انعدام الثقة يهدد فروع المصارف اللبنانية في الخارج بالإقفال

قبرص تفرض {شروطاً تعجيزية} للسماح لها بالاستمرار في العمل

انعدام الثقة يهدد فروع المصارف اللبنانية في الخارج بالإقفال
TT

انعدام الثقة يهدد فروع المصارف اللبنانية في الخارج بالإقفال

انعدام الثقة يهدد فروع المصارف اللبنانية في الخارج بالإقفال

بلغت مجموعة المصارف اللبنانية العاملة في قبرص، مرحلة القرار بالتخلي نهائياً عن شبكة وحداتها المنتشرة في الجزيرة، بفعل مخاوف البنك المركزي القبرصي من ارتفاع حدة المخاطر الناتجة عن الأزمات المتفاقمة في لبنان، وارتفاع حدة الضغوط السياسية الداخلية والقضائية في لبنان على القطاع المالي، وما أنتجته من تفشي الشكوك وحال «عدم اليقين» لدى السلطات النقدية الأجنبية حيال الوجود المباشر لمؤسسات مصرفية لبنانية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الاتصالات التي تولاها «مصرف لبنان» المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، ومثلها محاولات إدارات البنوك المعنية، لم تحقق أي تقدم في إثناء البنك المركزي القبرصي أو تليين موقفه لجهة «الشروط التعجيزية» التي فرضها على الوحدات المصرفية اللبنانية، لقاء السماح لها بالاستمرار في أنشطتها في الجزيرة.
ويرتقب في ضوء تعثر الجهود، أن تعمد السلطة النقدية في وقت قريب، إلى إصدار تعليمات مباشرة أو تعميم رسمي بعدم جدوى استمرار الأنشطة المصرفية المباشرة في قبرص، بسبب انعدام فرص النشاط الائتماني أو التمويلي من خلال الموارد المتاحة في بند الودائع، وتوخياً لعدم تحميل خسائر واكلاف على ميزانيات المراكز الرئيسية للبنوك، ولا سيما لجهة تلبية شرط ضخ تحويلات جديدة بالعملات الصعبة لقاء الاحتفاظ بموارد غير قابلة للتشغيل، وذلك بمعزل عن الإمكانات المتاحة لدى كل مصرف على حدة، والتي يفضل مصرف لبنان إيداعها لدى البنوك المراسلة التي تستمر بالتعاون مع البنوك المحلية. ويطلب البنك المركزي تكوين احتياطات إلزامية لديه تماثل 105 في المائة من إجمالي الودائع المدرجة في ميزانيات الفروع القبرصية للبنوك اللبنانية، وفرض رسم سنوي بنسبة 5 بالألف على هذه الضمانات، ما يعني تلقائياً «تعقيم» كامل الموارد المالية لهذه الفروع والحيلولة دون أي توظيفات في سوق التمويل من خارج رساميلها، فضلاً عن تحميلها الكلفة البشرية والتقنية لإدارة أموال المودعين بعوائد سلبية.
ولوحظ أن مراسلات البنك المركزي القبرصي مع نظيره اللبناني ومع إدارات البنوك المعنية، تتضمن مرفقات تحتوي مقتطفات من تقارير دولية ومؤسسات تصنيف بشأن ارتفاع حدة المخاطر المحيطة بالقطاع المالي اللبناني، وتنويهات منشورة في وسائل إعلامية، وشفهية خلال الاتصالات والمحادثات المباشرة، تظهر القلق الكبير من الاتهامات السياسية المحلية الموجهة للبنك المركزي وللجهاز المصرفي، فضلاً عن الملاحقات القضائية التي تخص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورؤساء أكبر البنوك العاملة في لبنان.
ويقول مسؤول لبناني معني: «نحن ندرك أن ما طلبه البنك المركزي القبرصي من إيداعه 105 في المائة من ودائع الفروع المصرفية اللبنانية العاملة في قبرص هو قرار مجحف وظالم، والأرجح أنه بلاغ لنا بالمغادرة الطوعية. لقد راسلنا المحافظ القبرصي بالأمر وبينا استحالة التنفيذ لمن يرمي إلى حفظ نشاطه مع استعدادنا لطمأنة كل أصحاب الحقوق وضمان الحد الأقصى من احتياط الودائع وبما يفوق المعدلات المعتمدة، كما ذكرنا أن الفروع المصرفية التزمت بشكل صارم بضمانة وديعة توازي مائة ألف يورو ضمن النظام الذي حدده البنك المركزي إبان الأزمة الاقتصادية والمالية في الجزيرة وبعدها».
وأشارت مصادر مصرفية ومتابعة لـ«الشرق الأوسط»، إلى توسع مستمر في ظاهرة الضغوط التي تحاصر الانتشار الإقليمي والدولي للبنوك اللبنانية، وتحت مظلة الذرائع عينها. حيث برز في المستجدات استشعار إدارات البنوك اللبنانية العاملة في فرنسا، توجهاً مشابهاً لدى السلطات النقدية لديها بفرض شروط قاسية وطلب ضخ احتياطات استثنائية وضمانات للحفاظ على أنشطة الفروع والمكاتب المصرفية التابعة.
وينوه مسؤول مصرفي كبير بالكلفة المعنوية والمالية، وغير القابلة للتعويض، للتقلص الحاد في خريطة الانتشار الإقليمي والدولي للقطاع المالي اللبناني نتيجة انفجار الأزمتين المالية والنقدية بداية، وتحت وطأة الاتهامات من قبل جهات سياسية فاعلة بتبديد أموال المودعين عبر الاستثمار في توظيفات لدى البنك المركزي وفي محافظ ديون الدولة بالليرة وبالعملات الأجنبية، لتكتمل دوامة الضغوط بتكاثر الملاحقات القضائية ضد البنك المركزي والجهاز المصرفي معاً.
وفي المقابل، يفتقد القطاع المالي إلى المظلة القانونية الحامية جراء التمادي بتأخير إصدار قانون تقييد التحويلات والرساميل (كابيتال كونترول) لمعاونته في مواجهة الشروط التعجيزية التي تلجأ إليها السلطات المالية في بلدان انتشار القطاع المالي اللبناني، وفي درء توليد شكاوى ضده لدى المحاكم الأجنبية على منوال الحكم الأخير الصادر عن محكمة بريطانية، في حين أقدمت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب على إخراج لبنان من أسواق التمويل الدولية بقرارها في ربيع عام 2020 بتعليق دفع سندات دين، ليستحق بالتالي إجمالي محفظة سندات «يوروبوندز» حكومية مجدولة سنوياً حتى عام 2037 وبقيمة تناهز حالياً 35 مليار دولار.
ومع ترقب الخروج الوشيك لتسعة فروع تتبع لبنوك لبنانية في قبرص، يرجح انتقال أغلب محافظ الودائع إلى ثلاثة بنوك مملوكة من بنوك ومستثمرين لبنانيين، إنما تحمل هوية قبرصية أو أوروبية في رخصها، علماً بأن هجرة الشركات والعائلات اللبنانية وعمليات التملك العقاري تسجل ارتفاعاً مطرداً صوب الجزيرة، وهو ما سيحرم البنوك المغادرة من فرص استثنائية لزيادة أنشطتها في مجالي استقطاب الودائع الوافدة وضخها في عمليات ائتمانية لصالح الزبائن الجدد والذين يتمتعون تلقائياً بملاءة مالية من خلال أعمالهم ومدخراتهم.
ويمثل فقدان الوجود المباشر في السوق القبرصية المحطة الأقرب لإنهاء وجود البنوك اللبنانية في 6 بلدان، بالتالي هو نهاية «تراجيدية» لحقبة نشاط طويلة تعود إلى منتصف السبعينات من القرن الماضي، حيث شكلت الجزيرة منصة قريبة لتحويل الكثير من الأنشطة المالية الهاربة من أتون الحروب الداخلية اللبنانية، ومعه يكتمل الخروج المتتالي من أسواق الأردن ومصر والعراق، في حين، كان سيف «قيصر» للعقوبات الأميركية على سوريا قد تكفل بتحويل ما تبقى من الوجود المصرفي اللبناني، من وحدات مستقلة مملوكة ومدارة من قبل المصارف في المركز، إلى وحدات سورية ذات مساهمات لبنانية، علماً بأن العقوبات الأميركية ألزمت البنوك اللبنانية سابقاً بالخروج من السودان أو تقليص أنشطتها إلى أدنى الحدود.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.