قوات الحشد الشعبي تستولي على بلدة محاددة للسعودية

مجلس محافظة الأنبار يستنكر قرار محافظة كربلاء بضم «النخيب» إليها

قوات الحشد الشعبي تدخل بلدة النخيب أمس («الشرق الأوسط»)
قوات الحشد الشعبي تدخل بلدة النخيب أمس («الشرق الأوسط»)
TT

قوات الحشد الشعبي تستولي على بلدة محاددة للسعودية

قوات الحشد الشعبي تدخل بلدة النخيب أمس («الشرق الأوسط»)
قوات الحشد الشعبي تدخل بلدة النخيب أمس («الشرق الأوسط»)

تصاعدت حدة الخلافات بين زعامات سياسية وعشائرية عراقية بعد دخول قوات من الحشد الشعبي الشيعي مدينة النخيب الصحراوية الحدودية مع المملكة العربية السعودية، التي تعد ربع المساحة الكلية لمحافظة الأنبار كبرى محافظات العراق، والتي ترتبط بشكل مباشر مع ثلاث دول عربية هي السعودية والأردن وسوريا.
مجلس محافظة الأنبار كشف عن أن قوات كبيرة من الحشد الشعبي دخلت إلى النخيب قادمة من كربلاء، وفيما أعرب المجلس عن استغرابه من ذلك، فقد طالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بسحب هذه القوة، كون الناحية مؤمنة بالكامل.
وقال طه عبد الغني عضو مجلس محافظة الأنبار لـ«الشرق الأوسط» إن «ناحية النخيب التي هي ضمن الإدارة المحلية لمحافظة الأنبار، والتي تربط الأنبار بكربلاء، مؤمنة بالكامل وتحت سيطرة قوات الجيش والشرطة والأمن الوطني وبقية القيادات الأمنية الأخرى، وإن جميع الدوائر فيها تعمل بصورة طبيعية ولم يدخل إليها مسلحو تنظيم داعش». وأضاف: «تفاجأنا بخبر دخول قوات كبيرة من الحشد الشعبي قادمة من محافظة كربلاء إلى ناحية النخيب وتمركزهم فيها دون علم مجلس الأنبار والحكومة المحلية، وهذه عملية استيلاء ليس إلا».
وأشار عبد الغني إلى أن «مجلس الأنبار طالب رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بإصدار أمر بسحب قوات الحشد الشعبي من ناحية النخيب وإعادتهم إلى كربلاء»، لافتا إلى أن «الناحية لا تحتاج إلى وجود قوات الحشد فيها».
وكان مجلس محافظة كربلاء طالب في العام 2010 باستعادة «ناحيتي النخيب والرحالية التابعتين حاليًا إلى محافظة الأنبار، بموجب المادة 140 من الدستور العراقي، باعتبارهما تابعتين لقضاء عين التمر في محافظة كربلاء».
في غضون ذلك، استنكر المجلس المركزي لشيوخ عشائر العراق دخول قوات الحشد الشعبي لقضاء النخيب، أول من أمس، على الرغم من كونه من الأماكن الآمنة التابعة لمحافظة الأنبار، التي تخلو من وجود تنظيم داعش بحسب شيوخ عشائر في المركز الوطني.
وقال الشيخ رافع الفهداوي شيخ عشيرة البوفهد في محافظة الأنبار لـ«الشرق الأوسط» إن «دخول قوات الحشد الشعبي إلى هذا القضاء قد تكون له عواقب لا يحمد عقباها»، لا سيما أنه من المناطق الحدودية المحاذية للملكة العربية السعودية، ونستغرب إقدام قوات الحشد الشعبي على دخولها لقضاء النخيب دون علم مجلس محافظة الأنبار، ودون التنسيق مع الحكومة المركزية ودون علم العشائر الموجودة في قضاء النخيب.
وفي سياق متصل، قال محافظ الأنبار صهيب الراوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا نرضى أبدًا بالتجاوز على شبر واحد من أرض الأنبار كما لا نقبل نحن أن نتجاوز على الحدود الإدارية لبقية محافظات العراق»، وأضاف: «بعد حادثة دخول قوات من الحشد الشعبي إلى مدينة النخيب اجتمعتُ مع رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، وأبلغته أن عشائر الأنبار ترفض هذا الوجود، خصوصًا أن مدينة النخيب تتمتع باستقرار أمني ولم يدخلها إطلاقا مسلحو تنظيم داعش، وقرر العبادي، بعد ذلك، إلغاء قرار إناطة الملف الأمني لمدينة النخيب بقيادة عمليات الفرات الأوسط وإعادته إلى قيادة عمليات الأنبار».
وتابع الراوي: «قيادة عمليات الجزيرة والبادية هي من تمسك الأرض لقضاء النخيب وملفها الأمني، وهناك انتشار واسع من قبل القطعات العسكرية التابعة لقيادة عمليات الجزيرة والبادية وقوات من الشرطة المحلية في محافظة الأنبار موجودة في القضاء».
عضو مجلس شيوخ الأنبار الشيخ سعدون جواد الحلبوسي قال في تصريح صحافي إن «قوة تابعة لميليشيا (لواء قاصم الجبارين)، مجهزة بآليات ثقيلة تمركزت في ناحية النخيب التابعة لمحافظة الأنبار، التي كان التحالف الوطني يطالب بها منذ عدة سنوات».
وأضاف: «استغلت الميليشيا الشيعية الوضع المضطرب في محافظة الأنبار، واستولت على ربع مساحتها، وألحقتها بمحافظة كربلاء، وكانت هذه الخطوة منسجمة مع توجيه صادر من مكتب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بسحب المسؤولية الأمنية لمنطقة النخيب من القطعات العسكرية التابعة للأنبار، وتحويلها إلى القيادة الأمنية في محافظة كربلاء».
ولفت الحلبوسي إلى أن «سكان ناحية النخيب هم جميعًا من العشائر السنية، وتعرضوا خلال الفترة الماضية إلى غارات متكررة قامت بها القوات الأمنية والميليشيات الشيعية، في محاولة لإجبارهم على ترك المنطقة، وتمهيدا لاستبدال عوائل تم استقدامهم من محافظة كربلاء بهم».
ويرى مراقبون في الشأن السياسي العراقي أن تحويل النخيب من منطقة سنية إلى شيعية يأتي منسجما تماما مع خطوات مماثلة تم تنفيذها في عدد من المحافظات العراقية تحت ستار محاربة تنظيم داعش، وأن مناطق كاملة في محافظات بابل وديالى وصلاح الدين وكركوك، شملها هذا السيناريو، فضلا عن العاصمة بغداد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.