استعجال «الطاقة النظيفة» يخنق العالم

تحذير سعودي... وتغاضٍ بريطاني... وتودد أميركي

زحام في إحدى محطات الوقود وسط باريس (أ.ف.ب)
زحام في إحدى محطات الوقود وسط باريس (أ.ف.ب)
TT

استعجال «الطاقة النظيفة» يخنق العالم

زحام في إحدى محطات الوقود وسط باريس (أ.ف.ب)
زحام في إحدى محطات الوقود وسط باريس (أ.ف.ب)

في ديسمبر (كانون الأول) 2021 خرج وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، محذراً من أن العالم مُقبل على أزمة طاقة في حال استمرار انخفاض الاستثمارات في قطاع النفط، وأن هذه الاستثمارات هي السبيل الوحيد للمحافظة على إمدادات الطاقة وزيادة الإنتاجية التي سيحتاج إليها السوق. وفي الأسبوع المنصرم اقتربت أسعار النفط من 140 دولاراً للبرميل، لأسباب منها النمو المتزايد في الطلب والذي قابله نقص في الإمدادات، وما صاحب ذلك من أحداث سياسية يعيشها العالم حالياً والتي من أهمها الحرب الروسية - الأوكرانية ومفاوضات الملف النووي الإيراني.
تحذير الأمير عبد العزيز بن سلمان جاء رداً على تحذيرات دولية من ضرورة خفض الاستثمار في الوقود الأحفوري والغاز والنفط، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في قطاع الطاقة التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات منذ 2014 حتى العام الماضي 2021.

الشركات تسحب استثماراتها

وأشار تقرير أصدره موقع «Clean Technica» -وهو موقع متخصص بالطاقة النظيفة- إلى أن حجم الاستثمارات المسحوبة في الوقود الأحفوري عام 2014 بلغت نحو 52 مليار دولار، فيما بلغت عام 2018 أكثر من 125 مليار دولار لشركات متعددة الجنسيات مثل «إيه جي 2 آر لا مونديال»، وصندوق «أستراليا فيجن سوبر فاند» وجامعة «برانديز» الأميركية. وفي عام 2019 التزمت 1110 مؤسسات لديها أصول مُدارة بأكثر من 11 تريليون دولار بالتخلص من الوقود الأحفوري، لتشهد تلك الصناعة القوية انخفاضاً ثابتاً بمركزها في «ستاندرد آند بورز»، نتيجة تراجع عدد المستثمرين المؤسسيين، وانخفاض الأرباح، وضعف التوقعات، لتشطب شركات مثل «بي بي» و«إكوينور» و«ريبسول» أكثر من 11 مليار دولار من قيمة أصول النفط الصخري في أميركا الشمالية.
وفي عام 2020، أعلنت 42 مؤسسة استثمارية من 14 دولة سحب استثماراتها من الوقود الأحفوري، وأعلنت شركة «بلاك روك»، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، أن الاستدامة البيئية ستكون عاملاً رئيسياً وحاسماً في قرارات الاستثمار مستقبلاً، ليعلن أيضاً صندوق المعاشات التقاعدية لولاية نيويورك أنه سيتخلص من شركات النفط والغاز بحلول عام 2024، وإزالة الاستثمارات الكربونية من محفظته، التي تُقدَّر قيمتها بأكثر من 500 مليار دولار، بالكامل، بحلول عام 2040.
بدورها، حددت شركة «لويدز»، أكبر سوق تأمين في العالم، موعداً للكفّ عن تغطية التأمين الجديدة للفحم ومشروعات الطاقة في القطب الشمالي بدايةً من يناير (كانون الثاني) الماضي فيما التزمت «لويدز» بالانسحاب من أعمال الوقود الأحفوري بحلول عام 2030.

وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان

 

زيادة الضرائب وبيع الأصول

ورأى مازن السديري، رئيس الأبحاث في شركة الراجحي المالية، أن أهم المشكلات التي تواجه الشركات المستثمرة في الوقود الأحفوري هي زيادة تكلفة الضرائب مقابل دعم الطاقة المتجددة وتبني بعض الدول خصوصاً الأوروبية سياسات متشددة لتحول تلك الشركات للاستثمار في الطاقة المتجددة، مشيراً إلى أن القرار الذي اتخذه قادة دول الاتحاد الأوروبي لفرض «ضريبة الكربون» للحد من استخدام الوقود الأحفوري كان واضحاً تأثيره على شركات النفط واتضح بشكل أكبر مع الأزمة الحالية.
وأضاف السديري في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك السياسات دفعت بعض الشركات لبيع جزء من أصولها مثل «رويال داتش» و«شل» و«إيني» الإيطالية، ومثل شركة «بي بي»، التي تعمل حالياً على بيع حصتها في الشركة «روسنفت» الروسية التي تشكل 15% من إنتاج الشركة، إضافةً إلى أنها خرجت من الاستثمار في الوقود الأحفوري في أميركا ومستقبلاً ستخرج من الاستثمار في الوقود الأحفوري بشكل أسرع، وهذا يضغط على صناعة النفط، مضيفاً أن الشركة أعلنت أنها تنوى بيع أصولها من الوقود الأحفوري بقيمة 25 مليار دولار بحلول عام 2025 وهو يعادل نحو 13% من إجمالي الأصول الثابتة للشركة، الأمر الذي وصفه بأنه «زاد الطين بلة» خصوصاً مع زيادة الطلب العالمي على الوقود الأحفوري.
وقال السديري إن النقص الهيكلي في الاستثمارات وعدم كفاية الإنفاق الرأسمالي ستكون له آثار كبيرة الإنتاج العالمي للوقود الأحفوري، مشيراً إلى أنه في حال استمرار الإحجام عن الاستثمار في رأس المال سيُفقد السوق نحو 16 مليون برميل بحلول 2030، مشدداً على ضرورة أن تتجاوز الاستثمارات في الوقود الأحفوري 450 مليار دولار سنوياً.
وذكر تقرير لـ«بلومبيرغ نيو إنيرجي فاينانس» صدر في أغسطس (آب) 2021 أن كبرى شركات النفط أقدمت على بيع أصول بقيمة تجاوزت 198 مليار دولار بين عامي 2015 و2020، ما يتجاوز بمقدار أربعة أضعاف حجم الأموال التي استثمرتها هذه الشركات في تكنولوجيات الطاقة النظيفة.
واللافت أن شركات النفط العالمية الأوروبية على وجه الخصوص، اتخذت مساراً مختلفاً عن نظيراتها الأميركية، وكانت شركة «إكوينور» الوحيدة التي تجاوز حجم استثماراتها في الطاقة النظيفة عائدات بيع الأصول، ورغم الإجراءات الضخمة لبيع الأصول من جانب «إكسون موبيل» و«شيفرون» و«كونوكو فيليبس»، فإنها مجتمعة استثمرت 757 مليون دولار فقط في مجال الطاقة النظيفة، وهو ما يعادل 1% فقط من عائدات بيع الأصول.

معركة اتفاق باريس للمناخ

وكان اتفاق المناخ الذي وُقِّع في باريس عام 2015، ودخل حيّز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، قد شدد بشكل أساسي على مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة، وكيفية إيجاد الحلول للتكيف معها، والتخفيف من حدة ضررها على البيئة، والنظر بجدية إلى الآثار الواضحة للتغيرات المناخية، وأطلق مبادرات تسهم في الحد من الانبعاثات للتخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري. ويُذكر أن أحد مهندسي هذا الاتفاق هو وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، وهو الآن المبعوث الرئاسي لشؤون المناخ.
وعلى الرغم أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أعلن خروج الولايات المتحدة الأميركية من اتفاق باريس للمناخ، ودعم صناعة النفط ومنح التراخيص للتنقيب، فإن الرئيس الحالي جو بايدن أعلن منذ توليه العودة لاتفاق باريس للمناخ ونقض جميع قرارات الرئيس الأسبق فيما يخص قطاع الوقود الأحفوري، ليوقف مؤقتاً عقود إيجار النفط والغاز الطبيعي الجديدة على الأراضي العامة والمياه البحرية إلى أقصى حدّ ممكن، وإلغاء خط أنابيب النفط «كيستون إكس إل» لنقل النفط الخام من كندا إلى ساحل الخليج الأميركي.
اتفاق باريس تبعته دعوات من مؤسسات دولية للتخلص من الاستثمار في الوقود الأحفوري للوصول إلى الطاقة المتجددة، لتقود وكالة الطاقة الدولية حملة تحذيرات ضد المستثمرين لعدم تمويل مشروعات النفط والغاز والفحم الجديدة، وذلك في أقوى تحذير من الوكالة لكبح الاستثمارات في الوقود الأحفوري.

المواقف المتضاربة لوكالة الطاقة

وحثّ فاتح بيرول، الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، خلال مؤتمر الطاقة الذي عُقد في الرباط بداية هذا الأسبوع، الدول المنتجة على ضخ مزيد من الخام لتحقيق الاستقرار في الأسواق، وقال: «على كل دولة منتجة للنفط أن تتحلى بالمسؤولية وضخ مزيد من النفط في السوق».
وكان بيرول قد صرح في مايو (أيار) 2021، قائلاً إن «الطريق إلى الحياد الكربوني ضيّق لكن لا يزال من الممكن تحقيقه. إذا أردنا الوصول إلى ذلك بحلول عام 2050، فنحن لسنا بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في مشروعات جديدة للنفط والغاز والفحم». وأضاف: «الأمر متروك للمستثمرين لاختيار أي محفظة يفضّلونها ولكن هناك مخاطر ومكافآت».
الأمير عبد العزيز بن سلمان -حينها- عدّ بيانات وكالة الطاقة الدولية المتضاربة حول موقفها من قطاع النفط والغاز «مثيرة للضحك»، وأشار إلى التناقض الكبير بين توقعات ومطالب وكالة الطاقة الدولية بشأن الوقود الأحفوري ومستقبله، قائلاً: «هي تحث على وقف الاستثمار في الطاقة التقليدية، ومن جهة أخرى تحذّر من تقليص الإنتاج مستقبلاً وتأثيره على الأسواق».
وعلق سليمان الحربش، المدير السابق لصندوق أوبك للتنمية الدولية «أوفيد» وممثل السعودية السابق في مجلس محافظي «أوبك»، على البيانات التي صدرت من الدول المستهلكة بعد ارتفاع أسعار الطاقة ضاحكاً: «تلك الدول ضحية تقارير المؤسسة التي صنعتها عام 1974» في إشارة إلى الوكالة الدولية للطاقة.
وقال الحربش في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الوكالة الدولية للطاقة أصدرت تقريراً منتصف العام الماضي حمل عنوان «صفر انبعاثات في عام 2050»، وإن لب التقرير يشير إلى إن تحقيق صفر انبعاثات في عام 2050 ممكن في ظل فرضيات ثلاث تتمثل في: «إيقاف التنقيب عن الوقود الأحفوري بشكل كامل، والتعاون الدولي، وتغيير أنماط الحياة والتحول الكامل للطاقات المتجددة». وأضاف أن «كل هذه الفرضيات أو الشروط التي تبنّتها الوكالة كل واحد فيها أصعب من الآخر، خصوصاً ونحن نتحدث عن دول فقيرة لم تصل إليها الكهرباء، إذ يتجاوز عدد المحرومين من الطاقة الكهربائية أكثر من مليار نسمة، فكيف تأتي الوكالة وتطلب تغيير أنماط الحياة لهم؟!».
وأضاف الحربش قائلاً: «يبدو أن ذلك التقرير تم إعداده لمساعدة الحكومة البريطانية في إدارتها لمؤتمر المناخ 26 الذي عُقد في جلاسكو نهاية العام الماضي».

الاقتصاديات النامية وفقر الطاقة

وفي مقال نُشر سبتمبر (أيلول) 2021، في المجلة الأميركية «فورين أفيرز»، شن نائب الرئيس النيجيري يمي أوسينباغو، هجوماً على الدول الغربية وأنها تعمل على تقييد الاستثمار في موارد الطاقة الأحفورية بهدف الحد من الانبعاثات والتحوّل نحو الطاقات البديلة، لكنها لم تراعِ الدور المحوري الذي تلعبه تلك الأنواع من الطاقة في دعم نمو الاقتصادات النامية، خصوصاً في دول أفريقيا.
وأشار في مقاله أن مؤسسات التمويل الإنمائي كانت تسعى طوال الفترة الماضية لتحقيق التوازن بين الهواجس المناخية والاحتياجات التنموية، لكنّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قررت اتخاذ خطوات صارمة للحد من استثمارات الوقود الأحفوري، وتريد من البنك الدولي أن يدعم هذا التوجه، وهو ما جعل بنك التنمية الأفريقي يفقد قدرته على دعم مشاريع الغاز الطبيعي الكبرى في القارة الأفريقية.

السعودية تحذّر

وجدد الأمير عبد العزيز بن سلمان تحذيره من نشوء تحديات أمام صانعي السياسات جراء ارتفاع الأسعار، واصفاً الحملة ضد الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز بأنها «قصيرة النظر وسيكون لها أثر على الرفاهية العالمية»، مؤكداً أن بلاده ستواصل الاستثمار في قطاعي النفط والغاز وأيضاً الطاقة المتجددة.
وفسر وزير الطاقة السعودية أن العالم يمر بمرحلة تحول الطاقة، «ومن الخطأ التركيز على جانب واحد مثل الطاقة المتجددة، لأن اقتصاد العالم يتطلب مختلف مصادر الطاقة لتطوير الاقتصاد»، ورأى أن الاستدامة التي تعد نتيجة للاقتصاد الدائري للكربون، ستكون معتمدة على التقنية القادرة على ضمان رفع الطلب على الوقود الأحفوري مع معالجة الانبعاثات عبر تلك التقنية». ويذكر أن مجموعة العشرين قد وافقت على تبني منهج الاقتصاد الدائري للكربون والذي اقترحته المملكة العربية السعودية في قمة الرياض عام 2020.
وقد ردت وكالة الطاقة الدولية بأنها تتوقع تراجع الطلب تزامناً مع زيادة الإمدادات خلال الفترة المقبلة، متوقعةً انخفاض الطلب على النفط بنحو 100 ألف برميل يومياً في 2021 و2022، وقالت في تقريرها الصادر ديسمبر (كانون الأول) 2021: «إن الإمدادات قد ترتفع 6.4 مليون برميل يومياً العام المقبل مقارنةً مع زيادة 1.5 مليون برميل في 2021»، وأضافت: «استمرار التراجع عن التخفيضات قد يؤدي إلى فائض في حدود مليوني برميل في الربع الثاني من 2022»، وهو الربع الذي قاربت فيه أسعار النفط على 140 دولاراً للبرميل!
فيما توقع تقرير أصدرته «أوبك» عام 2020 نمو الطلب العالمي على النفط الخام بحلول 2025 إلى 103.7 مليون برميل يومياً، وبحلول 2030 سيرتفع إلى 107.2 ملايين برميل يومياً، ثم إلى 108.9 ملايين برميل يومياً بحلول 2035، وبحلول 2040 سينمو الطلب العالمي إلى 109.3 ملايين برميل يومياً.

الغرب يعيد النظر في استراتيجياته

إحجام الدول والمستثمرين عن الاستثمار في الوقود الأحفوري أدى إلى أزمة الطاقة التي يعيشها العالم حالياً، إذ لامست أسعار خام برنت الأسبوع الماضي 140 دولاراً، جراء الطلب المتزايد وتجاوز التأثير الاقتصادي لفيروس «كورونا»، وما تلاها من أزمة سياسية في الملف الأوكراني - الروسي ومفاوضات الملف النووي الإيراني بما انعكس بشكل سريع على أسواق السلع والمعادن، لتعلن الحكومة البريطانية أنها تعد استراتيجية جديدة للطاقة تهدف إلى استعادة زخم عمليات استخراج النفط في بحر الشمال عقب إعلان وقف استيراد الخام والمنتجات النفطية الروسية، وتسريع الاستثمار في الطاقات المتجددة والطاقة النووية، إذ ذكر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه إلى جانب الانتشار السريع للطاقة المتجددة، سيكون هناك إنتاج أكبر من بحر الشمال.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة استضافت قمة غلاسكو للمناخ نوفمبر 2021 وشارك فيها نحو 200 دولة خرجت باتفاق يطالب الدول بتقليل اعتمادها على الفحم والتراجع عن دعم الوقود الأحفوري، وتعهدت فيه بريطانيا بأن تكون محايدة للكربون بحلول عام 2050، إلا أن وزير الصناعة والطاقة البريطاني كواسي كوارتنغ، قال إن «وقف الإنتاج المحلي كما يطلب البعض سيكون خطأ».
فيما طلبت وزيرة الطاقة الأميركية جنيفر غرانهولم، في مؤتمر في هيوستن بولاية تكساس عُقد بداية مارس (آذار) الجاري من شركات النفط، إنتاج المزيد من النفط بهدف تخفيف الاضطرابات في السوق، وقالت: «نحتاج إلى المزيد من الإمدادات».
وأضافت: «علينا زيادة العرض قصير الأجل بشكل مسؤول، حيث نستطيع، من أجل تحقيق الاستقرار في السوق وتقليل الضرر الذي يلحق بالعائلات الأميركية»، وحينما تم تذكيرها باتفاق قمم المناخ، قالت إن الحاجة إلى إمدادات الوقود الأحفوري على المدى القصير لن تؤثر على التزام حكومة بايدن بالتحول في قطاع الطاقة.
وأضافت: «نحن جادون بشأن خفض انبعاثات الكربون. يمكننا القيام بالأمرين في الوقت نفسه. اليوم نحتاج إلى زيادة إنتاج الغاز والنفط لتلبية الطلب»، لتعود مرة أخرى لتجتمع الأسبوع الماضي مع رؤساء شركات النفط: شيفرون، وإكسون موبيل، وكونوكو فيليبس، وغيرهم، قائلة لهم: «لا أريد القتال... من الأفضل بكثير العمل معاً على حلول لمواجهة المستقبل»، وأضافت أن «الإدارة لا تقف في طريق الصناعة، وتدعم زيادة الإنتاج المحلي بوصفها وسيلة لمساعدة المستهلكين، الذين يعانون من ارتفاع أسعار البنزين».
ومع هذا نعود إلى ما نبّه إليه الوزير السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، من أن عدم الاستثمار في قطاع النفط سيؤدي إلى تلاشي الطاقة الإنتاجية غير المستغلة، وتراجع الإنتاج بنحو 30 مليون برميل يومياً بحلول 2030 جراء تقليص الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والحفر.
يُذكر أن مجموعة من الحكومات والمؤسسات المالية العامة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا والمملكة المتحدة، قد تعهدت بإنهاء الدعم المباشر لقطاع طاقة الوقود الأحفوري «بلا هوادة» بحلول نهاية عام 2022.

حرق الفحم لرفاهية الشعوب

ويتضح من الموقف الغربي عدة نقاط، أولاها أن الغرب وعلى الرغم من إعلان حرصه على المناخ ومحاربة الانبعاثات الكربونية، فإنه لم يتردد لحظة في الاستثمار في الوقود الأحفوري عندما وجد أن اقتصاده ورفاهية شعبه في خطر. ثانيتها أن الغرب ومع محاربته للوقود الأحفوري بشكل عام وللفحم بشكل خاص، عاد مرة أخرى لإحراق الفحم عندما هددت روسيا بإيقاف ضخ الغاز.
ويجب ألا يُنسى أن الغرب نفسه هو من تبنى زيادة إنتاج الفحم في نهاية السبعينات الميلادية في قمة الدول السبع في اليابان، وكان السبب حينها هو تقليل الاعتماد على النفط بعد المقاطعة العربية التي حدثت آنذاك، ليعود مرة أخرى في بداية هذه الألفية ويحارب الفحم بضراوة بعد أن قل اعتماده عليه. وأخيراً فإن الغرب يدرك –حتى مع عدم إعلانه– أن أمن الطاقة مهم جداً له، هذا الإدراك هو ما جعله يدعو للاستثمار في الفحم في السبعينات، وهو ما جعله يسوّق للطاقة المتجددة ونبذ النفط في العقد الأخير، وهو ما جعله الآن يعود مرة أخرى للنفط بعد أن قضى السنوات الأخيرة يعلن أن النفط يعيش آخر أيامه.

رؤية جديدة للحفاظ على الاقتصاد

ومع أن الطاقة المتجددة أو ما تسمى «النظيفة» انطلقت من مؤتمر كيوتو الذي عُقد في اليابان عام 1997، بعد أن اتفق معظم رؤساء الدول على تخفيض إنتاج ثاني أكسيد الكربون لتجنب التهديدات الرئيسية لتغير المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري والمحافظة على البيئة والصحة العامة للكائنات الحية، فإن الطريق للوصول إلى إزالة الكربون معقد ويحتاج إلى نهج جديد حتى لا تتأثر الاقتصاديات المعتمدة على الوقود الأحفوري بشكل كامل مثل الدول الأفريقية لتطرح السعودية خلال رئاستها لمجموعة العشرين والتي عُقدت في 2020 رؤية متكاملة تقوم على الاقتصاد الدائري للكربون وتم اعتماده من أعضاء المجموعة، بوصفه إطاراً متكاملاً وشاملاً لمعالجة التحديات المترتبة على انبعاثات الغازات الدفيئة وإدارتها بشتى التقنيات المتاحة. ويمثل هذا النهج طريقة مستدامة لإدارة الانبعاثات باستخدام أربعة محاور هي:
1 - التخفيض
2 - إعادة الاستخدام
3 - التدوير والتخلص
4 - التقليل من الانبعاثات
إذا يقوم التخفيض عبر تشجيع التقنيات والابتكارات مثل مصادر الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والطاقة النووية، أما إعادة الاستخدام، فهو تحويل الانبعاثات الضارة إلى مواد خام قيّمة للصناعات، بتطبيق التقاط الكربون واستخدامه (CCU)، وتحويل الانبعاثات إلى مواد ذات قيمة (E2V)، إما إعادة التدوير فهو الاعتماد على العمليات الطبيعية والتحلل، بما في ذلك استخدام حاملات الطاقة مثل الميثانول والأمونيا والهيدروجين التي تمثل الدورة الطبيعية، وأخيراً إزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي الذي يدور حول تطبيق الاستخلاص الطبيعي والجيولوجي للكربون، وتخزينه واستخلاصه من الهواء مباشرةً، إضافةً إلى الحلول الطبيعية للقضاء على الانبعاثات.


مقالات ذات صلة

نسبة توطين الإنفاق العسكري بالسعودية تصل إلى 19.35 %

الاقتصاد العوهلي متحدثاً للحضور في منتدى المحتوى المحلي (الشرق الأوسط)

نسبة توطين الإنفاق العسكري بالسعودية تصل إلى 19.35 %

كشف محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية المهندس أحمد العوهلي عن وصول نسبة توطين الإنفاق العسكري إلى 19.35 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

التراخيص الاستثمارية في السعودية ترتفع 73.7%

حققت التراخيص الاستثمارية المصدرة في الربع الثالث من العام الحالي ارتفاعاً بنسبة 73.7 في المائة، لتصل إلى 3.810 تراخيص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد نائب رئيس هيئة الأركان العامة وقائد القوات البحرية الملكية السعودية مع باتريس بيرا خلال الملتقى البحري السعودي الدولي 2024 (الشرق الأوسط)

«مجموعة نافال» تتعاون مع الشركات السعودية لتوطين صناعة السفن البحرية

أكد نائب رئيس المبيعات في الشرق الأوسط والمدير الإقليمي لـ«مجموعة نافال» في السعودية باتريس بيرا، أن شركته تنتهج استراتيجية لتطوير القدرات الوطنية في المملكة.

بندر مسلم (الظهران)
الاقتصاد جانب من الاجتماع الاستراتيجي لـ«موانئ» (واس)

«موانئ» السعودية تلتقي كبرى شركات سفن التغذية لتعزيز الربط العالمي

اجتمعت الهيئة السعودية العامة للموانئ (موانئ) مع كبرى شركات سفن التغذية العالمية، بهدف تعزيز الربط العالمي، وزيادة التنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد أحد المصانع المنتجة في المدينة المنورة (واس)

«كي بي إم جي»: السياسات الصناعية في السعودية ستضعها قائداً عالمياً

أكدت شركة «كي بي إم جي» العالمية على الدور المحوري الذي تلعبه السياسات الصناعية في السعودية لتحقيق «رؤية 2030».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».