً بين دولارات نقدية وتصريف بالليرة على سعر 12 ألف ليرة لكل دولار. وكمثال صريح، فإن إلزام مصرفين لبنانيين أخيراً بسداد نحو 4 ملايين دولار لمودع واحد، بموجب حكم صادر عن محكمة بريطانية، يوازي عملياً الحصة الشهرية (400 دولار) لنحو 10 آلاف مودع.
وفي الجانب الموازي، بيّنت جمعية المصارف التناقض الواضح في بعض المقاربات القضائية والتي أدت أخيراً إلى إقفال قسري لعدة أيام لأحد المصارف الكبرى (فرنسبنك) بذريعة رفض اعتبار الشيك وسيلة إبرائية للدفع لصالح مودع تقدم بشكوى للحصول على وديعته كاملة.
ذلك أن قرارات معاكسة تُلزم البنوك بقبول الشيك في حال قيام العميل بسداد دين قائم. كما أن قرارات نقدية وقضائية أتاحت سداد ديون محررة بالدولار بسعر الصرف الرسمي البالغ 1515 ليرة لكل دولار، بينما يحصل العميل عينه على وديعته المحررة بالعملات الصعبة بالدولار النقدي أو بسعر 8 آلاف و12 ألف ليرة للدولار الواحد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».