«ذاكرة الحجر»... يعيد استكشاف أطلال القاهرة التاريخية

تسجيلي قصير يسلط الضوء على مواقع تراثية نابضة بالحياة

الملصق الدعائي لفيلم «ذاكرة الحجر... الأطلال الحيّة في ثنايا المدينة»
الملصق الدعائي لفيلم «ذاكرة الحجر... الأطلال الحيّة في ثنايا المدينة»
TT

«ذاكرة الحجر»... يعيد استكشاف أطلال القاهرة التاريخية

الملصق الدعائي لفيلم «ذاكرة الحجر... الأطلال الحيّة في ثنايا المدينة»
الملصق الدعائي لفيلم «ذاكرة الحجر... الأطلال الحيّة في ثنايا المدينة»

«لك يا ذا العزيز قاعة حسن هي في مصر جنة القاعات... صانها الله من حسود ودامت بك مأوى العلياء واللذات... من يشاهد إشراقها قال أرخ أنها قاعة من الجنات»؛ أبيات حفرت بين أطلال قصر «المسافر خانة» في القاهرة الفاطمية، تلتقطها عدسة المخرجين زيزو عبده وجمال زكي، عارضين إياها في أحد مشاهد فيلمها الوثائقي القصير «ذاكرة الحجر... الأطلال الحية في ثنايا المدينة».
شارك مشروع الفيلم، قبل أيام، ضمن مهرجان «3031 للفنون المعاصرة»، الذي ينظمه مركز «درب 1718» بالقاهرة، كتجربة فنية جديدة لتوثيق الأثر كتابةً وصوتا بأسلوب عصري. كما عرض قبل أسابيع قليلة ضمن فعاليات مهرجان «القاهرة للفيلم القصير» في دورته الثالثة، أهله لذلك سرده وإحياؤه لبؤرة جغرافية مهمة في حي الجمالية التاريخي.
ففي 18 دقيقة ينتقل الفيلم عبر الأزمنة، محاولاً التعرف على شخصية المكان وذاكرة الحجر، بين أطلال حية متبقية وأحياء لا تزال تنبض بالحياة، حيث يعد المكان هو بطل الحكاية، باحثاً عن التفاصيل الباقية لـ3 أماكن في الحي العريق، هي «المسافر خانة»، «درب المسمط» و«درب الطبلاوي».

أحداث الفيلم، يأخذنا خلالها مخرجه زيزو عبده، وهو باحث أثري ومؤسس المبادرة المجتمعية «سيرة القاهرة» للحفاظ على تراث العاصمة، في رحلة برفقة الدكتور مصطفى الصادق أحد المهتمين بالتراث، محاكياً فيها تجربة الكاتب والروائي الراحل جمال الغيطاني، صاحب التجربة التلفزيونية الشهيرة التي كان يتجول خلالها في شوارع القاهرة وأزقتها، سارداً تاريخها الممزوج بالحكايات الشعبية، لذا جاء الفيلم إهداءً للراحل، ومتجولاً في مسقط رأسه «حارة الطبلاوي».
عن فكرة الفيلم، يقول عبده، لـ«الشرق الأوسط»: «قدمنا من خلال مبادرة (سيرة القاهرة) في شهر رمضان الماضي سلسلة حلقات وثائقية قصيرة لتسليط الضوء على بعض التفاصيل في حواري وأزقة القاهرة التاريخية عبر سرد فني لتاريخ الحارة ومعالمها التراثية، ومع ما لمسناه مع عرضها من تفاعل كبير معها، فكرنا في تنفيذ فيلم بمساحة زمنية أطول، نستطيع من خلاله تقديم عرض بصري أكبر، بعد أن لمسنا أن المواد البصرية أسهل وسيلة عصرية يلجأ الجمهور إليها وتحفر في عقله، وهي بديل فعال عن حضور المحاضرات التراثية، فليس كل الناس لديهم الوقت لحضورها، أو لديها الوقت الذي يسمح لها بالنزول لزيارة المكان أو حتى القراءة عنه، لذا كان قرارنا أن الفيلم هو الوسيلة الأفضل للتعريف بتراث القاهرة».
اختار فريق الفيلم أن يدور مضمونه حول 3 قصص عن 3 أماكن تمثل جزءا مهما من تراث القاهرة، وأبرزها يدور حول البحث عن التفاصيل الباقية لقصر (المسافر الخانة)، أزهى قصور القاهرة، الذي بناه شاهبندر تجار مصر، محمود محرم (بين عامي 1193هـ/ 1779م و1203هـ/ 1788م)، وولد فيه الخديوي إسماعيل، وظل يؤدي دوره كبيئة حاضنة لأعلام الفن التشكيلي المصري إلى أن نال منه حريق ضخم في نهاية تسعينات القرن الماضي، ليصبح أطلالا منذ هذا الوقت، ومن موقع القصر يعرج الفيلم إلى الدروب المؤدية لأطلاله، متنقلا عبر الأزمنة للغوص في ثناياها، حيث الدخول إلى المسافر خانة من درب الطبلاوي، من حيث اعتاد الراحل جمال الغيطاني الولوج إليها.

«لماذا الغيطاني؟»، سؤال يجيب عليه مخرج الفيلم قائلاً: «الروائي الراحل هو صاحب كتاب (استعادة المسافر خانة... محاولة للبناء من الذاكرة)، الذي كتبه بعد احتراق الأثر، راسماً بقلمه صورة للقصر من حيث العمارة والزخارف. كما أردنا أن نعيد صياغة تجربة الغيطاني في برامجه المصورة عن القاهرة، وأن نقوم بربط زمني لكون البرنامج عرض قبل ما يقرب من 20 عاما، وهي التجربة الفكرية الأقرب للتراث، والتي تأثر بها جيل كبير، لذا حاولنا أن نكون بمثابة جيل جديد يعيد إحياء ذلك النشاط الفكري، وقد اخترنا المكان السكني للغيطاني لكي نبدأ به، وبما يعيد إلى واقعنا جزء مهم من جسد المدينة وذاكرتها».

يلفت عبده إلى أن عملية تصوير مشاهد الفيلم استغرقت يومين، تم التنقل خلالها بين الأماكن المختارة، تبعتها عملية المونتاج، إلا أن كتابة المعلومات التاريخية وتوثيقها كانت هي الأصعب، حيث الرجوع لمصادر البحث الموثوق بها، والعديد من المراجع التاريخية، وهي المرحلة الممهدة لكتابة التعليق المصاحب، الذي قدمه بصوته.
ونال فيلم «ذاكرة الحجر» مع عرضه على الجمهور ردود فعل إيجابية سواء من السينمائيين أو محبي التراث، الذين ثمنوا تقديم التراث بهذا الشكل، مطالبين باستغلال التراث الضخم فنيا، بأن يكون المكان الأثري بطلا بمفرده وليس فقط بتوظيفه دراميا. بحسب عبده الذي يكشف عن التحضير حاليا لـ3 أفلام جديدة يتم العمل عليها بالتوازي، لتوثيق أماكن أثرية أخرى في القاهرة العامرة.



روبوتات ذكية تتفوق على البشر في مختبرات الدواء

تستخدم الروبوتات المتنقلة منطق الذكاء الاصطناعي لأداء مهام البحث الاستكشافي في مجال الكيمياء (جامعة ليفربول)
تستخدم الروبوتات المتنقلة منطق الذكاء الاصطناعي لأداء مهام البحث الاستكشافي في مجال الكيمياء (جامعة ليفربول)
TT

روبوتات ذكية تتفوق على البشر في مختبرات الدواء

تستخدم الروبوتات المتنقلة منطق الذكاء الاصطناعي لأداء مهام البحث الاستكشافي في مجال الكيمياء (جامعة ليفربول)
تستخدم الروبوتات المتنقلة منطق الذكاء الاصطناعي لأداء مهام البحث الاستكشافي في مجال الكيمياء (جامعة ليفربول)

طوّر باحثون من جامعة ليفربول الإنجليزية روبوتات متنقلة قادرة على الحركة تعمل بالذكاء الاصطناعي، ويمكنها إجراء أبحاث التركيب الكيميائي، وصناعة الدواء بكفاءة غير عادية.

وفي الدراسة المنُشورة في دورية «نيتشر»، الأربعاء، أظهر الباحثون كيف تمكنت تلك الروبوتات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات، من أداء مهام البحث الاستكشافي في الكيمياء بمستوى أداء البشر، ولكن في وقت أسرع بكثير.

وتم تصميم الروبوتات المتنقلة التي يبلغ ارتفاعها 1.75 متر بواسطة فريق ليفربول لمعالجة 3 مشاكل أساسية هي: إجراء التفاعلات، وتحليل المنتجات، وتحديد ما يجب القيام به بعد ذلك بناءً على البيانات الناتجة. وقامت الروبوتات بأداء هذه المهام بطريقة تعاونية، حيث تناولت تلك المشكلات في 3 مجالات مختلفة تتعلق بالتركيب الكيميائي ذي الصلة باكتشاف الأدوية الصيدلانية.

وأظهرت النتائج أنه باستخدام الذكاء الاصطناعي، اتخذت الروبوتات القرارات الجديدة أو قرارات مماثلة للباحث البشري، ولكن في إطار زمني أسرع بكثير من الإنسان، الذي قد يستغرق ساعات كثيرة لاتخاذ القرارات نفسها. وأوضح البروفسور أندرو كوبر من قسم الكيمياء ومصنع ابتكار المواد بجامعة ليفربول، الذي قاد المشروع البحثي أن «البحث في التركيب الكيميائي مكلف ويستغرق وقتاً طويلاً، سواء في أثناء التجارب أو عند الحاجة إلى اتخاذ القرارات حول التجارب التي يجب القيام بها بعد ذلك، لذا فإن استخدام الروبوتات الذكية يوفر طريقة لتسريع هذه العملية».

وقال في بيان صادر الأربعاء: «عندما يفكر الناس في الروبوتات وأتمتة الكيمياء، فإنهم يميلون إلى التفكير في إجراء التفاعلات وما إلى ذلك، وهذا جزء منها، ولكن اتخاذ القرار يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً». وتابع: «هذه العملية تنطوي على قرارات دقيقة بناءً على مجموعات من البيانات الغزيرة. إنها مهمة تستغرق وقتاً طويلاً من الباحثين، ولكنها كانت مشكلة صعبة للذكاء الاصطناعي كذلك».

ووفق الدراسة، فإن اتخاذ القرار هو مشكلة رئيسية في الكيمياء الاستكشافية. فعلى سبيل المثال، قد يقوم الباحث بإجراء عدة تفاعلات تجريبية، ثم يقرر توسيع نطاق بعض من تلك التجارب التي تعطي نتائج تفاعل جيدة أو منتجات مثيرة للاهتمام فقط.

من جهته، قال سريرام فيجاياكريشنان، طالب الدكتوراه السابق في جامعة ليفربول، وباحث ما بعد الدكتوراه في قسم الكيمياء الذي قاد هذه التجارب: «عندما حصلت على الدكتوراه، أجريت كثيراً من التفاعلات الكيميائية يدوياً. غالباً ما يستغرق جمع البيانات التحليلية وفهمها الوقت نفسه الذي يستغرقه إعداد التجارب. وتصبح مشكلة تحليل البيانات هذه أكثر حدة. فقد ينتهي بك الأمر إلى الغرق في البيانات».

وأضاف: «لقد عالجنا هذا هنا من خلال بناء منطق الذكاء الاصطناعي للروبوتات. ويعالج ذلك مجموعات البيانات التحليلية لاتخاذ قرار مستقل، على سبيل المثال، ما إذا كان يجب المضي قدماً إلى الخطوة التالية في التفاعل أم لا». وأكد قائلاً: «إذا أجرى الروبوت التحليل في الساعة 3:00 صباحاً، فسوف يكون قد قرر بحلول الساعة 3:01 أي التفاعلات يجب أن تستمر. وعلى النقيض من ذلك، قد يستغرق الأمر ساعات من الكيميائي لتصفح وتحليل مجموعات البيانات نفسها».

وفي الختام، شدّد البروفسور كوبر على أنه «بالنسبة للمهام التي أعطيناها للروبوتات هنا، فقد اتخذ منطق الذكاء الاصطناعي القرارات نفسها تقريباً مثل الكيميائي خلال تعاطيه مع هذه المشاكل الكيميائية الثلاث في غمضة عين»، مضيفاً أن هناك أيضاً مجالاً كبيراً لزيادة قدرات الذكاء الاصطناعي في فهم هذه الظواهر الكيميائية.