استطلاع رأي الشعب التونسي في الدستور يواجه عزوفاً واسعاً ولا مبالاة شعبية

متطوعة توزع نشرات ترويجية في تونس (رويترز)
متطوعة توزع نشرات ترويجية في تونس (رويترز)
TT

استطلاع رأي الشعب التونسي في الدستور يواجه عزوفاً واسعاً ولا مبالاة شعبية

متطوعة توزع نشرات ترويجية في تونس (رويترز)
متطوعة توزع نشرات ترويجية في تونس (رويترز)

بينما يستعد الرئيس التونسي قيس سعيد لإعادة صياغة الدستور بعد تعليقه للبرلمان الصيف الماضي، عرض على التونسيين «استشارة» وطنية متعددة الخيارات على الإنترنت قال إنها ستكون منطلقاً رئيسياً في التعديلات الجوهرية التي ينوي إدخالها تحت شعار «السيادة للشعب».
وقبل أسبوعين فقط من انتهاء الاستشارة أو استطلاع الرأي الذي أطلق مطلع العام الحالي، لم يشارك فيها سوى 276 ألف شخص حتى الآن في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، وفقاً لموقع الاستشارة وسط اتهامات منتقدي سعيد بأنها مجرد مسرحية وواجهة لفرض مشروعه السياسي في خطوة جديدة تهدف لتكريس حكم الرجل الواحد.
وأقال سعيد (64 عاماً) البرلمان المنتخب في يوليو (تموز) وقال إنه سيحكم بمراسيم. وفي ديسمبر (كانون الأول) أعلن أنه سيعين لجنة لإعادة كتابة الدستور بناء على استشارة مباشرة من الشعب وسيطرحه للاستفتاء
في يونيو (حزيران) على أن تنظم انتخابات برلمانية في نهاية العام الحالي.

وقال إن الشعب هو من سيقرر مصيره بنفسه بدلاً من قوانين وُضعت على مقاس من كانوا في الحكم طيلة السنوات الماضية.
وبينما ينظر منتقدوه إلى تحركاته على أنها انقلاب يهدد الديمقراطية الناشئة التي انتصرت في ثورة 2011. فإنه يضعها في إطار إنهاء عقد من الركود السياسي والاقتصادي على أيدي نخبة فاسدة حكمت لتخدم مصالحها الذاتية على حساب الشعب.
وقال الرئيس في يناير (كانون الثاني): «مستقبل تونس في أيدي التونسيين ومشاركتهم المكثفة هي التي ستمهد الطريق لمرحلة جديدة في تاريخ تونس تقوم على الإرادة الشعبية الحقيقية وليس على الشرعية الوهمية».
وقالت أحزاب ومنظمات إن الاستشارة لا يمكن أن تكون بديلاً عن حوار لتقرير الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها الخانقة.
ويتهم بعض الأحزاب والمنظمات سعيد، الذي كان أستاذاً في القانون الدستوري قبل أن يدخل معترك السياسة، بالحكم المسبق على النتائج وبأنه لا يتطلع سوى لفرض مشروعه السياسي عبر الاستشارة.
وفي يناير الماضي وبعد أسابيع فقط من إطلاق الاستشارة قال سعيد خلال مجلس للوزراء إنه من الواضح بالفعل أن الناس يريدون نظاماً رئاسياً.
ويقول الطالب كريم صقيع متحدثاً لـ«رويترز» أمام كلية الحقوق بتونس: «أعتقد أن تونس ستنتهج سياسة الرجل الواحد، لذا أنا لست متحمساً لأي مشاركة في الاستشارة».
ويرى معارضو سعيد والمانحون الأجانب الرئيسيون لتونس أن أي عملية شاملة حقاً يجب أن تشمل جميع اللاعبين السياسيين الرئيسيين في البلاد وتتوج بإصلاحات تحظى بوفاق وطني وشعبي.
وحظي دستور 2014. الذي ألغى سعيد جانباً منه بإشادة غربية واسعة في ذلك الوقت باعتباره انتصاراً للتوافق بين الفرقاء مما ساعد في تجنب فترة من الاستقطاب الخطير.
ولاقى الدستور الحداثي آنذاك إجماعاً من كل الخصوم وتم التصويت عليه بأغلبية كبيرة. لكن سعيد يقول إن الدستور «كله أقفال» وإن من صاغوه أعدوه على المقاس.
ومع ذلك، كان النظام البرلماني والرئاسي المختلط الذي أقره الدستور عرضة للشلل وزاد تعقيد الأوضاع في البلاد مع تشتت السلطة بين البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وطيلة سنوات فشل السياسيون المتصارعون في إنشاء محكمة دستورية كانت ستحل الخلافات.
عندما فاز سعيد، القادم من خارج المنظومة، بأغلبية ساحقة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 2019. اعتبرت النتيجة رفضاً للطبقة السياسية بأكملها في تونس وتطلعاً لإصلاحات جوهرية.
وعلى عكس أغلبية النخبة السياسية، يرفض سعيد الحوار مع الأحزاب حول الإصلاحات ويعتبر أنه لا فائدة ترجى من حوار عقيم يعيد المنظومة السابقة للحكم. ويرى أن حواره يكون مع الشعب من خلال الاستشارة.

‭‭‭‭‭‭‭*‬‬ ‭‬‬‬‬‬‬فتور وعزوف‬‬‬‬‬‬‬‬
في يوم بارد وممطر قريب من جامعة المنار بتونس، أقام مجموعة من المتطوعين الموالين لسعيد كشكاً على شرفة مقهى مع لافتات ومكبرات صوت لتشجيع الناس على التسجيل في الاستبيان لكن بدا أن عدد
المهتمين قليل للغاية.
المتطوعون كانوا يتجولون أمام الجامعة وقرب المتاجر محاولين توزيع المنشورات وإقناع المارة بالمشاركة.
وشاهد صحافيو «رويترز» الذين كانوا هناك لمدة ساعة قلة من الناس يقبلون على التسجيل.
وبينما تقول أحزاب المعارضة إن الإقبال الضعيف يُظهر أن شعبية سعيد تتآكل، يرى مراقبون ومنظمات أن المشاركة الضئيلة التي لم تتجاوز خمسة في المائة قد تعصف أصلاً بمصداقية الاستشارة وتجعل اعتماد نتائجها مثار جدل واسع.
ويرفض أنصار سعيد هذا القول ويرون أن الشعب يقول كلمته لأول مرة بشكل شفاف وأنه يتطلع لترجمه رؤيته في الدستور المقبل لتونس.
يقول أحمد كوكي أحد مناصري سعيد وهو يوزع منشورات تروج للاستشارة: «نتوقع أن يزداد العدد بشكل أكبر في الأيام المقبلة. لكن بالنهاية لا يهم كم شارك. لقد ظلت نخبة سياسية صغيرة تقرر مكان الشعب طيلة العقد الماضي. الآن الكلمة للتونسيين مباشرة».
ويضيف: «تطوعنا لأنه للمرة الأولى في تاريخ تونس تتم استشارة الناس مباشرة بشأن القضايا الحيوية ولم يعد يتم إسقاطها من قبل السياسيين والأحزاب».

ومن المحاور المطروحة سؤال عما إذا كان النظام السياسي الرئاسي أو البرلماني أو المختلط هو الأفضل، وآخر ما إذا كان ينبغي للدولة إعطاء الأولوية للإصلاح الانتخابي أم ترك الأمور كما هي. وطرحت عدة أسئلة أخرى تتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
الترويج للاستشارة لم يقتصر على المتطوعين، إذ انضم عدد من المسؤولين على المستويين المحلي والجهوي للحملات وتنقلوا في الأسواق والشوارع والمراكز الثقافية وحتى أماكن السكن الجامعي.
وانضمت بعض الشركات المملوكة للقطاع العام للترويج للاستشارة من خلال حملة دعائية، مما أدى في بعض الأحيان إلى موجة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم توسيع دائرة المشاركة لتضم الشبان الذين تبلغ أعمارهم 16 عاماً وتوسيع الترويج للاستشارة في التلفزيون العمومي ظل الإقبال ضعيفاً.
وفي برنامج ديني بالتلفزيون العمومي دعا رجل دين إلى الإقبال على المشاركة في الاستشارة قائلاً إنه يجب استغلال فرصة استشارة التونسيين لكي يبينوا مواقفهم.
ومع ذلك فإن أنصار الرئيس يقولون إن الإعلام عموماً يتجاهل الاستشارة عمداً رافضين انتقادات بتوظيف أجهزة الدولة ومعتبرين أنها استشارة للدولة وليست استشارة لفرد واحد.
وبينما برر وزير الشباب التونسي كمال دقيش الإقبال الضعيف على الاستشارة بمشاكل تقنية وضعف خدمة الإنترنت في بعض المناطق الداخلية، فقد وجه سعيد سهام نقده للمعارضة وقال إن المنظومة السابقة تحاول إجهاض الاستشارة.
وفي مسعى للتحفيز على المشاركة دعا سعيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن في بيان نشرته الرئاسة إلى إتاحة الربط المجاني بالإنترنت للمستخدمين هذا الأسبوع.
ولكن بعض التونسيين ردوا على عرض الرئيس بتعليقات ساخرة تحت البيان الذي نشر في صفحة الرئاسة في «فيسبوك» قائلين: «سيدي الرئيس نريد الدقيق... نحن (أونلاين) بالفعل ولدينا (الإنترنت)»، و«إنترنت بلاش والزيت ما فماش؟ (إنترنت مجانية والزيت مفقود؟)».
بالنسبة للعديد من التونسيين، يبدو أن تعديل الدستور من جانب سعيد منفصل تماماً عن واقعهم اليومي المتمثل خاصة في تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار ونقص حاد في عدة سلع رئيسية وأدوية حيث تلوح في الأفق أزمة في المالية العامة.
وقال أشرف (25 عاماً) وهو عامل في سوبر ماركت كان يجلس في مقهى خلف المتطوعين رافضاً كل محاولات إقناعه بالمشاركة «لا أهتم تماماً بالاستشارة ولا تعنيني بتاتاً... على الرئيس التركيز على الاقتصاد
وتوفير الوظائف وتوفير الغذاء للناس... لكن لا يبدو أن شيئاً يتغير في هذا البلد إلا للأسوأ».



مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.