أجرة النقل العام تقصم «ظهر» اللبنانيين

رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس (المركزية)
رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس (المركزية)
TT

أجرة النقل العام تقصم «ظهر» اللبنانيين

رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس (المركزية)
رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس (المركزية)

تتوجه الشابة اللبنانية غنى من منزلها الكائن في منطقة الطريق الجديدة البيروتية إلى مكان عملها في فردان القريبة منها سيرا على الأقدام منذ حوالي الأسبوعين، بعدما أصبحت «أجرة التاكسي تقصم الظهر»، حسبما تعبر لـ«الشرق الأوسط».
وتقول الفتاة العشرينية التي تعمل في قسم المبيعات في أحد المراكز التجارية الكبيرة لدفع مصاريفها الجامعية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، إنها لا تملك سيارة خاصة، واعتادت أن تستقل سيارة أجرة ثلاث مرات في اليوم بالحد الأدنى، بتكلفة تتراوح بين 25 ألف ليرة لبنانية (دولار و10 سنتات تقريبا على سعر السوق السوداء) للتوصيلة القريبة، و«سرفيسين» أي ضعف المبلغ في حال كانت المسافة بعيدة نسبيا.
لكن مع ارتفاع أسعار المحروقات ارتفعت أجرة النقل العام. وتشير غنى إلى أن التوصيلة الواحدة أصبحت تتراوح بين 35 و40 ألف ليرة لبنانية (حوالي دولارين) بالحد الأدنى داخل بيروت، وتقول: «طلب سائق التاكسي مبلغ 60 ألف ليرة (نحو ثلاثة دولارات) أجرة التوصيل من منطقة الطريق الجديدة إلى الجامعة في الحدث أي 120 ألف ليرة ذهابا وإيابا! ما يعادل 2.4 مليون ليرة (110 دولارات) في الشهر! فهل من المنطق أن أدفع راتبي لقاء بدل النقل!». وأقر مجلس الوزراء اللبناني في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي رفع بدل النقل اليومي إلى 65 ألف ليرة للقطاع الخاص، بعدما كانت 24 ألف ليرة سابقاً. إلا أن هذه الزيادة تآكلت كسابقتها بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وأعادت اللبنانيين إلى المربع الأول مكبدة إياهم مبالغ إضافية للتنقل بسياراتهم الخاصة أو بالسيارات العمومية.
وقلصت غنى اعتمادها على سيارات الأجرة وأصبحت تقضي معظم تحركاتها سيرا على الأقدام «في البرد القارس الذي ضرب لبنان مؤخرا»، أو تستقل أحد الباصات الصغيرة للذهاب إلى الجامعة لتوفير ما يمكن توفيره من تكاليف النقل الهائلة، وفقا لها.
وفاقمت الأزمة الأوكرانية - الروسية وارتفاع أسعار المحروقات عالميا من أثقال اللبنانيين وانعكست على العديد من مفاصل حياتهم اليومية بدءاً بالأمن الغذائي مرورا بارتفاع ساعات تقنين المولدات الكهربائية وصولا إلى ارتفاع تكلفة النقل للسيارات الخاصة والعمومية.
والأسبوع الماضي، وصل سعر صفيحة البنزين في لبنان إلى رقم قياسي بلغ 463 ألف ليرة لبنانية، ليعود وينخفض بعدها تدريجيا وصولا إلى 420 ألف ليرة.
ويؤكد رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان بسام طليس لـ«الشرق الأوسط» أن «تعريفة الـ40 ألف ليرة التي يطلبها السائقون العموميون منطقية جدا بالحسابات الرقمية، نظرا لارتفاع سعر صفيحة البنزين واقترابها من الـ500 ألف ليرة، ناهيك بارتفاع تكلفة قطع الغيار وصيانة السيارات التي تسعر بالدولار إضافة إلى تكلفة معيشة السائق»، مشيرا إلى أن «السائقين لا يمكنهم انتظار موضوع تعديل التعريفة الرسمية وهم يقومون بما يجب عليهم القيام به للاستمرار».
ولم يصدر أي تعديل على سعر تعريفة النقل العام من قبل وزارة النقل والأشغال العامة اللبنانية، ويقول طليس: «الحل ليس عند النقابات التي قامت بما عليها، وقدمت الاقتراحات اللازمة التي وافقت عليها الحكومة وموضوع التعريفة وضبط الأسعار يقع على عاتق وزارة النقل».
وعن الاتفاق مع الحكومة اللبنانية والذي يرمي إلى دعم السائقين العموميين، يأسف طليس لعدم حصول أي مستجدات في هذا الملف، موضحا أن «الاتفاق مع الحكومة تم في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، واليوم أصبحنا في منتصف الشهر الثالث من العام 2022 ولم يحصل أي شيء عملياً».
ويضيف «الحكومة شكلت لجنة وزارية في 2 فبراير (شباط) الماضي للبحث في موضوع الاتفاق ومشاكل النقل، ولكن للأسف لم تجتمع حتى الآن».
وينسحب ارتفاع سعر صفيحة البنزين على خدمات توصيل الطلبات، التي بدورها سارعت إلى رفع التعريفة. وفي لبنان العديد من صفحات خدمات التوصيل التي تعطي الزبائن خيارات متعددة لوسائل التوصيل (بالسيارة أو بالدراجة النارية) وطرق الدفع (نقدا أو بالبطاقة) والتي باتت ملجأ العديد من اللبنانيين مع بداية انتشار وباء «كورونا» والحجر العام واستمرت مع وقوع أزمة المحروقات في لبنان وارتفاع أسعارها.
ويوضح إبراهيم، وهو عامل «دليفري» على إحدى تلك الصفحات، أن «ارتفاع تكلفة البنزين أجبر العاملين في خدمة التوصيل على رفع التكلفة، إذ كان عامل (الدليفري) يملأ خزان الوقود في دراجته النارية بتكلفة توصيل طلبية ونصف في السابق، أما الآن فيحتاج إلى استخدام بدل أتعاب ثلاث توصيلات ليتمكن من ملئه».
ويقول: «التوصيلة القريبة أصبحت لا تقل عن 40 ألف ليرة لبنانية، أما في السابق فكانت لا تزيد على 25 ألفا ضمن نطاق بيروت، وقد ترتفع أكثر في حال شهدنا ارتفاعا إضافيا في أسعار المحروقات».
إضافة إلى صفحات التوصيل تلك، تقدم العديد من المحال التجارية والسوبر ماركت والدكاكين والمطاعم خدمة التوصيل لزبائنها مع إضافة تكلفة التوصيل على الفاتورة.
وتفاجأت ربة المنزل سيرين التي اعتادت طلب حاجاتها عبر الهاتف، من بدل خدمة التوصيل التي أضافها بائع الخضار على الفاتورة، حسبما تخبر «الشرق الأوسط»، وتشرح أن «فاتورة طلبية الخضار كانت 70 ألف ليرة لبنانية يضاف إليها بدل خدمة التوصيل التي بلغت 35 ألفا! أي نصف الفاتورة!»، وتقول: «أحيانا أحتاج إلى إجراء أكثر من طلبية من أكثر من مكان خصوصا أنني لا أملك سيارة... فهل من المنطق أن نضع ميزانية للدليفري؟!».
وبحسبها «أصبح من المستحيل الطلب بشكل يومي بسبب ارتفاع تكلفة التوصيل، كما أنه من الصعب حصر الطلبيات مرة في الأسبوع وحفظ الأطعمة في البراد بسبب ساعات التقنين الطويلة والتي تؤدي إلى تلفها... ما الحل؟».
وتضيف: «أصبحت أسأل عن تكلفة التوصيل قبل إجراء الطلبية».



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».