اليسار الإسرائيلي يضغط على الحكومة للوقوف ضد روسيا

TT

اليسار الإسرائيلي يضغط على الحكومة للوقوف ضد روسيا

لم يكتف نواب اليسار في الحكومة الإسرائيلية بموقف وزير الخارجية يائير لبيد، الذي اقترب فيها أكثر من الموقف الغربي ومناصرة أوكرانيا، فطالبه أمس الاثنين باتخاذ موقف مباشر ضد روسيا وعدم الخوف من تبعات ذلك.
وقال النائب عن حزب ميرتس، يائير غولان، نائب وزيرة الاقتصاد، إن حكومة نفتالي بنيت ما زالت تتأرجح في مواقف غير مبدئية تجاه الصراع في أوكرانيا، فمن جهة تمتنع عن إدانة الغزو الروسي بحجة فقدان مصالحها في سوريا ومن جهة ثانية تتصرف بشكل مخجل وتطرد أوكرانيين وصلوا إلى مطار بن غوريون لاجئين. ويجب تغيير هذين الموقفين فوراً، لأنهما يدلان على تصرف غير أخلاقي.
وقال غولان، الذي يحمل درجة لواء وكان نائباً لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إن «خوف الحكومة الإسرائيلية من روسيا غير مبرر». وأضاف: «أنا لا أقول إن علينا أن نقود حملة دولية ضد روسيا، ولكن يجب أن نعلنها صراحة: (نحن مثل كل الدول المستنيرة نقف ضد العدوان الروسي)». ورفض غولان القول إن حكومته تتجنب الدخول في صدام مع روسيا وقال: «يجب أن نتوقف عن الخوف من روسيا في سوريا. فنحن لسنا خاضعين لها. ويجب ألا نخافها. إنها تتصرف بغطرسة لا تلائم قوتها. في روسيا توجد قوات خاصة مدربة جيداً لكن جيشها قديم ومترهل، لذلك نراه يقصف المدنيين على أمل أن يحطم معنويات المواطنين في أوكرانيا. وأنا لا أعتقد بأنه سيجرؤ على خوض معركة معنا».
وكان وزير الخارجية لبيد، قد زار كلاً من سلوفاكيا ورومانيا، وأعلن من هناك عن وقوف حكومته مع الغرب ضد الغزو الروسي. وقال إن إسرائيل ستمتثل للعقوبات الدولية على روسيا، ولن تكون طريقاً لتجاوز تلك العقوبات. وأضاف لبيد، بعد اجتماعه بوزير الخارجية السلوفاكي إيفان كوروك: «إسرائيل، مثل سلوفاكيا، تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، وتدعو إلى إنهاء القتال». وأوضح، أنه لا يوجد أي مبرر لانتهاك وحدة أراضي أوكرانيا، وليس هناك أي مبرر لشن هجمات على السكان المدنيين. وأكد أن إسرائيل ستفعل كل ما في وسعها لمساعدة جهود الوساطة، ووقف إطلاق النار واستعادة السلام. نحن نعمل مع أكبر حليف لنا، الولايات المتحدة، وأصدقائنا الأوروبيين، لمنع استمرار هذه المأساة.
وفُسرت هذه التصريحات على أنها محاولة لتصحيح العلاقات مع أوكرانيا، التي رفض وزير خارجيتها دميترو كوليبا، تنسيق محادثة هاتفية معه طيلة ستة أيام. وقالت مصادر في تل أبيب إن كوليبا، عبر بذلك عن الاستياء الأوكراني وخيبة الأمل من الموقف الإسرائيلي الضبابي الذي يخاف من روسيا. وأشارت صحيفة «هآرتس»، عبر موقعها الإلكتروني، نقلاً عن مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الأوكرانية، إلى أن مكتب لبيد حاول تنسيق المحادثة الهاتفية مع نظيره الأوكراني، كوليبا، الذي رفض ذلك الآن، بشكل غير مباشر، إذ تذرع بأنه «مشغول بأمور أخرى». وقال المصدر إن مكتب كوليبا لم يقل لا للجانب الإسرائيلي، بل قال إن الوزير مشغول حالياً وسيرد الاتصال في القريب.
وقالت «هآرتس» إن لبيد هو أرفع شخصية في الحكومة الإسرائيلية أدانت الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأوضحت أنه فعل ذلك أربع مرات كان آخرها أمس الأحد، في ختام لقائه مع وزير الخارجية الروماني، بوغدان أوريسكو، إذ تطرق إلى حول الغزو الروسي وقال إنه «لا يوجد مبرر له، وندعو روسيا إلى وقف إطلاق النار والهجمات وحل المشاكل حول طاولة المفاوضات». وذكرت «هآرتس» أن سلوك كوليبا لم يفاجئ المسؤولين في إسرائيل لأنه أحد الشخصيات الأكثر انتقاداً للموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية، وعارض حتى سفر رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بنيت، إلى موسكو لغرض الوساطة. وهو يطالب لبيد بالقدوم إلى كييف.
في المقابل، قدر مسؤول في الحكومة الإسرائيلية بأن المكالمة بين لبيد وكوليبا ستتم في نهاية المطاف في الأيام وربما الساعات المقبلة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟