ليبيا بين ناري «الهجرة».. والإرهاب

باتت وكرًا للجريمة.. و«حكومة الوحدة» أمام تحدي إسكات الميليشيات أو الانهيار

ليبيا بين ناري «الهجرة».. والإرهاب
TT

ليبيا بين ناري «الهجرة».. والإرهاب

ليبيا بين ناري «الهجرة».. والإرهاب

تسبب إعلان حكومة طبرق الليبية المعترف بها دوليا عن مقتل الصحافيين التونسيين المخطوفين في ليبيا منذ 8 أشهر في زوبعة إعلامية وسياسية داخل تونس وفي المنطقة خاصة أن الإعلان كشف كذلك عن مقتل مجموعة جديدة من الصحافيين المصريين والليبيين في بلد «ليس فيه سلطة قادرة على حفظ الأمن في البلاد».
وتزامنت الانتقادات في تونس للسلطات الليبية والتونسية - بسبب ملف الصحافيين نذير القطاري وسفيان الشورابي مع انتقادات تونسية وأوروبية لتطور ليبيا إلى وكر لجماعات الجريمة المنظمة والتهريب والإرهاب بما انعكس على تضاعف عدد المهاجرين غير القانونيين نحو أوروبا انطلاقا من أراضيها أكثر من 30 مرة في ظرف بضعة أشهر. فإلى أين ستسير ليبيا والأوضاع على ما هي عليه؟ وكيف تحركت السلطات التونسية بالتنسيق مع البلدان المجاورة لليبيا ودول الاتحاد الأوروبي في محاولة لتغيير الواقع على الأرض وتشكيل «حكومة وحدة وطنية» توقف النزيف وتدهور الأوضاع؟

وفي الوقت الذي تتابع فيه منظمات الصحافيين التونسيين وأطراف تونسية وليبية انتقاداتها لأداء السلطات الليبية في طبرق وطرابلس ولنظيرتها في تونس بسبب فشلها في إنقاذ حياة الصحافيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي قام وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش بـ«مبادرة علنية غير مسبوقة حول ليبيا» تمثلت في عقد لقاء تشاوري رسمي مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية حول «التسوية السياسية» للأزمة الليبية ودعم جهود الحوار السياسي الأممية حول الأزمة الليبية التي تنظم منذ أشهر في الجزائر والمغرب.

* تحت ضغط بروكسل وروما
هذا التحرك الأوروبي التونسي المغاربي لمحاولة «تسوية الأزمة الليبية» تحت ضغط من مفوضية الاتحاد الأوروبي ببروكسيل في أعقاب القمة الأوروبية الطارئة التي نظمت موفى الشهر الماضي ردا على «موجات المهاجرين السوريين والليبيين والأفارقة الذين أصبحوا يتسللون بكثافة إلى أوروبا عبر الجزر الإيطالية مستفيدين من غياب أي سلطة مركزية موحدة في ليبيا» حسب المسؤول السياسي في مفوضية الاتحاد الأوروبي بتونس حضر الاجتماع.
ولئن أعلنت العواصم الأوروبية منذ استفحال «الحرب الأهلية» في ليبيا أنها تلتزم» الحياد» في النزاعات الداخلية الليبية الليبية ثم اعترفت بـ«شرعية» برلمان مدينة طبرق - 1700 كلم شرقي العاصمة طرابلس - فقد اكتشفت أن «التحكم في كل السواحل الليبية المطلة على المتوسط التي تمتد على ألفي كلم غير ممكن إذا تواصل الفراغ السياسي في العاصمة طرابلس وفي غالبية مدنها وقراها المنتشرة في مساحة شاسعة جدا تقدر بمليون و800 ألف كلم مربع غالبيتها من الصحاري والأرياف والمناطق المهجورة».

* إيطاليا المتضرر الأول
ولئن تحافظ إيطاليا الشريك الاقتصادي الأوروبي الأول لليبيا لأسباب كثيرة من بينها قربها الجغرافي من السواحل الليبية، فإن حكومتها تعتبر نفسها «الضحية الأكبر» لانتشار ظواهر العنف السياسي والإرهاب والتهريب في ليبيا، لأن تلك الظواهر ساهمت في ترفيع منسوب تدفق المهاجرين «السريين» نحو الجزر والموانئ الإيطالية منذ اندلاع «الربيع العربي».
وتدعم روما والعواصم الأوروبية المخطط الأممية والدولية لإنهاء الاقتتال والصراعات في ليبيا بقيادة مبعوث الأمم المتحدة الإيطالي برناردينو ليون، وهي جهود ترمي أساسا إلى تشكيل «حكومة توافق وطني تضع حدا لتقسيم سلطات البلاد بين حكومتين الأولى «شرعية» في طبرق شرقا والثانية «فعلية» في العاصمة طرابلس.
ويجمع المراقبون المختصون في الشؤون الليبية على التقليل من أهمية الحكومتين الحاليتين و«كلتاهما لا تسيطر إلا على مساحات صغيرة من البلاد» على حد تعبير زعيم الحزب الناصري القومي التونسي ومنسق «منظمات الليبيين اللاّجئين» المحامي البشير الصيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

* نار الحرب ونار الحصار
في الأثناء تؤكد مصادر إعلامية وسياسية ليبية مختلفة التوجهات أنه «لا بديل عن تشكيل حكومة توافق وطني» بالتنسيق مع الأمم المتحدة ودول الجوار والدول الأوروبية. ويخشى الخبير الليبي مصطفى العبيدي أن يتسبب تأجيل تشكل حكومة وحدة وطنية في تمديد مرحلة عدم الاستقرار بما سيعني مزيدا من زوارق الهجرة غير القانونية وسقوط مزيد من القتلى بين الليبيين وبين الحقوقيين والصحافيين والعمال التونسيين والمصريين والأجانب على غرار جريمة قتل الصحافيين المصريين والليبيين والتونسيين مؤخرا.
وحذر الخبير الليبي فؤاد عمر من أن يجد الليبيون أنفسهم بين «ناري الحرب والحصار الإقليمي لأن تونس ومصر والجزائر قد تقوم بمضايقة المليوني ليبي اللاجئين على أراضيهم احتجاجا على قتل الصحافيين واختطاف الدبلوماسيين والعمال في ليبيا».

* خطوط حمراء اقتصادية
ويقدم عدد من الساسة الليبيين من مختلف الأطراف المتحاورة منذ مدة في تونس والجزائر والمغرب - بمشاركة رؤساء القبائل والبلديات الكبرى - أسماء كثيرة لرئاسة «حكومة التوافق الوطني» أو «الوحدة الوطنية» من بينها وزير الخارجية في عهد القذافي عبد الرحمن شلغم وأول رئيس منتخب للمؤتمر الوطني العام في 2012 محمد المقريف سفير ليبيا لدى الهند مطلع الثمانينات وأحد أبرز زعماء المعارضة الليبية طوال 30 عاما.. لكن استمرار هيمنة ميليشيات متعددة الألوان على مناطق مختلفة في ليبيا - وبينها ميلشيات محسوبة على «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة» ـ معطى قد يعقد أوضاع ليبيا المنهكة بعقود من القمع وسنوات من الحرب «الأهلية» والتدمير لكل رموز الوحدة الوطنية.
وقد استفحلت المخاطر بعد بروز «خطوط حمراء اقتصادية» بالجملة حسب تصريح رئيس البنك الليبي الخارجي للاستثمار عبد الفتاح عبد الغفار لـ«الشرق الأوسط». المسؤول الاقتصادي الليبي أورد أن «احتياطي ليبيا من العملة الصعبة تدحرج من 321 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 106 فقط الآن أي إلى أقل من قيمة الاحتياطي قبل ثورة 17 يناير (كانون الثاني) 2011».

* المصرف المركزي يحذر
وحسب تأكيدات مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» فإن تقرير ديوان المحاسبة الليبي أكد أن نسبة «الفساد المالي وسوء التصرف في موارد الدولة في ارتفاع «وأن قيمة النفقات العسكرية تجاوزت الـ17 مليار دولار في وقت يعتقد فيه كثيرون أن تلك الأموال ترصد أساسا لتمويل الميليشيات المتحزبة والمنحازة لبعض اللوبيات المالية والسياسية». كما حذر مصدر مسؤول من المصرف المركزي الليبيين من تراجع قيمة الاحتياطي الليبي ن العملة الصعبة بعد أن «أنفقت ما يزيد على ربع احتياطياتها من النقد الأجنبي في 2014 لتعويض الهبوط في إيرادات النفط الحيوية».
إلا أن ديوان المحاسبة الليبي في طرابلس فيقدم حقائق وأرقاما أكثر «إثارة للفزع» من بينها أن احتياطيات مصرف ليبيا المركزي من النقد الأجنبي بلغت 76.6 مليار دولار في نهاية 2014 مقارنة بنحو 106 مليار دولار قبل عام.
ويعتبر هذا الانخفاض أن «ليبيا ربما تقترب من الانهيار المالي والاقتصادي الشامل».

* عضو في الأوبك؟
وتعاني «ليبيا الجديدة» اليوم من رهانها على قطاع المحروقات - من نفط وغاز - وعدم تنويع مواردها الاقتصادية والمالية وعدم تطوير قطاعات الخدمات والإنتاج الصناعي والزراعي. واستفحلت الحصيلة السلبية لهذا الرهان بعد إغلاق أكبر ميناءين نفطيين «السدر» و«راس لانوف» في ديسمبر (كانون الأول) بسبب القتال الدائر بين فصائل موالية للحكومتين المتنافستين للسيطرة على ثروات البلاد ومؤسساتها السياسية.
كما كشفت تقارير ديوان المحاسبة والمصرف المركزي وأخرى حكومية إغلاق «ما يزيد عن اثني عشر حقل نفط هذا العام وهو ما تسبب في خفض إنتاج ليبيا من الخام إلى أقل من 500 ألف برميل يوميا وهو ثلث مستوى الإنتاج في 2010». كما ازدادت السلطات السياسية ضعفا والصراعات المسلحة على الحكم وعلى المواقع حدة بعد أن تراجعت إيرادات النفط 30 في المائة إلى 14.6 مليار دولار في 2014 أي إلى ثلث الإيرادات في 2010.

* الانهيار الشامل بعد عامين
وحذر البرلماني الليبي أبوبكر بعيبرة من سلبيات «عدم حقن دماء الليبيين فورا» وسجل أن الشعب الليبي «تعب كثيرا» وأن الدولة الليبية ومؤسساتها السيادية مثل البنك المركزي باتت مهددة بالانهيار الشامل. كما حذر مسؤولون في «ديوان المحاسبة» من أن تواصل الانخفاض الحاد في الاحتياطيات الأجنبية وسياسة الأنفاق الحالية سيتسببان في انهيار شامل للمصرف المركزي والاقتصاد الليبي سينهاران في أقل من عامين.
ويعتقد دبلوماسيون من بين المتابعين عن قرب للملف الليبي أن «الإحساس بحجم الكارثة المالية التي تهدد كل الفرقاء في صورة انهيار البنك المركزي وإنفاق ما تبقى من احتياطي العملات الأجنبية قد يدفعهم إلى التعجيل بالموافقة على إخراج البلاد من أزمتها السياسية عبر «التوافق» على حكومة وحدة وطنية تمهد لانتخاب برلمان موحد جديد.
ولعل من بين ما سيضغط على السياسيين في حكومتي طبرق وطرابلس أكثر أن «ميزانية ليبيا تخصص أساسا لتوفير مرتبات الموظفين الحكوميين ونفقات لأسعار البنزين والخبز وسلع غذائية أخرى أساسية».

* المصالحة والحسم العسكري
لكن تدهور المؤشرات الاقتصادية والمالية والأمنية في ليبيا لن يكون كافيا لدفع الأوضاع نحو بناء «سلطة مركزية موحدة ودولة حقيقية» حسب عالم الاجتماع والعلوم السياسية التونسي الخبير في الشؤون الليبية المنصف وناس. وفي هذا السياق تطرح مسألة الحسم بين موقفين متناقضين في طريقة «الحسم» في ليبيا هل يكون سياسيا - مثلما تريد الأمم المتحدة وتونس والجزائر وبعض العواصم الدولية ـ أم عسكريا مثلما يريد بعض «أمراء الحرب» في ليبيا الذين يحصلون على دعم من قوى إقليمية ودولية مهمة؟
ولعل العنصر الجديد هو خروج بعض القوى الإقليمية - مثل حكومات إيطاليا ومصر - عن صمتها وتلويحها بالتدخل العسكري في ليبيا إذا تمادت الفوضى التي ستتسبب في قتل مزيد من الأبرياء وفي إرسال مزيد من المهاجرين نحو أوروبا عبر الجزر الإيطالية ومالطا.
قد يحسم مثل هذا الخلاف قريبا. لكن المدير العام السابق للأمن العسكري في تونس أمير اللواء محمد المؤدب يعتبر أن «الأزمة الأمنية والعسكرية الليبية قد تستمر 20 عاما كاملة بسب تعقيداتها وتورط بعض الأطراف في عمليات ثأرية في مجتمع قبلي وهو ما سيزيد من مخاطر انتشار عصابات التهريب والإرهاب والجريمة المنظمة في تونس وفي كامل المنطقة».
في نفس السياق حذر رئيس أركان الجيوش التونسية سابقا الفريق أول سعيد الكاتب من «مخاطر التسامح مع العصابات الإرهابية التي تنتشر بسرعة في ليبيا ودول الساحل والصحراء مشكلة تهديدات جدية على تونس ومصر وبقية دول الجوار العربية والأفريقية والأوروبية».

* ورقة الأقليات
ولعل من بين ما يزيد الأوضاع في ليبيا خطورة بالنسبة لشعبها والدول المجاورة لها شمالي المتوسط وجنوبه معارضة بعض الفرقاء السياسيين لخيار إعلان مسار وطني للإنصاف والمصالحة «يساعد شعب ليبيا على فتح صفحة جديدة حقيقية» حسب تصريح الخبير الليبي عبد السلام زاقود لـ«الشرق الأوسط». لكن الكاتب الليبي السنوسي وهلي وعددا من أنصار تيار «احترام الأقليات في ليبيا» يقدمون شروطا لتحقيق المصالحة وإخراج ليبيا من نيران الحرب والحصار والفوضى من بينها «التوقف عن اعتبار القومية العربية والهوية العربية جامعة في ليبيا مع ما يعنيه ذلك من تجاهل لواقع التعدد في الألوان والتعدد العرقي واللغوي والمذهبي والغوي».
ويعتبر أنصار هذا التيار أنه «آن الأوان للحديث عن الهوية الليبية الحقيقية، التي شوهها النظام السياسي القائم على العروبة، بتغليبه للعرقية العربية على باقي الهويات الليبية الأخرى، وفرضها كهوية جامعة لليبيين مع تجاهل تام للأمازيغية والتباوية والتارقية (نسبة إلى التوارق) التي لها أراضيها وتاريخها، ولغاتها، ورموزها، كشعوب قديمة متمسكة ومحافظة على نظمها الاجتماعية والثقافية المتميزة منذ آلاف السنين رغم اعتناقها الإسلام».

* الحوار السياسي هو الحل
وزير الخارجية التونسي السابق ونائب الأمين للأمم المتحدة حاليا المنجي الحامدي أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكومة التونسية وبقية الحكومات الصديقة لليبيا تتابع ما يجري من مستجدات في الشقيقة ليبيا باهتمام وهي لن تكون طرفا في الصراعات الداخلية في ليبيا وتساهم بجهود سياسية ودبلوماسية لمحاولة إنجاح جهود الحوار السياسي بين مختلف الأطراف المتصارعة إيمانا منها بأن السلاح لن يمكن من معالجة الخلافات مهما صعبت».
وذكر وزير الخارجية بكون مدينة الحمامات السياحية التونسية سبق أن استضافت مؤتمرا لدول جوار ليبيا في سياق جهود الوساطة السياسية. وقد توج مؤتمر الحمامات بمؤتمرين في كل من القاهرة والخرطوم وسلسلة من مؤتمرات الحوار السياسي في الجزائر والمغرب.

* التزام الحياد
في نفس السياق أكد السفير التونسي السابق بليبيا رضا بوكادي - الذي أعيد إلى تونس منذ نجاحه في استرجاع الدبلوماسيين المخطوفين من ليبيا واستفحال معارك مطار طرابلس - أن «من مصلحة تونس ومصر وكل الدول الأوروبية والأفريقية المعنية بالحرب في ليبيا التزام الحياد في التصعيد العسكري الميداني وتشجيع الحلول السياسية».
وفي تونس أيضا أورد القائم بالأعمال الليبي بتونس محمد المعلول لـ«الشرق الأوسط» أنه بتابع مع الجانب الليبي ومع سلطاته الشرعية «أي حكومة عبد الله الثني وبرلمان طبرق» كل مجالات التنسيق مع تونس في المجالين الأمني والعسكري والسياسي بهدف تأمين الحدود المشتركة والبوابات وحركة المسافرين في الاتجاهين وأوضاع مئات آلاف اللاجئين الليبيين في تونس الذين يراهنون على أن تسوى الأزمات الحالية في بلدهم حتى يتمكنوا من استئناف حياة طبيعية قريبا في مواطنهم وطي صفحة الماضي.

* إمّا.. وإمّا
تتقاطع المبادرات السياسية وجهود التسوية السلمية للأزمة المستفحلة في ليبيا منذ أكثر من 4 أعوام.. وتتعمق التناقضات بين عدد من أبرز الفاعلين في ليبيا.. لكن بعض المستجدات مثل قتل الصحافيين التونسيين واستفحال ملفي الهجرة والإرهاب قد تضغط على كل الفرقاء حتى يقبلوا بحقن الدماء وإخراج بلدهم والمنطقة من المأزق وإطفاء نيران الحرب التي لا تهدد ليبيا وحدها بل توشك شظاياها أن تفجر صراعات مسلحة وتتسبب في هزات عنيفة جدا في كامل المنطقة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.