يبذل الخطاطون السعوديون جهوداً واضحة لضخ دماء التجديد في قلب الخط العربي، وإخراجه من قالب الكلاسيكية إلى روح الحداثة، وهو ما يتبدى في أعمال لافتة قدمها معرض خطاطي وخطاطات المنطقة الشرقية، الذي تنظمه جمعية الثقافة والفنون بالدمام، في مركز «تراث الصحراء»، وافتُتح مساء أول من أمس.
وحيثما تجوّل زائر المعرض، يشهد تمازج الأحرف العربية في اللوحات الزيتية تارة، في حالة تجعلها أشبه بسيمفونية لونية، وفي أعمال أخرى تبدو رصينة للتعبير عن النصوص التي تتضمنها، ما بين المأثور الديني والأقوال المتجذرة في عمق الثقافة العربية، في تجمع كبير ضم 47 خطاطاً، قدموا 60 لوحة تُبرز جماليات الخط العربي، وتحاول النهوض به نحو أفق جديد.
من ذلك لوحة بحجم كبير حملت عنوان «سحر الحروف»، للخطاطة نسرين اليعقوبي، التي أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أنها تعمدت إدخال خط الوسام بتداخل جمالي وتدرج لوني يعطي أبعاداً مختلفة للوحة، بحيث تبرز من بعيد كأنها لوحة 3D لا نهائية، وتضيف: «أحاول الخروج بالخط العربي عن الشكل التقليدي المعتاد، لأني أرى ضرورة إظهاره بشكل عصري».
الخطاطة نسرين اليعقوبي إلى جوار لوحتها «سحر الحروف»
- حضور متزايد للخطاطات السعوديات
ترى الدكتورة إيمان الجبرين، وهي فنانة ورئيسة لجنة الثقافة والرياضة والسياحة في مجلس الشورى السعودي، أن الأعمال المعروضة تعكس محاولات متنوعة في الخط العربي، ما بين الاتجاه الكلاسيكي وكذلك جهود التجديد، معبرةً عن انبهارها بالحضور الطاغي للمرأة للخطاطة في المعرض، بما يفوق نصف عدد المشاركات.
وتشير خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» في أثناء جولة المعرض إلى أن فن الخط من الفنون الصعب جداً تعلمها، ولا يتم ذلك إلا عن طريق أساتذة بهذا الفن، مما تراه يعكس مجهوداً كبيراً بذلته الخطاطات إلى جانب الخطاطين المشاركين. وتضيف: «هناك جهود من جهات أخرى كانت مكمّلة، منها على سبيل المثال جائزة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للتميّز النسائي، التي خصصت هذا العام فرعاً خاصاً بالفنون للخطاطات».
وتوضح الجبرين أن الحصول على إجازة بالخط لم تكن متاحة إلا عن طريق أساتذة الخط العربي من ممارسي تعليمه في الحرم المكي والحرم المدني، مما جعل هذا النوع من الفنون كاد يندثر سابقاً في السعودية، لولا جهود إعادة إحيائه، وتردف: «هذا يجعلنا نتذكر الخطاطين الذين فتحوا أبواب منازلهم لتعليم الخط، مثل الخطاط ناصر الميمون الذي كان من أصحاب المبادرة في تعليم السيدات الخط العربي».
جانب من المعرض الذي ضم 60 عملاً خطيّاً
- مواكبة الرؤى الجديدة في الخط
بدوره، يوضح يوسف الحربي، مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، أن «المعرض يحاول الغوص في عالم الخط العربي والحرف العربي وهندسته وزخرفاته وألوانه فنياً وجمالياً من خلال أنامل خطاطي وخطاطات المنطقة الشرقية وتجاربهم البصرية ومواكبة الرؤى الجديدة في هذا العالم الثري بصرياً وأسلوبياً بتجارب فنية لها تأثيرها المحلي والعربي والدولي».
ويتابع الحربي حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «هي محاولة لدمج الخطاطين وتخصيص فضاء يجمعهم باختلاف تطلعاتهم الفنية وتصوراتهم البصرية الحروفية وفق رؤى الخط العربي التحديثية». وأفاد بأن المعرض لا يقتصر على العرض والتعريف، بل يقدّم فرص التشجيع على الاقتناء والتواصل مع الفنانين بتعميم عادة التواصل مع العمل الفني حسياً وفنياً وجمالياً.
ويبدو لافتاً أن عدداً من الأعمال المعروضة بيع في الساعة الأولى التي سبقت افتتاح المعرض، وهنا يقول الحربي: «الهدف الذي نسعى لتعميمه هو خلق همزة وصل بين العمل الثقافي والفني والاستثماري، كي يكون الدور التنظيمي مجدياً على مستوى الاقتناء والتطوير الجمالي والتواصل الفني المتجدّد، وهو ما يُعلي درجة وعي الذائقة والتذوّق».
وفي جولة «الشرق الأوسط» داخل المعرض تتضح هيمنة للخطاطة المرأة من حيث حجم المشاركة. بسؤال الحربي عن ذلك، يشير إلى أهمية حضور المرأة في عالم الخط، حيث أثبتت تمكُنها من فرض رؤى جديدة على الحرف والخط وتطويعٍ جمالي له مفاهيمه العميقة وأساليبه المثيرة سواء من حيث القيم الحروفية أو التقنية الخطية وتوافقها مع المدارس التشكيلية، مبيناً أن نحو % من أعمال المعرض جاءت بيد الخطاطات.
ماذا عن حراك الخطاطين والخطاطات؟ يجيب الحربي: «الحراك يفرض نفسه جمالياً وفنياً من حيث التواصل الأليف والمتوافق بين الكلاسيكي والهندسي والفني، وبالتالي هذا التواصل فرض القيمة التي تبدأ من الخط العربي وتنتهي عنده، باحترام هذا الإرث الجمالي العربي الإسلامي، وهنا الحراك يفرض نفسه من حيث الفنانين ومواكبتهم ومن خلال المشاركات الفنية والمعارض داخل المملكة وخارجها».
ويردف: «من خلال هذه المعارض والفرص التي نعمل معاً ونتعاون على تنفيذها نحن أيضاً نستفيد جمالياً واتصالياً، لأن هذا التعاون الثقافي لا يقف عند مجرد العرض ولا ينتهي بانتهاء المعرض، بل هو سعي حقيقي لتقديم أبنائنا وإتاحة الفرص لعرض منتجهم الفني الجمالي والتواصل بينهم وبين عشاق الفن وتعميم فكرة الجمال وتهذيب الذوق».