نهاية الشهر الماضي، وبعد مرور ثلاثة أيام على بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، صرّح رئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي الجنرال الإيطالي كلاوديو غرازيانو بقوله: «يجب أن نضع في حساباتنا أن مقاومة طويلة الأمد للقوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي من شأنها أن تحدث تغييراً عميقاً في ميزان القوى بين الطرفين. الأوكرانيون بحاجة ماسّة إلى المعدات، والاتحاد الأوروبي بإمكانه أن يقدّم لهم هذا الدعم».
بعد ثلاثة أسابيع على عبور القوات الروسية الحدود مع أوكرانيا فيما تصرّ موسكو على تسميته «العملية العسكرية الخاصة»، وفيما يتبيّن كل يوم بوضوح أن صمود المقاومة الأوكرانية هو العامل الرئيسي الذي سيحدد مصير هذه الحرب، وربما أيضاً شروط إنهائها، تحدّث غرازيانو إلى أربع صحف، من بينها «الشرق الأوسط»، عن تقييمه لهذه الحرب التي تهدّد بإشعال القارة الأوروبية وتوقعاته حول مآلها.
يقول غرازيانو الذي سبق أن قاد القوات الدولية في لبنان ورأس هيئة أركان القوات المسلحة الإيطالية خلال حرب أفغانستان والتدخل العسكري في ليبيا، وهو أقدم الجنرالات الأوروبيين في الخدمة حالياً: «اعتقد بوتين أن هذه الحملة العسكرية ستكون سريعة، وسهلة، وستحقق أهدافها على الفور من غير خسائر تذكر. لكن ما حصل هو العكس تماماً، والقوات الروسية اليوم بحاجة ماسة إلى الإمدادات، وإذا لم تحصل على دعم قريباً قد تنفد مواردها في غضون أشهر قليلة».
عن توقعاته بشأن نهاية هذه الحرب، يقول غرازيانو: «منذ خمسين عاماً في السلك العسكري لم أشهد الحرب بهذا القرب والخطر الذي يهدد أوروبا. هذه حرب حقيقية بكل الوسائل التقليدية المتاحة، أعادت عقارب الساعة سبعين سنة إلى الوراء. مضت ثلاثة أسابيع على بدايتها، ومن المستحيل اليوم التنبؤ بمصيرها بعد أن فشلت الخطة الروسية الأولى، رغم عدم التكافؤ الصارخ بين الطرفين». ويضيف: «هذا الفشل دفع موسكو إلى تغيير خطتها، واستخدام وسائل وأسلحة مختلفة في قتال عشوائي لكنه محدود، بعد أن تعرّضت القوات الروسية لخسائر كبيرة في الأرواح والدعم اللوجستي والإمدادات، وأصبحت مضطرة لتجميد تحركاتها وانتشارها ريثما تعيد تنظيم صفوفها».
ويرى غرازيانو أن الجيش يتحاشى الآن الدخول إلى المدن، ويكتفي بحرب استنزاف كسباً للوقت في انتظار وصول الإمدادات، «وربما أن القوات الروسية ليست بالقوة الكافية لشن مثل هذا الهجوم الواسع على بلد مثل أوكرانيا، وليست مجهزة بالمعدات التكنولوجية اللازمة». ويقارن غرازيانو بين الحرب في أوكرانيا والحرب في أفغانستان، فيقول: «الجيش الأفغاني ذاب مثل الثلج تحت الشمس. كان قوياً نسبياً، لكن حظوظه كانت معدومة وتشتّت بعد أن هرب رئيسه. في المقابل، نرى أن الرئيس الأوكراني وأعضاء حكومته ما زالوا في مواقعهم، والقوات المسلحة الأوكرانية أظهرت استعداداً كبيراً للقتال والدفاع. هذا كان الخطأ الأكبر في التقديرات الروسية، الذي أجبرهم الآن على تجميد تحرّك القوات، وربما اضطرهم إلى تعديل التعليمات والتوجيهات إلى الجنود والقيادات».
ويعتبر غرازيانو أن العامل النفسي بات أساسياً في هذه الحرب، ليس فقط على صعيد أوروبا التي أصبحت تتحدث بصوت واحد، والحلف الأطلسي الذي استعاد وحدة صف غير مسبوقة، «بل أيضاً بالنسبة للمعتدي، الذي أدرك أنه معتدٍ كما يتبيّن من لجوئه إلى المرتزقة الأجانب الذين أخشى أن تؤدي مشاركتهم في المعارك إلى المزيد من التصعيد الخطر لأنهم لا يحترمون القواعد والضوابط الدولية للحرب».
ولا يبدي رئيس اللجنة العسكرية الأوروبية تفاؤلاً كبيراً بالتوصل إلى حل دبلوماسي قريباً، «لأن المفاوضات مشروطة بسير العمليات العسكرية وتوفر المعدات والأسلحة والجنود، والإرادة السياسية التي ليست موجودة في الوقت الراهن. أخشى أن هذه الحرب، عندما تنتهي، ستستمر بأشكال أخرى اعتقدنا أننا تجاوزناها. قد لا ينجح الروس في تحقيق أهدافهم، لكن يجب ألا ننسى أنها روسيا، وأنها قد تلجأ إلى كل ما لديها من موارد».
عن القدرات العسكرية الروسية، يذكّر غرازيانو بأن موازنة الدفاع الروسية لا تتجاوز 70 مليار يورو سنوياً، أي أقل من ثلث الإنفاق العسكري في بلدان الاتحاد الأوروبي، «والموارد المالية التي تخصصها موسكو لقواتها المسلحة، ليست بالتأكيد كافية للحفاظ على قدراتها النووية وتطوير أسلحة حديثة بمستوى الدول الغربية ودعم حرب طويلة الأمد. لا شك عندي في أنهم إذا لم يحصلوا على دعم في الأشهر المقبلة ستنفد مواردهم».
في ختام الجلسة، استبعد غرازيانو أن تلجأ موسكو إلى استخدام السلاح النووي الذي لم يذكره المسؤولون الروس حرفياً، مكتفين بالتلميح إليه من باب الردع، وأعرب عن اعتقاده الشخصي بأن الرئيسين الروسي والصيني تحادثا قبل الغزو وخلاله، وأن «موقف الصين من هذه الحرب سيكون بالغ الأهمية، لأن هدفها ليس مقصوراً على أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، بل أيضاً القوة العسكرية الأولى بحلول منتصف هذا القرن».
رئيس اللجنة العسكرية الأوروبية يحذّر من لجوء روسيا إلى حرب استنزاف
غرازيانو استبعد التوصل إلى حل دبلوماسي قريباً
رئيس اللجنة العسكرية الأوروبية يحذّر من لجوء روسيا إلى حرب استنزاف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة