الانتخابات النيابية تفاقم الأزمة الداخلية «الوطني الحر» وتزيد الغضب من رئيسه

نائب مستبعد «يتحدى» باسيل: خيار الاستقالة وارد

TT

الانتخابات النيابية تفاقم الأزمة الداخلية «الوطني الحر» وتزيد الغضب من رئيسه

مع انتهاء موعد تقديم الترشيحات للانتخابات النيابية، وبدء العدّ العكسي لموعد الاستحقاق، تظهر أكثر فأكثر الأزمة التي يعاني منها «التيار الوطني الحر» داخلياً، في صفوفه، وخارجياً لجهة عقد التحالفات التي تكاد تنحصر بـ«حزب الله» حتى الساعة، فيما لا تزال المفاوضات مستمرة مع أطراف أخرى تدور في فلك حلفاء الحزب.
وإذا كانت صورة التحالفات تحتاج إلى نحو أسبوعين لتتضح بشكل نهائي، فإن الأزمة الداخلية التي تعكس تصدعاً داخل التيار على خلفية الترشيحات للانتخابات تظهر تباعاً، بعدما اختار رئيس «التيار» النائب جبران باسيل استبدال حزبيين ونواب بشخصيات من غير الحزبيين. إذ بعدما أعلن النائب حكمت ديب (دائرة بعبدا) استقالته من «التيار» على خلفية استبعاده من الترشيح، يخرج تباعاً إلى العلن «غضب داخلي» ومواقف عالية السقف ضد خيارات باسيل، أبرزها كان من قبل النائب الحالي ماريو عون (دائرة الشوف- عاليه) ومن النائب السابق نبيل نقولا، اللذين تم استبعادهما من الترشيح باسم «التيار»، ليعود عون ويقرّر مواجهة قرار باسيل عبر الترشّح، معتبراً ما حصل «إجحافاً غير مقبول بحقي»، من دون أن يستبعد احتمال استقالته من «التيار» «إذا استمرت الضغوط علينا»، حسب قوله.
واعتبر عون، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار استبعاده «غير مقبول». وقال: «أنا أملك مسيرة طويلة في التيار من نقابة الأطباء إلى الوزارة والنيابة حيث كنت أقوم بواجبي، في حين اتخذ قراراً بترشيح شخص آخر من منطقة الشوف، لا يعرفه أحد، ولا حيثية له، وهو ما طرح علامة استفهام من قبل أبناء المنطقة»، كاشفاً أن باسيل كان مستاءً من ترشيحه وطلب منه عدم الإقدام على أي خطوات تقريرية، قبل التشاور مع الحزب، مشيراً إلى أنه قد يتجه إلى الاستقالة إذا استمرت هذه الضغوط، مؤكداً: «الكرامات خط أحمر». وعن سبب الإقصاء، أجاب عون: «لا أعرف كيف يفكر رئيس (التيار)، ويقولون إن القرار مبني على نتائج الانتخابات التمهيدية التي أعتبرها مجحفة وغير عادلة»، مؤكداً: «لا نقبل بالديكتاتورية، ويفترض أننا في حزب ديمقراطي».
وفيما نفى عون التنسيق بين «النواب المبعدين»، يؤكد أنه رغم ترشيحه فإنه ليس هناك قرار حاسم حيال خوضه المعركة ضمن لائحة، خاصة أن القانون الحالي يفرض على المرشح أن يكون ضمن لائحة، لافتاً إلى أن الأمر مرتبط بما ستحمله المفاوضات الانتخابية في المرحلة المقبلة قبل انتهاء موعد تقديم اللوائح إلى وزارة الداخلية، علماً بأن مفاوضات التيار في الشوف ترتكز مع الوزير السابق وئام وهاب، ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، من الأطراف الدرزية، والوزير السابق ناجي البستاني، والنائب فريد البستاني، من الجهة المسيحية. وفيما رجّح أن يتم التوافق على تشكيل لائحة واحدة، لفت إلى أنه عقد اجتماعاً واحداً بين الطرفين، ولم يتوصلوا فيه إلى الحسم.
في موازاة ذلك، وبعدما كان النائب حكمت ديب أعلن استقالته من «التيار» بسبب إقصائه أيضاً من الانتخابات، متحدثاً عن خلافات مع باسيل، سرّبت قبل يومين «رسالة عتب» للنائب نبيل نقولا، توجه بها إلى قيادة التيار، تحمل لهجة الاستقالة، ليعود بعدها وينفي تركه «التيار»، مع تأكيده أنه أرسلها إلى المجلس السياسي، وتتضمن «بعض الملاحظات التي نعانيها». وتحدث فيها نقولا عن مسيرته مع الرئيس ميشال عون، مؤكداً أنه اختار القضية، وليس المال، «وأي مسّ بكرامتي هو شك بوفائي، وأفضّل الخروج والعودة إلى مكاني المحبب كمواطن عادي»، خاتماً: «قلبي يعصر دماً، وأتمنى للجميع التوفيق بإكمال المسيرة».
وغضب النواب المستبعدين الثلاثة كان قد نُقل أيضاً عن لسان النائب زياد أسود، إثر إشاعة معلومات عن نية باسيل التحالف في دائرة صيدا – جزين (دائرة الجنوب الأولى) مع «حزب الله» وحركة «أمل»، والتوافق على ترشيح أمل أبو زيد من قبل «التيار»، وإبراهيم عازار من قبل حركة «أمل»، وبالتالي استبعاد أسود الذي يلقى ترشيحه «فيتو» من «أمل». لكن المفاجأة أتت عبر ترشيح باسيل لأسود وأبو زيد معاً، في موازاة ترشيح رئيس البرلمان نبيه بري لعازار، ما اعتبر فيه البعض تحدياً ومزيداً من العرقلة أمام إمكانية التحالف مع «الثنائي الشيعي» (الحزب وأمل)، فيما يرى البعض أن هناك إمكانية لاستبعاد أسود في وقت لاحق، إذا تم التوافق على لائحة واحدة مع «أمل» و«حزب الله».
لكن في المقابل، وبانتظار ما سينتهي إليه مسار مفاوضات التحالفات بين «التيار» و«الثنائي الشيعي»، تستبعد مصادر نيابية في «الثنائي» التحالف مع «التيار» في دائرة جزين – صيدا، وتتحدث عن أزمة تحالفات، يعاني منها الأخير، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التوجه هو لعدم التحالف الثلاثي، بحيث يشكل «الثنائي الشيعي» لائحته، ويبقي باسيل على مرشحيه، مع وعد تلقاه من «حزب الله» بمنح جزء من الأصوات لأمل أبو زيد في جزين، مشيرة إلى أن مشكلة أسود لا تقتصر على «أمل»، إنما تنسحب أيضاً على «حزب الله». ولا تخفي المصادر القول إن ترشيح باسيل لأسود كان «خوفاً» منه، وتحديداً من خطابه العالي السقف، وحيثيته الشعبية في جزين، من دون أن يعني ذلك أن الخطوة تعني العمل على إنجاحه، بل على العكس من ذلك، وهذا ما يعكسه اتفاقه مع «حزب الله» لدعم أمل أبو زيد.
وتضم لائحة «الثنائي» في دائرة صيدا - جزين كلاً من عازار (ماروني) وجوزيف سكاف (كاثوليكي)، عن جزين، ونبيل الزعتري عن صيدا، علماً بأن دائرة الجنوب الأولى تضم 5 مقاعد، هي 2 في صيدا للطائفة السنية، و3 في جزين، و2 من الطائفة المارونية، وواحد للطائفة الكاثوليكية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم