رئيسا موريتانيا ومالي يبحثان نزع فتيل أزمة دبلوماسية

باماكو وعدت بفتح تحقيق في مقتل موريتانيين داخل أراضيها

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (إ.ب.أ)
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (إ.ب.أ)
TT

رئيسا موريتانيا ومالي يبحثان نزع فتيل أزمة دبلوماسية

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (إ.ب.أ)
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (إ.ب.أ)

أجرى الرئيس الانتقالي في دولة مالي، الكولونيل آسيمي غويتا، مساء أول من أمس، اتصالا هاتفيا مطولا مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ناقشا فيه التوتر الأخير على حدود البلدين، وبوادر أزمة دبلوماسية نجمت عن مقتل عشرات المواطنين الموريتانيين، حيث اتهمت نواكشوط الجيش المالي بالتورط فيه، فيما أعلنت باماكو فتح تحقيق في الأمر، مع التمسك بعدم وجود دليل «حتى الآن» يورط جيشها.
وأعلنت الحكومة الانتقالية في باماكو أنه تقرر، إثر الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، فتح تحقيق لكشف ملابسات «اختفاء» موريتانيين داخل الأراضي المالية، رغم أنها لم تورد أي معلومات حول عدد الموريتانيين المختفين ولا مصيرهم، لكنها قررت في المقابل إرسال وفد حكومي «رفيع المستوى» إلى نواكشوط، حددت مهمته في «التأكيد على الأخوة والتعاون بين البلدين، خاصة في مجال تسيير الحدود المشتركة، والدفاع وضمان أمن الأشخاص والبضائع».
وكانت وزارة الخارجية الموريتانية قد استدعت السفير المالي في نواكشوط، يوم الثلاثاء، وأبلغته احتجاجا «شديد اللهجة» على ما قالت إنها «أعمال إجرامية، تقوم بها قوات نظامية مالية فوق أرض مالي، في حق مواطنينا الأبرياء العزل»، وهو ما أكده الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية، مساء أول من أمس، حين قال إن لديهم «قرائن تتثبت تورط جهات تابعة للجيش المالي في حوادث استهداف الموريتانيين».
ومع ذلك، فإن الحكومة الانتقالية في مالي دافعت عن جيشها، وقالت إنه «حتى الآن لا دليل على تورط القوات المسلحة المالية»، في ذلك، مؤكدة أن الجيش المالي «يحترم حقوق الإنسان ويعمل بمهنية في حربه على الإرهاب»، وشددت في بيان موقع من طرف وزير الداخلية على أنها «لن تدخر أي جهد في البحث عن المجرمين، الذين يقفون خلف هذه الجرائم البشعة حتى يمثلون أمام العدالة».
في السياق ذاته، أدانت السلطات المالية مقتل الموريتانيين، ووصفته بأنه «تصرف إجرامي يهدف إلى الإضرار بالعلاقات المتميزة التي تربط بلدينا»، واستغربت في الوقت نفسه استهداف موريتانيين داخل أراضي مالي «في وقت يدعمنا هذا البلد الشقيق والصديق، ويوفر للشعب المالي حاجياته الغذائية، وهو الذي يرزح تحت العقوبات غير الشرعية والظالمة لمجموعة إيكواس».
وتعاني دولة مالي من حصار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بسبب تمسك قادة الجيش بالسلطة، بعد أن قادوا انقلابين عسكريين منذ أغسطس (آب) 2020، وأصبحت أغلب البضائع المتوجهة إلى السوق المالية تمر عبر ميناء نواكشوط.
لكن الحوادث الأخيرة دفعت بالعلاقات بين البلدين الجارين إلى التوتر، رغم أن الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية أكد أن بلاده ستتعامل مع الأزمة «بقوة وأمانة وحكمة»، رافضًا في السياق ذاته الحديث عن إمكانية إغلاق الحدود بين البلدين، وهو مطلب تكرر كثيرًا في الشارع الموريتاني منذ السبت الماضي، تاريخ اختفاء 15 موريتانيا على الأقل، والعثور عليهم قتلى في قبر جماعي قرب الحدود، واتهام الجيش المالي بتصفيتهم.
ومع ذلك، فإن بيانا صدر عن وزارة الخارجية الموريتانية لمّح إلى أنه في حالة استمرار استهداف مواطنيها داخل الأراضي المالية، فإن إغلاق الحدود وارد، وهي ورقة ضغط قوية على باماكو، التي قررت أن ترسل إلى نواكشوط وفدا حكوميا رفيع المستوى اليوم (الجمعة)، يقوده وزيرا الداخلية والخارجية من أجل تخفيف حدة التوتر بين البلدين.
ومن الواضح أن سلطات البلدين تسعيان لتفادي التصعيد، بسبب المصالح المشتركة؛ ففي حين تراهن باماكو على ميناء نواكشوط للتزود بحاجياتها من السوق العالمية، ولتصدير منتجاتها من القطن، نجد أن موريتانيا، التي تملك ثروات هائلة من الإبل والأبقار والأغنام، لا غنى لها عن الانتجاع نحو الأراضي المالية، بسبب نقص الأمطار، والجفاف في بلد أغلب أراضيه صحراوية.
ومن المتوقع أن يتوصل البلدان إلى صيغة تضمن لسلطات موريتانيا صيانة ماء وجهها أمام الرأي العام المحلي، الذي يضغط بشدة في اتجاه معاقبة باماكو، بالانضمام إلى قائمة الدول التي تحاصرها، وفي الوقت ذاته تسعى باماكو إلى صيغة تضمن لها الاستمرار في عملياتها العسكرية على الشريط الحدودي، ضد مقاتلي «القاعدة»، دون أن يتسبب ذلك في الاحتكاك بالموريتانيين، وتهديد مصالحها المشتركة مع جار تربطها به حدود تمتد لأكثر من 2200 كيلومتر.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».