تشكيلي عراقي يصنع آلات موسيقية من بقايا أدوات الحرب

الفنان وسام الفراتي مع آلاته
الفنان وسام الفراتي مع آلاته
TT

تشكيلي عراقي يصنع آلات موسيقية من بقايا أدوات الحرب

الفنان وسام الفراتي مع آلاته
الفنان وسام الفراتي مع آلاته

وسام الفراتي فنان تشكيلي عراقي يرسم وينحت ويصنع آلات موسيقية من بقايا أدوات الحرب من بين ركام الخراب والحروب والدمار في بلده العراق محولا أدوات الحرب بقساوة منظرها إلى آلاتٍ موسيقية تبعث من شكلها الجديد وموسيقاها السلام والطمأنينة في معادلة جمالية في بلدٍ أنهكتهُ النزاعات والحروب والصراعات الطائفية.
يقول الفنان في حديث له معنا: «دخلت إلى الساحة التشكيلة من خلال فن (اليازم)، أو الرسم بالأسلاك، وهو فن جديد اعتمدته للظهور في هذا المجال الواسع، وجعلت من الحزن منطلقا أحيي فيه الأمل بالوصول إلى السعادة من خلال الإبداع، وعملت على إقامة معارضي الفنية من خلال التجوال بلوحاتي في مناطق العاصمة الحبيبة بغداد في معارضها وعلى جدران شوارعها».
وأضاف الفراتي: «كنت أفكر كثيرا في كيفية محاربة أعداء السلام، عن طريق السلام نفسه، فقررت أن أصنع من أدوات الموت والحرب آلات للسلام والمحبة فعملت على ابتكار وصناعة آلات موسيقية من أدوات الحرب، فبدأت بصناعة التين موسيقيتين من مواد الحرب والقتال عن طريق خوذة جندي ومعول يستعمله الجنود في حفر الخنادق في الحروب. ليال طوال مرت أمضيتها في التفكير في كيفية تحويل هذه الأدوات الحربية إلى رسائل ووسائل للحب والسلام حتى تمخضت لدي الأفكار وصنعت منهما آلة عود سميتها دجلة وآلة أخرى موسيقية سميتها فرات، لكي أقضي على صوت الرصاص بواسطة لحن جميل يخرجُ من رحم أدوات الرصاص والقتل، عبر دجلة والفرات».
مراقبون ومختصون في مجال الفنون والثقافة وصفوا أعمال الفنان وسام الفراتي بأنها فلسفة يجب أن يفهمها الجميع، فهي لوحات ومنحوتات تبث روح الحياة الجميلة وتعمل على القضاء على مشاهد القتل اليومية التي تشهدها مدن شتى من بقاع الوطن المنكوب.
وزارة الثقافة العراقية منحت الفنان الفراتي شهادة ابتكار وامتياز في مجال - فن آليارزم - لغرابة الاستخدام ودقته وبساطته، فأسلاك النحاس تتعشق مع الخشب والألوان الطبيعية المستخرجة من أوراق الشجر والتبغ وبقايا الورد تمزج بطريقة ذكيه وتتكحل بها زوايا اللوحة دون فرشاة أو ألوان زيتية أو مائية، لوحاتٌ تحاكي هموم ومعاناة الإنسان العراقي.



حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب
TT

حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب

في عام 2011 كنت على موعد للحصول على فيزا لإقامة معرض في نورث كارولينا بدعوة من جامعة دافيدسون وحصلت على الفيزا في آخر يوم قبل إغلاق السفارة بدمشق.

سافرت عام 2012 ورجعت إلى دمشق، وكانت المظاهرات والاحتجاجات تعم المدن السورية والقرى وأنا أعيش في دمشق أحاول أن أساعد بجهد شخصي أبناء الريف المتضرر والمحاصر، فهناك الكثير من المهنيين والمعارف الذين تضرروا وبحاجة لكثير من الطعام والمستلزمات. كنت أحملها بسيارتي وأحمل معها روحي وأمضي وفي رأسي سيناريوهات العالم كلها. أحضر أجوبة على كل احتمالات الحواجز والشبيحة وعناصر الأمن، عما كنت أكتب بحس ساخر على فيس بوك وأناهض الفساد والقتل. أنا امرأة متمردة بطبعي على الظلم وأمشي عكس التيار، أعشق الحرية والسفر لأعود إلى بلدي بشوق أكثر. هناك تحديات كثيرة كانت أمامنا في بلد كل زاوية فيها حاجز أمني وشبيحة. كانت رعاية ملائكية تنقذني دوماً من رش للرصاص على سيارتي في حاجز حرستا ووضع عبوة ناسفة قرب سيارتي أمام بيتي بعد أن نزلت منها، وتصويب البندقية عليَّ في تأبين باسل شحادة. هربت بأعجوبة. هذه ليست بطولات أرويها ولكن كان حماساً وواجباً علي. ويوماً كنت على حدود لبنان للسفر إلى المغرب لإقامة معرض. أخذوني من الحدود وبدأت التحقيقات معي عن كتاباتي على صفحتي بفيسبوك. وانتهى التحقيق بالتوقيع على ورقة بعدم كتابة أي شيء. وفي اليوم التالي أُلغي منع السفر. وعندما عدت استدعوني مرة أخرى. قلت للمحقق ضاحكة لم أكتب شي مثل ماوعدتكم، فقال لي: رسمتِ. لقد شاهد لوحة فيها قطعة ممزقة من كلمة الثورة التي على الجريدة، فأجبته باستغباء: هذه الجريدة الوطنية ليش ممنوع نحطها، فقال لي: أعرف ما تريدين أن تقولي مع هذه الشخبرة. يصف لوحاتي بـ«الشخابير».

ثم قال لي: نريدك أن ترسمي لنا صورة المعلم، فقلت له: أنا أرسم مناظر وزهوراً لا أرسم حيوانات ولا بشراً واسأل عني مرة باسل الأسد فقد طلب مني ومن مجموعة من الفنانين رسم أحصنته فرفضت لأني لا أعرف، فأجابني: لا أنت فنانة قديرة رح ترسميها فقلت له سأحاول سأطلب من أحد يجيد رسم البورتريه، فقال لي: لا أنت يجب أن ترسميها وتوقعي عليها اسمك.

بقيت أشهراً أماطل ويسألني دائماً على الهاتف: ما خلصتِ، ألاقي الأعذار كل مرة بالكهرباء والتدفئة وعدم جفاف الألوان بالبرد. كنت أنام وأصحو في رعب وسخرية أيضاً. أحياناً أفكر أن أرسم حماراً وفوقه أرسم صورته بألوان تزال بالماء وأرسلها بعد أن أخرج من البلد مع رسالة «امسح الصورة تجد المعلم». المهم كان هذا مسلياً لي في أوقات القلق والتوتر إلى أن قدمت استقالتي من عملي وطلبت من الأمن موافقة أمنية للسفر لمرة واحدة قبل انتهاء الفيزا، وحصلت عليها.

قبل يومين من تحرير حلب كنت في حالة شوق مكبوت لسوريا، وأتمنى بشدةٍ العودة. وكنت أحاول أن أقنع نفسي بأن وضعي في أميركا جيد وصرت مواطنة أميركية وعندي جواز سفر مثل جناحين أطير به بين البلدان بكل سلاسة. وأقنعت نفسي من أول يوم أتيت إلى شيكاغو أنني سأبدأ حياة جديدة وتناسيت بيتي بالشام ومرسمي ولوحاتي وذكرياتي وأصدقائي الذين لم يبق منهم إلا القليل في دمشق. أخوتي قاطعتهم لاختلافي معهم في المبدأ فقد كانوا يقفون مع النظام.

وزاد فقداني لابني الذي قُتل عام 2014 كرهاً لتلك البلاد التي لفظتنا ولم تقدم لنا إلا العنف والنبذ والقتل والتهميش. أنا قدمت الكثير لسوريا، وكنت أقوم بأعمال تطوعية مع الأطفال والشباب لتأجيج روح الفن والحب والحياة والحرية. كنت أعيش مع أجيال متتابعة في عملي معلمة فنون في مدارس سوريا ومعاهدها وجامعاتها.

تحرير حلب كان فرحاً مشوباً بالخوف... أتابع ليل نهار كل وسائل التواصل. لم أعد أنام. عاد الأدرنالين للصعود مثل بدايات الثورة عام 2011 والترقب والحماس، وكنت أقول لنفسي إن لم يصلوا إلى دمشق لن أفرح. كنت ذلك اليوم أبكي، ولم أخرج إلى الشارع لأن دموعي كانت لا تتوقف.

فجأة الحلم عاد، واليأس اختفى، وصار عنا مستقبل مختلف. صار عندي وطن أعود إليه مع أبنائي وأحفادي. صار عندي أمل أعود لأعرف أين قتل ابني وأين رفاته، أعود لأقبل بناته حفيداتي اللاتي لم أرهن منذ سافرت.

* فنانة تشكيلية