من أصوات القنابل والقذائف التي اجتاحت مدنهم إلى صدمة فراق آبائهم ومنازلهم ومدارسهم، تتفاوت أزمة أطفال أوكرانيا الذين حذر الخبراء من أنهم قد يواجهون اضطرابات عقلية تستمر معهم لسنوات إذا لم يحصلوا على الدعم النفسي المناسب في أسرع وقت.
وفي محطة قطار مدينة لفيف بغرب أوكرانيا، التي يمر عبرها الآلاف من النساء والأطفال الذين يرغبون في اللجوء إلى بولندا، أنشأ مجموعة من الأطباء النفسيين مركزا صغيرا لدعم النازحين، بناء على طلب من الإدارة العسكرية العامة في البلاد، وفقا لما ذكرته صحيفة «الغارديان» البريطانية.
ويقول الدكتور أوريست سوفالو، الطبيب النفسي ومنسق مركز الدعم: «شهدنا حالات صعبة للغاية خلال الأسبوع الأول للغزو. كان هناك أشخاص قادمون من كييف وخاركيف ظهرت عليهم علامات صدمة كبيرة. وكان العديد من الأطفال، وكذلك البالغين، في حالة من الذعر».
ومن جهته، يقول الدكتور فيكتور بالاندين، عالم النفس في منظمة «أوسونيا» الأوكرانية غير الحكومية، الذي عمل أيضاً في مركز الدعم: «لقد رأيت أطفالاً هنا يعانون من أعراض (اضطراب الجمود)، حيث يبدون مثل الجماد إلى حد ما ولا يتفاعلون مع أي تحفيز خارجي».
وأضاف: «لقد توقف الكثير منهم عن الكلام، ولا يستطيع آخرون تحريك أيديهم أو أصابعهم».
وأكد بالاندين أن صدمة الصراع تركت «ندوباً نفسية» بداخل الأطفال، وأن الغياب المفاجئ للآباء، الذين أُجبروا على البقاء في البلاد بعد أن منعت الحكومة الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً من المغادرة للمساعدة في القتال، كان له تأثير كبير أيضاً عليهم.
وتابع قائلاً: «تتشكل ظروف الصحة العقلية للأطفال الصغار بناء على الحالة النفسية لوالديهم، وخاصة الأم. فإذا كانت الأم في حالة مستقرة نفسياً، فسيكون أطفالها كذلك أيضاً، وإذا كانت حزينة أو مضطربة، فسينعكس ذلك على الطفل بكل بساطة».
وإلى جانب الأطباء النفسيين، انضم عدد من العاملين في مجال الفنون لمركز الدعم النفسي بمحطة قطار لفيف.
وقال بوهدان تيكولوز، مدير متحف فرانكو في لفيف، إنه يقوم مع مجموعة من الفنانين الآخرين بإشراك الأطفال في أنشطة فنية وموسيقية «من أجل منحهم شعوراً بأنهم يعيشون حياة طبيعية مثل بقية الأطفال»، حسب قوله.
وأشار تيكولوز إلى أنه قرر المشاركة في دعم أولئك الأطفال بعد أن اضطر طفلاه وزوجته إلى مغادرة البلاد والانتقال إلى ألمانيا فور بدء النزاع.
وأضاف قائلاً: «لقد قلت لنفسي: إذا لم أتمكن من مساعدة أطفالي، لأنهم بعيدون عني، فيمكنني مساعدة الأطفال الآخرين».
ومن جهتها، تقول كاترينا سوكوريبسكا، التي تدير أنشطة فنية أيضاً للأطفال النازحين في محطة لفيف: «معظم الأطفال يرسمون القنابل والدبابات، لأن هذا ما يرونه بأعينهم. ولكن رسومات بعضهم أيضاً بها أمل في تحقيق السلام والنصر».
وتتطلب بعض اضطرابات الصحة العقلية علاجاً فورياً ومستمراً، لكن العديد من الأطفال الأوكرانيين يتنقلون باستمرار من مكان لمكان، الأمر الذي يزيد من شعورهم بالضغط وعدم الاستقرار ويصعب من علاجهم.
ويقول سوفالو إن فريقه لا يملك في كثير من الأحيان الوقت الكافي لتشخيص اضطرابات الصحة العقلية قبل مغادرة الأطفال للعيادة الموجودة بالمحطة، متجهين إلى قرية أخرى أو إلى بولندا.
وتوقع سوفالو حصول أولئك الأطفال على قدر كبير من الرعاية المناسبة عند وصولهم للدول الغربية، مشيراً إلى أنهم إذا تمكنوا من العيش في بيئة مستقرة، فقد يكون بوسعهم تحويل هذه الصدمات إلى «مرونة وشجاعة».