في يوم 4 مارس (آذار)، استولت القوات الروسية على محطة زابوروجيا الأوكرانية، والتي تعد أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، بعد أن قامت بقصفها، الأمر الذي تسبب في اندلاع حريق دق ناقوس الخطر في أوروبا والعالم كله بشأن كارثة نووية محتملة.
جاء ذلك بعد أن سيطرت روسيا على محطة تشرنوبل للطاقة النووية في اليوم الأول لغزوها أوكرانيا في 24 فبراير (شباط).
ورغم عدم نشاط هذه المنشأة، التي وقع فيها أسوأ حادث نووي في تاريخ البشرية في 1986. فإنها لا تزال تحتوي على مواد مشعة مميتة.
واتخذ الوضع في تشيرنوبل منعطفاً دراماتيكياً سيئاً جداً في 9 مارس عندما انقطع التيار الكهربائي وتعرض نظام التبريد للوقود النووي المعتمد على الكهرباء للخطر. لكن أمس (الأحد)، أفاد مسؤولون في قطاع الطاقة في كييف أنه تمت إعادة التيار الكهربائي إلى المحطة.
إذن، ما سبب هوس الروس بالمحطات النووية الأوكرانية؟
تمتلك أوكرانيا نحو 15 مفاعلاً نووياً. وقد قال بعض المراقبين لصحيفة «ديلي بيست» إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لديه رغبة كبيرة في الاستيلاء على هذه المفاعلات على وجه الخصوص «سعياً للسيطرة على إمدادات الطاقة في البلاد».
وقال الدكتور روبرت جيه بانكر، مدير الأبحاث في شركة الاستشارات الأمنية «Futures LLC»: «سيرغب الروس في السيطرة على المنشآت النووية الأوكرانية الأخرى كجزء من هذه الاستراتيجية». وافترض بانكر أن «روسيا قد تلجأ لهجوم جوي للاستيلاء على واحد أو أكثر من المنشآت النووية المتبقية».
وتزعم روسيا أن سيطرتها على المنشآت النووية جاءت نتيجة «قيام كييف باستخدام مواد في هذه المواقع لصنع قنبلة نووية حرارية».
وتصاعدت هذه الاتهامات في 9 مارس، عندما أخبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا وسائل الإعلام المحلية أن أوكرانيا تعتزم استخدام ترسانتها النووية المزعومة ضد روسيا.
وأضافت زاخاروفا أن روسيا سيطرت على تشرنوبيل وزابوروجيا «لمنع أي محاولات لاستفزازات نووية، وهو خطر موجود بوضوح»، حسب قولها.
ووصف هال كيمبفر، ضابط المخابرات العسكرية الأميركية المتقاعد هذه المزاعم الروسية بأنها «لا أساس لها من الصحة»، مضيفاً: «الغرض من هذه المزاعم هو تبرير غزو موسكو لأوكرانيا ومصادرتها لمحطات الطاقة النووية».
واتهم كيمبفر الرئيس الروسي «بتزييف الحقائق والترويج لروايات ومعلومات غير منطقية وسخيفة ولا أساس لها من الصحة لتحقيق أهدافها المرجوة».
وأيد بانكر كلام كيمبفر قائلاً: «أعتقد أن الرواية الروسية تهدف إلى إخفاء أهداف بوتين الاستراتيجية وكذلك استخدام الدعاية لجعل المدافعين الأوكرانيين يظهرون كمعتدين ومجرمي حرب يجب إيقافهم».
وأضاف: «أيضاً، إذا حدث إطلاق إشعاعي أو حدث نووي، فقد يحاول الروس وصفه بأنه جزء من مؤامرة أوكرانية مدعومة من الناتو».
وأشار بانكر أيضاً إلى أن المفاعلات يمكن أن تكون بمثابة «أوراق مساومة هائلة في أي وقف لإطلاق النار أو مفاوضات سلام في المستقبل».
ومن جهته، يعتقد الكولونيل البحري الأميركي المتقاعد جي. آي. ويلسون، أن الاستيلاء على المنشآت الأوكرانية النووية هدفه «السيطرة على الشبكة الكهربائية في أوكرانيا»، على وجه الخصوص لأن نحو 50 في المائة من الكهرباء في البلاد يتم توليدها بواسطة الطاقة النووية.
وأضاف: «هناك أهمية استراتيجية خاصة في التحكم في مراكز الطاقة والاتصالات أثناء الحروب. فمثل هذه السيطرة على الشبكة الكهربائية ستسمح للكرملين بإطفاء الأنوار حسب الرغبة في مساحات شاسعة من أوكرانيا، لزيادة معاناة الجنود والمدنيين الأوكرانيين ومنعهم من التصدي للروس».
علاوة على ذلك، يقول الخبراء إن استهداف المنشآت النووية بالقصف أو بقطع الكهرباء عنها، يبعث أيضاً برسالة متعمدة مفادها أن «هذه الحرب بلا قيود، ولا يمكن استبعاد خطر حدوث دمار نووي فيها».
وقال كيمبفر: «إنه سلاح نفسي يستخدم لإرهاب السكان. إنهم يستهدفون المحطات النووية كوسيلة لممارسة ضغط هائل على الحكومة الأوكرانية للاستسلام. هذه هي نهاية لعبتهم».
وأكد كيمبفر أيضاً أن عمليات الاستحواذ على هذه المحطات كانت وسيلة لتحذير الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من مشاركتهما المحتملة في الصراع، مضيفاً: «الكرملين قادر على إثارة شبح الكارثة الإشعاعية دون إدخال أسلحة نووية لأوكرانيا على الإطلاق. بوتين رجل حسابات وهو يدرك أن الغرب قلق للغاية من تعرض المحطات النووية للتهديد. لقد شهد العالم كوارث تشيرنوبل وفوكوشيما، ولا يريد أن تتكرر هذه الكوارث مرة أخرى بالتأكيد».
يذكر أن الحكومة الأوكرانية أكدت الأسبوع الماضي أنها ليست لديها خطط للانضمام مجدداً إلى «النادي النووي»، وأنها تخلت عن أسلحتها النووية في عام 1994 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.