كثيراً ما أثارت صورة المرأة في الدراما المصرية الجدل المصحوب بانتقادات لما عُدّ على مدار عقود طويلة «تشويهاً لصورتها، وتنميطاً لدورها». لكن يبدو أن هذه الصورة شهدت تغيراً في الفترة الماضية، من خلال أعمال ناقشت قضايا وُصفت بأنها «شائكة» خصوصاً مع نمو الاهتمام الرسمي بتعزيز حضور النساء.
وبينما ظلت صورة المرأة أسيرة للتنميط الدرامي خلال السنوات الماضية، دخل تغيير ما على تلك السمات، فهي إنسان يبحث عن ذاته في «البحث عن علا»، وأمّ تعول أطفالها وإخوتها، وإنسانة تبحث عن حقها في الميراث، أو حتى حقها في التبني من خلال حلقات مسلسل «ليه لأ» و«إلا أنا»، فيما عدّها النقاد محاولة «لمصالحة» المرأة المصرية بعد عقود من التشويه.
وجاء الاحتفال بيوم المرأة المصرية المقرر في 16 مارس (آذار) من كل عام مبكراً هذا العام حيث كرمت السيدة انتصار السيسي، قرينة الرئيس المصري، عدداً من الشخصيات النسائية، ونظمت البورصة المصرية، أمس، فعالية تحت عنوان «قرع الأجراس من أجل المساواة بين الجنسين» بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومن المقرر أن يشهد اليوم (الأربعاء) مجموعة من الفعاليات التي تنظمها مؤسسات مجتمعية للمشاركة في المناسبة إذ تنظم «مؤسسة المرأة الجديدة» اليوم احتفالاً بختام مشروع مناهضة الزواج المبكر في القرى المصرية من خلال الفن، كما تنظم مؤسسة قضايا المرأة المصرية، مائدة مستديرة للحد من العنف ضد المرأة.
تاريخياً، يتذكر كثيرون «الست أمينة» و«سي السيد» في ثلاثية نجيب محفوظ، كنموذج للمرأة التي تعد الرجل محور حياتها ولا تملك قرارها، لكن السينما حاولت كسر هذه الصورة فيما بعد في أعمال فنية ألقت الضوء على محاولات تحرر المرأة مثل فيلم «أنا حرة»، أو دورها القيادي في العمل في فيلم «مراتي مدير عام»، ثم ظهرت أعمال كان لها دور في تعديل قوانين الأحوال الشخصية مثل فيلم «أريد حلاً».
وتحتفل مصر في السادس عشر من مارس كل عام بيوم المرأة، تخليداً لنضالها ضد الاستعمار، ويرتبط هذا التاريخ أيضاً بدعوة هدى شعراوي لتأسيس أول اتحاد نسائي في مصر عام 1923، كما حصلت المرأة المصرية على حق الترشح والانتخاب في نفس التاريخ من عام 1956.
يُقسّم الناقد الفني أحمد سعد الدين، دراما المرأة إلى قسمين: أحدهما يناقش قضايا المرأة مثل فيلم «أريد حلاً»، والآخر من صناعة النساء، من كتابة إلى إخراج إلى بطولة، ضارباً المثل بفيلم «آسفة أرفض هذا الطلاق»، لإنعام محمد علي، وفيلم «واحد صفر» لكاملة أبو ذكري.
يقول سعد الدين لـ«الشرق الأوسط»: «العام الماضي شهد أعمالاً درامية تتطرق لقضايا المرأة بشكل مختلف، مثل مسلسل (لعبة نيوتن)، بطولة الفنانة منى زكي والذي ناقش بجرأة قضية الطلاق الشفهي، حيث اختلفت النظرة الدرامية للمرأة في الفترة الأخيرة، وبدأت الدراما تعرض بعض المشكلات الاجتماعية وتطرحها للنقاش المجتمعي».
«تطور كبير في تناول قضايا المرأة في الأعمال الدرامية، مع انتشار الأعمال المكونة من 5 أو 6 حلقات»، هذا ما أكدته الناقدة الفنية ماجدة موريس لـ«الشرق الأوسط» إذ تقول إن «الأعمال الأخيرة مثل (ليه لأ) و(إلا أنا) احتفت بقضايا المرأة المعيلة والزواج وغيرها، مما شكل نقلة نوعية في مناقشة وطرح أمور موجودة منذ 100 عام لكن لم تناقشها الدراما، مثل البهاق، والتنمر على المرضى، وحق المرأة في التبني وكفالة الأيتام حتى وإن لم تتزوج، والميراث، وأخيراً الزواج في مسلسل (البحث عن علا) فاستطاعت الدراما أن تلفت الانتباه لقضايا مسكوت عنها».
بدورها ترفض الناقدة الفنية حنان شومان مصطلحات من قبيل «سينما المرأة» أو «مهرجان المرأة» اعتماداً على أن صناع العمل من النساء، «فالمرأة كائن في المجتمع وقضاياها تمس المجتمع ككل»، مشيرة إلى أن «الدراما كانت في السابق تناقش قضايا المرأة، ولكن بأعمال تبدو كأنها تغرّد وحيدة خارج السرب، من قبيل فيلم (أريد حلاً)، وهو يناقش قضية مجتمعية تتعلق بالأسرة ككل وليس المرأة».
وأوضحت حنان شومان لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة تكمن في النمطية في الإبداع، من خلال الإصرار في معظم الأعمال على نقل صورة سيئة عن المرأة، وهو الأمر الذي تغيَّر مع زيادة مستويات الوعي بقضايا ومشكلات مثل التحرش، تمت مناقشته من قبل في فيلم (678). فالفن يتغير بتغير المجتمع، فحتى يستطيع الفن إحداث التغيير لا بد أن يضم المجتمع عناصر التغيير، لأن الرقابة المجتمعية أشد من رقابة الدولة».
هذا التغير رصدته الدكتورة نسرين عبد العزيز، أستاذة الإعلام والباحثة في مجال المرأة والدراما، وقالت: «منذ بداية الألفية الثانية، كان التركيز الدرامي على المرأة بوصفها سلعة لإرضاء الرجل، وعُرضت أعمال لم تكن منصفة للمرأة من قبيل مسلسل كـ(الحاج متولي)، الذي جعل حياة بطلاته منافسة للفوز برضا الزوج، وجمع الرجل أربع زوجات في بيت واحد، واستطاع أن يتزوج من يريد بماله، وهي رسائل استمرت في أعمال تالية مثل (العطار والسبع بنات) و(الزوجة الرابعة)».
وأضافت عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع بدأ يتغير مع تركيز الدراما على مشكلات المرأة في محاولة للتصالح معها، وإن لم يكن الوضع سيئاً طوال الوقت، حيث ظهرت أعمال على فترات تناقش قضايا المرأة ودورها في الحياة».
وتؤكد تقارير رسمية «سلبية نظرة الدراما للمرأة في السنوات السابقة»، ففي دراسة عرضتها الدكتورة سوزان القليني، مقررة لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة، بداية العام الماضي، تناولت صورة المرأة في الدراما في الفترة من 2016 إلى 2020، قالت سوزان القليني إن «الدراما لم تواكب التطور في قضايا المرأة واقعياً، ولم تعكس الإنجازات والنجاحات التي حققتها، وركزت على أدوارها التقليدية وأحياناً السلبية».
لكن يبدو أن هذا الوضع تغير مؤخراً، حيث أشار تقرير لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة المصرية، والذي تضمّن رصداً للأعمال التي قُدمت في رمضان الماضي، والبالغ عددها 26 مسلسلاً عرضت على المحطات المصرية كافة، إلى أن «الصورة السلبية للنساء في معظم المسلسلات تحولت إلى إيجابية في النصف الثاني من رمضان، لتظهر قدرة النساء على مواجهة التحديات».