الأزمة الاقتصادية تحرم اللبنانيين من القدرة على الاستشفاء

عضو بلجنة الصحة البرلمانية: لا حلول واضحة لدى الحكومة

TT

الأزمة الاقتصادية تحرم اللبنانيين من القدرة على الاستشفاء

بات اللبنانيون مهددين بفقدان قدرتهم على الاستشفاء، إثر تراجع العائدات المالية للدولة اللبنانية التي انعكست على الجهات الضامنة وعلى المستشفيات الخاصة، في الوقت التي وجدت فيه نفسها عاجزة عن دفع فواتير الأدوية والمستلزمات الطبية من غير سلف شهرية، كان «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» يدفعها لها.
وتتنوع الجهات الضامنة في لبنان بين العلاج على نفقة وزارة الصحة العامة، و«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» و«تعاونية موظفي الدولة» وشركات التأمين الخاصة. وتعاني بعض تلك الجهات الضامنة من عجز عن دفع فواتير المستشفيات، التي ارتفعت على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار.
وانفجرت الأزمة في وجه المنتسبين للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي توقف مطلع الأسبوع الحالي عن تسديد السلفات الشهرية للمستشفيات الخاصة لقاء الخدمات المقدمة إلى المضمونين، ما دفع المستشفيات للتلويح بالتوقّف عن ‏استقبال مرضى الضمان، باستثناء الحالات الحرجة فقط بدءاً من الأسبوع ‏المقبل.‏
وأشار نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، أمس، في حديث إذاعي، إلى «وجود آلية معتمدة سنوياً لدفع السلفات للمستشفيات، والتي توقفت منذ شهرين، والمرشّحة للاستمرار». وشدد على أن المستشفيات لديها ضغوطات، ولم يعد باستطاعتها التحمل، وعملية الإنقاذ تكون بأن يبادر الضمان الاجتماعي إلى القيام بواجباته.
وأثار هذا القرار المخاوف من أن يفقد عشرات آلاف اللبنانيين فرصتهم للاستشفاء، فتدخل الاتحاد العمالي العام طالباً من المستشفيات إرجاء تنفيذ قرارها. وأعلنت نقابة المستشفيات، أمس، أن رئيس الاتحاد بشاره الأسمر أخذ على عاتقه أن يتخذ مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قراراً هذا الأسبوع بإعادة تسديد السلفات الشهرية للمستشفيات، وعليه: «تجاوبت نقابة المستشفيات معه، وقررت تعليق العمل بالقرارات التي اتخذتها بخصوص مرضى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لمدة أسبوع، إفساحاً في المجال أمام مساعي الأسمر للوصول إلى الحل المطلوب في أسرع وقت».
ولا تتخطى تلك المعالجات الإطار الاستثنائي والمؤقت، في ظل أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، ولم يعد السياسيون يخفون أن الواقع الصحي في لبنان يتجه إلى مرحلة أكثر صعوبة. ويقول عضو لجنة الصحة البرلمانية، النائب قاسم هاشم، إن اللبنانيين «وبكل أسف فقدوا قدرتهم على الاستشفاء»، مضيفاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «عندما تصل الأمور إلى هذا المستوى، فذلك يعني أننا وصلنا إلى الأسوأ». ويعيد هاشم هذا الواقع إلى «عدم التعاطي بجدية مع هذه الأزمة؛ حيث كانت تتم المعالجات بطريقة سطحية، وبما توفر، رغم كل الظروف الاستثنائية التي نعيشها منذ العام 2019 وتفاقمت بشكل كارثي خلال العام الماضي» إثر رفع الدعم عن الأدوية عندما نضبت احتياطات مصرف لبنان المركزي من العملة الصعبة. وقال هاشم: «انكشفت الأزمة عندما تبين عجز المواطنين عن تأمين الدواء ودخول المستشفى وتأمين فروقات التغطية الصحية على حساب المؤسسات الضامنة، وباتت المستشفيات تطلب 90 في المائة من الفاتورة لأن الجهات الضامنة لم تتمكن من رفع تعرفتها».
ويشير هاشم إلى أن لجنة الصحة النيابية قامت قبل فترة بخطوة مع المؤسسات الضامنة حيث طالبتها بتعديل التعريفات بهدف تخفيف العبء عن المواطنين، لكن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي «أبلغنا أنه غير قادر على رفع التعرفة لأن إمكاناته لا تسمح»، لافتاً إلى أن وزير الصحة فراس الأبيض «كان على اطلاع على الوضع المهترئ، وخلال جلستين معه، لم نجد أي حلول ولم يقدم إجابات واضحة على هواجس الناس وأسئلتهم، كما لم يقدم تطمينات حول حلول ممكنة». وأضاف: «طالبت الحكومة أن تكون هذه المواضيع الأساسية أولويات لديها، ومن ضمنها الملف الغذائي، وطالبت أن تكون جلساتها مفتوحة»، محذراً من أنه «إذا لم تتحرك الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية فإن الأمور ستتدهور أكثر».
وتقول المستشفيات إنها تعاني من وضع مالي صعب جداً، في ظل ارتفاع تكلفة الأدوية والخدمات بشكل قياسي؛ حيث باتت معظم الأدوية مسعرة بالدولار الأميركي، فيما ارتفعت تكلفة الكهرباء مع ارتفاع أسعار المازوت وغياب كهرباء الدولة، فضلاً عن هجرة الطواقم الطبية من أطباء وممرضين بسبب تراجع العائدات المالية للكوادر الطبية بشكل قياسي، ما يحرم الأطباء من الصمود وتغطية متطلبات الحياة.
ويرتبط تدهور القطاع الصحي بارتفاع سعر الصرف بشكل قياسي خلال عامين. ويقول الباحث الاقتصادي، الدكتور جاسم عجاقة، إن اللبناني فقد ميزة الاستشفاء منذ أن توقف تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، مضيفاً: «الأمان الذي شعر فيه اللبنانيون منذ التسعينات كان متوقفاً على تثبيت سعر الصرف، وفقدوه عندما بدأ سعر الصرف يرتفع لأن اللبناني فقد قدرته الشرائية».
وقال عجاقة لـ«الشرق الأوسط» إن سعر الصرف لو تحرر قبل سنوات، لكان اللبنانيون فقدوا هذه الميزة أيضاً، ذلك أن «ثبات سعر الصرف وفّر أماناً صحياً وغذائياً وتربوياً، وفقدوه مع فقدان العملة لاستقرارها الذي تبين أنه كان عنصراً جوهرياً في تثبيت الأمن الاجتماعي المرتبط بالخدمات الصحية والتربوية وغيرها».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».