تسود الأوساط الليبية حالة من الغضب والتذمر بسبب تعطيل السلطات المسيطرة على العاصمة طرابلس حركة الطيران الداخلي بين غرب البلاد وشرقها، منذ بدايات مارس (آذار) الجاري، وذلك على خلفية مناكفات سياسية بين حكومتي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، و«الاستقرار»، التي كلفها مجلس النواب في طبرق.
وألقت الصراعات السياسية مبكراً بظلالها على حركة الطيران الداخلي، ما أدى إلى توقفها في أبريل (نسيان) عام 2014، لكنها استؤنفت تدريجياً بعد قرابة ستة أعوام. وفي بداية أكتوبر (تشرين الأول) 2020 تم تسيير أول رحلة بين مدينتي طرابلس وبنغازي.
وتحاصر الاتهامات حكومة «الوحدة الوطنية» بتعطيل رحلات الطيران بين مطار معيتيقة الدولي في طرابلس إلى جميع المطارات بشرق ليبيا، منذ الثالث من الشهر الجاري، بهدف قطع الطريق على حكومة «الاستقرار»، التي يرأسها فتحي باشاغا، ومنعها من الانتقال من وإلى العاصمة. لكن «الوحدة» رفضت هذه الاتهامات.
ووسط دعوات لمطالبة النائب العام، المستشار الصديق الصور، بالتحقيق في قرار المنع، ودفع الأجهزة في طرابلس إلى إعادة فتح المجال الجوي، دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة، داعية إلى استئناف حركة الطيران بين شرق ليبيا وغربها. وفي جلسة مجلس الأمن التي عقدت لمناقشة الوضع الليبي، مساء أول من أمس، دعا السفير جيفري ديلورينتيس، مستشار أول الشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأميركية، إلى «استئناف فوري للرحلات الجوية الداخلية لمنع الانقسام»، معبراً عن قلقه لتأثيرات التدخل في عمل المؤسسات السيادية».
ومنذ توقف حركة الطيران بين شرق ليبيا وغربها لم تعلق مصلحة الطيران المدني ومصلحة المطارات على الأمر، لكن عدداً من المواطنين في الجانبين أبدوا انزعاجهم وتخوفهم من هذا الإغلاق المستمر، مؤكدين أنهم يأملون بعودة الرحلات قبيل بدء شهر رمضان لتيسير تنقلاتهم، بدل اللجوء إلى الطرق البرية.
وبفحص الرحلات المجدولة يومياً في مطار معيتيقة الدولي إلى مطارات المنطقة الشرقية، يتأكد عدم انطلاق لأي رحلات لليوم الرابع عشر، كما لم ينشر مطار بنينا الدولي في بنغازي أي معلومات عن تحرك رحلات إلى غرب ليبيا.
ووصف أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، تعليق الطيران الداخلي بأنه «بداية انقسام مؤسساتي عميق يؤثر على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المستويات كافة، من بينها الأمنية والاجتماعية».
ورأى حمزة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الممارسات من شأنها تعقيد الأزمة، في حين كان يتوجب على الدولة تأمين هذه الخدمات في حالة التوافق أو الانقسام»، مؤكدا أن «توقيف الرحلات الداخلية لن يخدم المصلحة العامة».
وفي بيان أصدرته مساء أول من أمس، دعت اللجنة الوطنية النائب العام إلى التدخل لدى الجهات المختصة قصد إعادة استئناف الطيران، وفتح تحقيق في ملابسات تعليق الرحلات، مشيرة إلى ضرورة محاسبة المتسببين في تعليقها، وما ترتب على ذلك من تجاوزات قانونية وحقوقية ألحقت الضرر بالمصلحة العامة للدولة والمواطن.
وقالت اللجنة إن وزير المواصلات والنقل بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، محمد سالم الشهوبي، أصدر تعليماته إلى مصلحة الطيران المدني بتعليق الرحلات الداخلية بين المطارات بالمنطقة الشرقية والغربية «دون تقديم أي مبررات موضوعية وقانونية لهذا الإجراء»، ورأت أن هذا الإجراء، الذي وصفته بـ«التعسفي والمشين»، ساهم في «تفاقم الأزمات الإنسانية للمواطنين... وألحق بهم أضراراً، وكبدهم عناء وتكاليف السفر براً».
كما أوضحت اللجنة أنه رغم المناشدات والمطالبات الداخلية والخارجية من عدد من المؤسسات والكيانات، إلا أن الطيران الداخلي ظل متوقفا لليوم الرابع عشر على التوالي، وهو ما يعد «انتهاكاً جسيما للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حرية التنقل».
وسبق أن تقدم باشاغا ببلاغ إلى النائب العام ضد حكومة «الوحدة الوطنية»، لما سماه «استغلالها للسلطة، وإقفال المجال الجوي بالكامل» لمنع أعضاء حكومته من السفر من طرابلس إلى طبرق لأداء اليمين القانونية أمام مجلس النواب، معتبراً أن ذلك «يمثل انتهاكاً لحق التنقل، واعتداءً على السلطة الدستورية والسياسية». وكان المبعوث والسفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، قد صرح بأن إعادة خدمات الطيران بين شرق ليبيا وغربها يعد «إشارة مهمة للوحدة الوطنية في فترة حرجة كهذه».
وقال: «نحن على استعداد للمساعدة في تسهيل ذلك في أقرب وقت ممكن».
وعلى دربه سارت المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، وعبرت عن قلقها لتعليق بعض الرحلات المدنية، وقالت إن «حرية التنقل بين أرجاء البلاد حق أساسي وينبغي استئناف جميع الرحلات المدنية».
تعطيل الطيران الداخلي... خطوة إلى الخلف على «طريق الانقسام» الليبي
تعطيل الطيران الداخلي... خطوة إلى الخلف على «طريق الانقسام» الليبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة